تحديات التمويل.. هل تُنقذ الضرائب نظام التقاعد في الجزائر؟

في مواجهة تحديات مالية متراكمة تتعلق بمنظومة التقاعد، تتجه الحكومة الجزائرية نحو مسار إصلاحي يرتكز على تعبئة موارد جديدة وتنويع مصادر التمويل.

تُراهن الجزائر على الضرائب لإنعاش منظومة التقاعد.. هل هو الحل الآمن فعلاً؟
 

كبديل عن حلول تقليدية، تطرح السلطات اليوم إجراءات تشريعية وجبائية مدروسة، تسعى من خلالها إلى ضمان ديمومة الصندوق الوطني للتقاعد وتعزيز استقراره المالي.
من بين خطوات إعادة التوزان لهذه المؤسسة التي اطلعت عليها " الترا جزائر": فرض رسوم على تعبئة الهاتف وخدمات الرفاه، وتوزيع مدروس لعائدات بعض الجبايات، مع الحفاظ على الطابع التضامني بين الأجيال.
فهل تكون هذه المُبادرات بداية لتحول نوعي في تمويل التقاعد؟ وهل تنجح في وضع الأسس لنظام أكثر مرونة وعدالة واستدامة؟

إعادة التوازن المالي لصندوق التقاعد

في مُواجهة العجز الهيكليي لصندوق التقاعد الذي يقارب حسب تقديرات رسمية خمسة مليارات دولار، أقرت الحكومة الجزائرية سلسلة من الإجراءات الجديدة الهادفة إلى تعزيز الموارد المالية للصندوق.

وبحسب المعطيات المتوفرة، يطرح هذا السؤال: تُراهن الجزائر على الضرائب لإنعاش منظومة التقاعد.. هل هو الحل الآمن فعلاً؟

تضمّن مشروع قانون المالية لـ 2026 سلسة من الأحكام التشريعية والجبائية يتصدّرها فرض رسم على عمليات تعبئة الدفع المسبق لخدمات الهاتف النقال، في خطوة ترمي لتوفير مصدر تمويل مستقر للصندوق الوطني للتقاعد، ويتم توزيع مداخيل هذا الرسم بنسبة 49% لميزانية الدولة، و50% لصندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية، و1% فقط لصندوق التقاعد.

تهدف سلسلة من الإجراءات التشريعية والجبائية الحكومية إلى تعزيز الموارد المالية لصندوق التقاعد، في مقدمتها فرض رسوم جديدة على خدمات استهلاكية واسعة الانتشار

وأبدت وزارة المالية في عرض الأسباب تفاؤلها بالنتائج المتوقعة لهذا الإجراء، اعتبارا لحجم استخدام الهاتف النقال في الجزائر، حيث تجاوز عدد مستخدمي الدفع المسبق 51 مليون مشترك في عام 2024، بمتوسط إنفاق شهري يقدر بـ 551 دينار جزائري، وفق ما جاء في عرض أسباب التعديل. مما يجعل هذا الرسم أداة فعالة في حشد أموال إضافية.

تحسبا لأي مقاومة لهذا التعديل، من قبل النواب ادرجت الحكومة هذا الاجراء ضمن عمليات التضامن بين الأجيال، وتذرعت بأن أغلب مستخدمي خدمات الهاتف النقال هم من الشباب الذين يستفيدون من تقنيات الاتصال الحديثة بشكل مكثف. 

وأجرت الحكومة أيضا تحيينا على الرسم المفروض على شراء اليخوت وسفن النزهة والزلاجات المائية، إضافة إلى معدات ترفيهية أخرى ذات قيمة مرتفعة، مع تخصيص 20% من عائدات هذه الرسوم للصندوق الوطني للتقاعد، بينما تذهب 80% لميزانية الدولة.

وعزت هذا الإجراء إلى الرغبة في الحدّ من استغلال عمليات شراء هذه المعدات كوسيلة لغسل الأموال، وتعزيز الشفافية في التعاملات المالية، مع رفع مساهمة هذه القطاعات في دعم منظومة التقاعد.

 تعديل توزيع مداخيل تعريفة القسيم

كما شملت التعديلات إعادة توزيع المداخيل المتوقعة من تعريفة قسيمة السيارات، حيث تقرر تخصيص 20% منها للصندوق الوطني للتقاعد، و30% لميزانية الدولة، و50% لصندوق التضامن والضمان للجماعات المحلية.

ويأتي هذا التعديل لتعزيز الموارد المالية للصندوق، وزيادة قدرته على تغطية الالتزامات المالية المتعلقة بمنح المعاشات، مع تخفيف العبء المالي على الميزانية العامة للدولة.

 استثمار أموال صندوق احتياطات التقاعد

تعزّزت هذه الإجراءات بمنح الصندوق الوطني لاحتياطات التقاعد، المنشأ بموجب قانون المالية لعام 2012 والممول أساسا من حصة من صادرات المحروقات، إمكانية توظيف أمواله في سندات الدولة، مع إعفاء الأرباح من الضرائب والرسوم، بالإضافة إلى إمكانية تفويض تسيير الصندوق إلى صناديق الضمان الاجتماعي المختصة.

ويهدِف هذا الإجراء وفق الحكومة؛ إلى خلق مصادر تمويل جديدة ومستدامة، تتيح بدائل متنوعة لتغطية حاجيات الصندوق، خصوصا في ظل تزايد الضغوط المالية على نظام التقاعد.

كما يعكس هذا التدبير  -حسبها- الحرص على تعزيز الشفافية والفعالية في إدارة موارد الصندوق، وضمان الاستفادة المُثلى من الأموال المتاحة، مع الإعفاءات الضريبية التي تحفز على زيادة العائدات المالية.

 مواقف وانتقادات

وفي تعقيبه على هذه الإجراءات، صرح النائب يوسف عجيسة، صاحب مقترح قانون لإصلاح نظام التقاعد، لـ"الترا جزائر"، بأنّ المنظومة تحتاج إلى مراجعة جدية، مشددا على ضرورة معرفة تفاصيل الاقتطاعات المالية التي تخصم لصالح صندوق التقاعد.

صاحب مقترح قانون إصلاح التقاعد النائب في البرلمان يوسف عجيسة لـ" الترا جزائر": المنظومة تحتاج إلى مراجعة جدية، ومن الضروري معرفة تفاصيل الاقتطاعات المالية التي تخصم لصالح صندوق التقاعد

وأوضح عجيسة أنّ الاطلاع على حاصل هذه الاقتطاعات، مثل نسبة 1% من تعبئة الهاتف أو 20% من القسيمة، أمر ضروري لتقييم مدى تأثيرها الفعلي في دعم الصندوق.

وأعرب عن قلقه من نقص الشفافية في إدارة صندوق احتياطات التقاعد، متسائلا عن حجم الأموال الموجودة فيه، وكيفية استثمارها، ومدى استفادة منظومة التقاعد منها فعليا.

كما أشار إلى أن الصندوق يعتمد على موارد متعددة، منها 3% من جباية البترول ورسوم أخرى، لكنه نبه إلى وجود استغلال لتمويل الصندوق عبر صندوقي الضمان الاجتماعي، وهو ما يثير تساؤلات حول وضوح واستدامة التمويل.

يوسف عجيسة: الاطلاع على حاصل هذه الاقتطاعات، مثل نسبة 1% من تعبئة الهاتف أو 20% من القسيمة، أمر ضروري لتقييم مدى تأثيرها الفعلي في دعم الصندوق

وجدّد عجيسة التأكيد على الحاجة إلى إصلاح نظام التقاعد، مقترحا السماح بالتقاعد بعد إتمام 32 سنة من الخدمة الفعلية دون شرط السن، معتبرا أن هذا الإجراء سيسهم في تجديد القوى العاملة وفتح فرص التشغيل أمام الشباب، ما يدعم استدامة النظام.

وختم تدخله بدعوة الحكومة إلى مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه منظومة التقاعد بشفافية ووضوح، محذرا من أن تجاهل هذه التحديات قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة.

من جانبه، رحب صرموم بختي، الأمين العام للاتحادية الوطنية للعمال المتقاعدين التابعة للاتحاد العمال، بهذه الخطوات، مشيرا إلى أنّ المتقاعدين ينتظرون بشدة أية زيادة في معاشاتهم، وبعضهم يتطلّع لأي زيادة ولو كانت رمزية، مضيفا أن هذه الفئة قدمت الكثير للبلاد، وتستحق التفاتة.

الأمين العام للاتحادية الوطنية للعمال المتقاعدين، صرموم بختي لـ" الترا جزائر": المتقاعدون ينتظرون بشدة أية زيادة في معاشاتهم، وبعضهم يتطلّع لأي زيادة ولو كانت رمزية

واعتبر أنّ عدم صرف الزيادات السنوية في المعاشات يعكس حجم الصعوبات التي يواجهها الصندوق، داعيا إلى تكثيف الجهود ومواصلة البحث عن حلول دائمة.

  إلى هنا يدعو خبراء إلى إصلاح جذري وشامل لنظام التقاعد، يأخذ في الحسبان التحولات الاقتصادية والديمغرافية المتسارعة، ويقوم على توسيع قاعدة التغطية الاجتماعية لتشمل العاملين في القطاع غير الرسمي، والنظر في تمديد سن العمل إلى ما فوق 60 عاماً.

صرموم بختي: التنظيم رافع قبل عقد من الزمن لفرض الرسوم على التعبئة والتبغ، باعتبارها وسيلة لسد العجز في صندوق التقاعد

في هذا الإطار كما يطالب الخبراء بتنويع مصادر تمويل الصندوق بعيدا عن الاعتماد الحصري على اشتراكات الأجراء، واعتماد نظام تقاعد مزدوج يجمع بين التوزيع والرسملة، مع تعزيز الحوكمة والشفافية في إدارة الصناديق.

كما يشدد الخبراء بضرورة تمتع صناديق التقاعد باستقلالية في اتخاذ القرارات، وبوجود مجالس إدارة متخصصة، والتي يجب أن تضم المتعاملين الاقتصاديين، فضلا عن تطوير أشكال التقاعد الادخاري عبر نشر ثقافة الادخار وتطوير سوق مالية فعالة تدعم برامج الادخار التقاعدي.