"تحدّي البراسيتامول"يطرُق أبواب المدارس.. هذه قصّة الجُرعة القاتلة

قد يعتقد البعض أنّ الباراسيتامول دواء "بسيط" أو "غير مضرّ" لأنّه يُستخدم بشكل شائع لتخفيف الحمى والألم. هذا الاعتقاد الخاطئ "؛ يُقلّل من تقدير البعض لمخاطر الجرعات الزائدة وكشفته لعبة "تحدّي البراسيتامول" الذي طرق أبواب المدارس، لكنه أصبح الخطر الصامت الذي يُهدّد التلاميذ، فماهي قصته؟.

تناول جرعات كبيرة من الباراسيتامول لا يُظهر أعراضًا فورية، إلاّ أنّ ذلك يؤدي إلى تلف تدريجي في الكبد،  قد ينتهي بالوفاة 

انتشر مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، خاصة "تيك توك"، ما يُعرف ما يُعرف بـ"تحدي الباراسيتامول"،  حيث يُقدم بعض المراهقين على تناول كميات كبيرة من هذا الدواء بهدف لفت الانتباه أو كجزء من منافسة غير مسؤولة.

تحدي ثم لعبة.. سمّ قاتل

هذا السلوك أثار قلقًا كبيرًا لدى الجهات التربوية والصحية، خاصة بسبب خطورته التي قد تؤدي إلى تسمم كبدي حاد، بل وحتى الوفاة خلال ساعات.

وزارة التربية الوطنية سارعت إلى إصدار بيان يضمّ تعليمات لتكثيف التوعية في المدارس، بالتعاون مع الأطباء والأخصائيين النفسيين. كما دعت منظمات مثل الجمعية الوطنية للصيادلة إلى منع صرف الباراسيتامول بدون وصفة طبية، وتشديد الرقابة عليه.

بالتوازي، أطلِقت حملة توعوية واسعة من الأطباء والصيادلة موجهة للأولياء، بهدف توضيح مخاطر هذا التحدي بلغة مبسطة ومرفقة بشهادات طبية، لحثهم على مراقبة سلوك أبنائهم وتجنب ترك الأدوية في متناولهم.

في هذا الحوار مع " الترا جزائر" ، يُناقش الدكتور سامي زروقي، المختص في الصحة العامة وصانع المحتوى الطبي على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، موضوع "تحدي الباراسيتامول" ويُسلط الضوء على الأخطار الصحية الكبيرة التي قد تنتج عن تناول هذا الدواء بجرعات مفرطة. كما يتطرق إلى أهمية التوعية لدى فئة المراهقين.

ماهو "تحدّي الباراسيتامول" وكيف انتشر بين المراهقين؟

يُعتبر "تحدي الباراسيتامول" من أخطر التوجُّهات التي ظهرت مؤخرًا بين المراهقين في الجزائر. يعتمد هذا التحدي على أن يتنافس المشاركون في شرب أكبر كمية ممكنة من دواء الباراسيتامول، ويستمرون في محاولات البقاء لأطول فترة ممكنة دون إظهار أي علامات على التعب أو التقيؤ. 

تظهر الأعراض الأولى خلال 24 ساعة وتشمل الغثيان و القيء ثمّ فقدان الشهية و التعرق والتعب

يتمّ تصوير هذه التجارب في فيديوهات تُنشر على منصات التواصل الاجتماعي مثل "تيك توك"، بهدف جذب الانتباه وجني الإعجابات.

وتُعد هذه السلوكيات، التي تتم في غياب كامل للوعي بمخاطرها، شديدة الخطورة، ولكن على الرغم من أنّ تناول جرعات كبيرة من الباراسيتامول لا يظهر أعراضًا فورية، إلاّ أنّ ذلك يؤدي إلى تلف تدريجي في الكبد، مما قد يسبب فشلًا كبديًا حادًا قد ينتهي بالوفاة في غضون أيام.

تُساهم عدة عوامل في انتشار هذا التحدي الخطير، منها سُهولة الحصول على الدواء، في ظلّ غياب التوعية الصحية، وانتشار محتوى هذه التحديات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، مما يزيد من خطورتها ويدفع المراهقين لتكرار هذه السلوكيات المُدمّرة.

ما هو الباراسيتامول؟ وما هي أعراض التسمم الناتج عنه؟

الباراسيتامول هو دواء شائع يُستخدم لتخفيف الألم وخفض الحرارة، ويُستعمل عادة لعلاج الصداع، الحمى، والآلام الخفيفة إلى المتوسطة. يعمل عن طريق تقليل إنتاج البروستاغلاندينات في الجهاز العصبي المركزي، وهي مواد تساهم في الإحساس بالألم وارتفاع الحرارة.
رغم فعاليته، فإن تجاوز الجرعة الموصى بها قد يؤدي إلى تسمم كبدي حاد قد يكون مميتًا. تظهر الأعراض الأولى خلال 24 ساعة وتشمل الغثيان، القيء، فقدان الشهية، التعرق والتعب، ثم تليها مرحلة "التحسن الكاذب" بين 24 و72 ساعة، حيث تبدأ علامات تضرر الكبد. 

أمّا المرحلة الأصعب لظهور الأعراض بين 72 و96 ساعة، فتتضمن الفشل الكبدي مثل اليرقان، نزيف، انخفاض مستوى السكر، اضطرابات دماغية، وقد تنتهي بالوفاة إذا لم يُتدخل طبيًا في الوقت المناسب.

لماذا يكون المراهقون أكثر عرضة للسلوكيات المضرّة؟ 

 يميل المراهقون بطبيعتهم إلى حبّ الاستكشاف والرغبة في إثبات الذات، مما يدفعهم أحيانًا إلى اتخاذ قرارات متهورة دون وعي بعواقبها. 

المرحلة الأصعب لظهور الأعراض بين 72 و96 ساعة، فتتضمن الفشل الكبدي مثل اليرقان، نزيف، انخفاض مستوى السكر، اضطرابات دماغية

كما تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز هذا السلوك، إذ يسعى البعض إلى لفت الانتباه أو تحقيق "الشُّهرة السريعة" من خلال تقليد سلوكيات خطيرة أو غير مُعتادة، دون إدراك للمخاطر الصحية أو النفسية المترتبة عليها.

ما هو دور الطبيب داخل المؤسسة التربوية؟

يؤدي الطبيب دورًا محوريًا في تعزيز الوعي الصحي داخل المدارس، من خلال تقديم محاضرات وحملات توعوية بالتعاون مع الكادر التربوي. 

يُفضّل أن تُعرض هذه المعلومات بلغة مبسطة قريبة من فهم التلاميذ، لتشجيع التفاعل دون تخويف. 

كما يمكن للطبيب الإسهام في إدماج مفاهيم الصحة والوقاية ضمن المناهج الدراسية، بالإضافة إلى رصد الحالات النفسية المقلقة وتوجيهها نحو الرعاية المتخصّصة في وقت مبكر.