أظهرت المؤشِّرات الاقتصادية في الجزائر تحسنًا ملحوظًا رغم التحديات التي تواجهها، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، واحتلت الجزائر المرتبة الثالثة في أفريقيا مع نهاية 2024.
تصنيف البنك الدولي الصادر في منتصف عام 2024 أبرز أنّ الجزائر في انتقال إيجابي من حيث الدخل الفردي
ومن التوجّهات البارزة من قِبل المؤسّسات الحكومية الاعتماد على التنوع الاقتصادي والحد من الاعتماد على قطاع النفط، وتعزيز القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والزراعة، وتنفيذ إصلاحات هيكلية لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنمية القطاع الخاص، والابتكار التكنولوجي.
تحسين المؤشّرات الاقتصادية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في قطاع التعدين، والانتقال الطاقوي، ونمو قطاع الفلاحة.
مؤشرات
على خِلاف السنوات الماضية، جاءت نتائج الإحصاءات والتقييمات الاقتصادية المتخصصة إيجابية بالنسبة للجزائر. ومن أبرز تلك النتائج هو تصنيف الجزائر في المرتبة الثالثة على مستوى إفريقيا، بعد جنوب أفريقيا ومصر، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 266.78 مليار دولار.
كما تعّهدت الحكومة بأن يصل هذا الرقم إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2027، إذ اعتبر الرئيس عبد المجيد تبون ذلك مؤشرا على أنّ الجزائر تقترب من أن تصبح واحدة من الاقتصاديات الناشئة في الوقت الحالي.
وقد انعكس هذا الترتيب أيضًا على مستوى الدخل الفردي، حيث أظهر التصنيف السنوي للبنك الدولي الصادر في منتصف عام 2024 أنّ الجزائر انتقلت من "الشريحة الدنيا للبلدان ذات الدخل المتوسط" إلى "الشريحة العليا للبلدان ذات الدخل المتوسط"، وذلك بارتفاع الدخل الوطني الخام للفرد من 3900 دولار (بين 1 جويلية 2022 و30 جوان 2023) إلى 4960 دولار بين 1 جويلية 2023 و30 جوان 2024.
من جهته، يُشير التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2024 إلى أن الاقتصاد الجزائري سجل نموا بنسبة 3.9% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. رغم انخفاض إنتاج المحروقات، فإن الجزائر تمكنت من تحقيق هذه النتائج الإيجابية. كما أشار التقرير إلى تحسن ملحوظ في استقرار الأسعار، حيث تراجع معدل التضخم إلى 4.3% خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة ذاتها، مما يعكس استقرار أسعار المواد الغذائية الطازجة، وتراجع تكاليف الاستيراد، واستقرار سعر الصرف. هذه المؤشرات تعكس تحسنًا عامًا في الوضع الاقتصادي للبلاد.
رغم انخفاض صادرات المحروقات وزيادة الواردات والعجز المالي، تظل احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي قوية، حيث بلغت 16.2 شهرًا من الواردات حتى سبتمبر 2024، مع توقعات بأن يصل الاحتياطي إلى 72 مليار دولار بنهاية العام.
مؤشرات النموّ
من المؤشرات المشجّعة في الاقتصاد الجزائري في 2024 هو الأداء الإيجابي لقطاع الفلاحة، الذي ساهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي. فقد ارتفعت مساهمة القطاع الفلاحي في الناتج المحلي إلى 37 مليار دولار، مع تحقيق اكتفاء ذاتي في العديد من المحاصيل الغذائية مثل القمح الصلب.
وأظهرت إحصاءات "فاو" أن الجزائر أصبحت من أكبر منتجي الطماطم والبصل والبطاطا والبطيخ والتمر والزيتون والحمضيات في أفريقيا والعالم العربي، ما يعزز قدرة البلاد على تأمين غذائها محليًا، وتستهدف الحكومة تلبية 80% من حاجاتها الغذائية محليًا في المستقبل القريب.
الاعتماد على الأقطاب الفلاحية والاستثمارات الكبرى وذلك بتوسيع مساحة استصلاح الأراضي الصحراوية
بحسب الخبراء، فإن الرهان الأكبر في الفترة المقبلة يتمثل في تعزيز الأقطاب الفلاحية والاستثمارات الكبرى الوطنية والأجنبية، وذلك من خلال توسيع مساحة استصلاح الأراضي الصحراوية وزيادة نسبة السقي باستخدام المياه الجوفية أو المياه المعالجة. ومن أبرز الاستثمارات التي برزت في 2024 هو مشروع "بلدنا" القطري بالشراكة مع الصندوق الوطني للاستثمار، لإنتاج الحليب المجفف بأدرار الذي تجاوزت قيمته 3.5 مليارات دولار، الذي يعد خطوة هامة في دعم القطاع الفلاحي وتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
وبالإضافة إلى مشروع إنتاج الحبوب والبقوليات على مساحة 36 ألف هكتار في ولاية تيميمون، وهو شراكة بين المجموعة الإيطالية "بونيفيكي فيراريزي" (بي إف) والصندوق الوطني للاستثمار. المشروع، الذي يقدر حجمه الاستثماري بـ 420 مليون يورو، يهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي من الحبوب والبقوليات والمساهمة في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.
سوق الطاقة
رغم التقلبات في سوق الطاقة، حافظت الجزائر على مكانتها كأحد الموردين الرئيسيين للغاز إلى أوروبا، حيث احتلت المرتبة الثالثة المرتبة الثالثة بعد النرويج وروسيا. وللحفاظ على هذه المكانة وتوسيعها، أعلن وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب في أيار/ مايو الماضي عن استراتيجية جديدة لشركة سوناطراك تهدف إلى زيادة الإنتاج وبلوغ 200 مليار متر مكعب من الغاز سنويا خلال الأعوام الخمسة القادمة، علماً أن الإنتاج الجزائري في 2023 بلغ نحو 137 مليار متر مكعب.
في هذا السياق، أطلقت مشروع الممر الجنوبي للهيدروجين الذي ينقل الهيدروجين الأخضر من الجزائر إلى أوروبا عبر تونس، ويشمل مبدئيًا إيطاليا وألمانيا والنمسا.
كما وقعت سوناطراك والشركة الإسبانية للبترول سيبسا على مذكرة تفاهم لإنجاز دراسة جدوى مشتركة لتطوير مشروع متكامل لإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في الجزائر بهدف تزويد السوق الأوروبية بشكل رئيسي، ومنها مدريد.
وتهدف الجزائر إلى تصدير الفائض من الكهرباء إلى أوروبا ضمن مشروع يتم دراسته مع إيطاليا، بما أن الانتاج الوطني يغطي الطلب المحلي بكميات كبيرة حتى في فترات الذروة للاستهلاك الكهربائي.
وفي قطاع التعدين والمناجم، واصلت الحكومة تنفيذ المشاريع؛ حيث تمّ توقيع ثلاث اتفاقيات مهمة في أيار/ مايو الماضي، بمناسبة الذكرى الـ 58 لتأميم المناجم و57 لتأسيس شركة "سونارام".
وشملت الاتفاقيات مشاريع منجمية في غارا جبيلات بتندوف وتالة حمزة ببجاية، وتمثلت في: عقد بين "فيرال"الصينية و "سينوستيل" لبناء وحدة لمعالجة خام الحديد في غارا جبيلات بطاقة 4 ملايين طن، وإنشاء شركة مشتركة بين "توسيالي" التركية و"فيرال" لإنتاج مركزات خام الحديد في توميات ببشار بطاقة 1 مليون طن سنويًا، واتفاقية لإنشاء منجم باطني لاستخراج الرصاص والزنك في واد أميزور بطاقة 170 ألف طن من الزنك و30 ألف طن من الرصاص سنويًا.
ومن خلال عملية الإطلاق الرسمي لمشاريع الفوسفات المدمج ببلادالحدبة بولاية تبسة، وبوادي الكبريت بولاية سوق أهراس، تسعى الحكومة من خلالها إلى استغلال لتعزيز موارد البلاد.
ورغم تأجيلها لفترة طويلة، إلاّ أنها أصبحت من الأولويات ضمن استراتيجية اقتصادية تهدف للاستفادة من الثروات المعدنية الوطنية، مثل تطوير مناجم الذهب في تمنراست وإنشاء مصانع الحديد والصلب في وهران وجيجل.
بالرغم من أهمية المشاريع التي أطلقتها الحكومة في 2024، مثل تطوير المناجم والصناعات، إلاّ أنّ الرهان الأكبر للحكومة في العام الجديد تعزيز القدرة الشرائية، في مقابل توازن أسعار المواد الاستهلاكية، فضلا عن محاربة السوق الموازية والحفاظ على نسب النمو.