17-ديسمبر-2024

(الصورة: كلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر2)

فريق التحرير - الترا جزائر 

رَفعت تصنيفات عالمية حديثة ترتيب الجامعات الجزائرية، مما جعلها تحتل مكانة متقدمة على الصعيدين العربي والأفريقي، ورغم ذلك، يلاحظ مختصون وجود مشاكل في بعض المؤسسات الجامعية التي لا تزال تخرّج طلبة بمستوى علمي ضعيف رغم حصولهم على شهادات في التعليم العالي.

يلقى نظام "آل أم دي" المطبق في الجامعات انتقادات كثيرة من متخصصين، إذ تم استيراده دون تكييفه مع طبيعة الطالب والجامعة الجزائرية

على الرغم من اختلاف أهمية التصنيفات الدولية لمؤسسات التعليم العالي، فإن احتلال الجامعات الجزائرية لمراتب متقدمة وفقًا لهذه المقاييس يبقى مهمًا.

يعتمد هذا التصنيف أساسًا على عدد الابتكارات والمقالات العلمية المنشورة في الدوريات العالمية المعروفة؛ ولذلك، يتطلب الأمر من الحكومة بذل المزيد من الجهد لجعل الجامعات الجزائرية من المراكز التعليمية المرموقة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

تحسّن في التصنيفات

إلى هنا، احتفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي في منشور على فيسبوك يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر الحالي بدخول 37 جامعة جزائرية ضمن "تصنيف الجامعات العربية 2024"، الذي يأتي ضمن تصنيف تايمز للتعليم العالي، ويشمل 238 مؤسسة من 16 دولة.

ورغم أن الجامعات الجزائرية لم تحتل المراتب الأولى، حيث دخلت جامعة الجلالي اليابس سيدي بلعباس ضمن الـ 100 جامعة عربية (من المرتبة 81 إلى 90)، إلا أن الجزائر تصدّرت التصنيف مغاربيًا وأفريقيًا بعد دخول 37 جامعة جزائرية في التصنيف.

كما جاءت الجزائر في المرتبة الأولى أفريقيًا وعربيًا في تصنيف "التايمز" العالمي لتأثير الجامعات، الذي شمل 2152 مؤسسة من 125 دولة، بينها 54 مؤسسة جامعية جزائرية. هذا يُعد تحسنًا كبيرًا مقارنة بتصنيف 2023 الذي شمل فقط 12 مؤسسة جزائرية، ما مكن الجزائر من تصدر المرتبة الأولى مغاربيًا وأفريقيًا وعربيًا من حيث عدد الجامعات المصنفة.

جاءت جامعة سيدي بلعباس في المرتبة الأولى مغاربيًا وأفريقيًا في الترتيب العالمي للميادين الأكاديمية لشنغهاي 2024. فقد احتلت الجامعة المرتبة من 201 إلى 300 في تخصص الهندسة المدنية، بينما صنفت ضمن أفضل 500 مؤسسة جامعية عالميًا في مجال علوم المواد والهندسة، تحديدًا في الترتيب 401-500.

وشمل التصنيف العالمي "ويبوميتركس" لسنة 2024،  العالمي لعام 2024 لأول مرة 13 جامعة جزائرية ضمن مؤسّسات التعليم العالمية التي يتم تقييمها، وهو تقدم ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة التي كانت تشمل فيها الجامعتان الجزائريتان فقط.

وضمّ التصنيف كلًا من جامعة الإخوة منتوري قسنطينة 1، جامعة العلوم والتكنولوجيا هواري بومدين بباب الزوار، جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان، وجامعات عمار ثليجي بالأغواط، العربي تبسي بتبسة، محمد خيضر ببسكرة، فرحات عباس بسطيف، جيلالي اليابس بسيدي بلعباس، 8 ماي 1945 بقالمة، قاصدي مرباح بورقلة، باجي مختار بعنابة، جامعة المسيلة، وجامعة امحمد بوقرة ببومرداس.

عدة عوامل

أرجع الدكتور حذبي فيصل، الأستاذ المحاضر بكلية العلوم الاقتصادية بجامعة تيسمسيلت، التحسن في تصنيف الجامعات الجزائرية إلى عدة عوامل.

من أبرز هذه العوامل زيادة عدد المقالات المنشورة من قبل الأساتذة الجزائريين في دوريات علمية مرموقة من الصنف "أ" و"أ+"، مما يرفع نسبة الاستشهاد بمقالاتهم ويؤثر بشكل إيجابي في ترتيب الجامعات، وأضاف أنّ هذا التحسن يعود بشكل رئيسي إلى زيادة عدد الباحثين الذين يكتبون مقالاتهم العلمية باللغة الإنجليزية، حيث أن معظم الدوريات المرموقة تصدر بها. وكان النشر بالفرنسية سابقًا يحد من فرص مقالات الباحثين الجزائريين في الحصول على قراءات واستشهادات واسعة.

وأكد حذبي أنّ الوزارة أصبحت تشجع الأساتذة على نشر مقالات باللغة الإنجليزية وتدعم الأطروحات العلمية التي تُقدّم بهذه اللغة، مما يساهم في تحسين ترتيب الجامعات الجزائرية على المستوى العالمي.

تعمل المديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي من خلال اللجنة الوطنية لترقية مرئية وتصنيف مؤسسات التعليم العالي، وكذلك اللجنة الوطنية التنسيقية لمتابعة الابتكار وحاضنات الأعمال الجامعية، على تنظيم ملتقيات في مختلف الجامعات لتوضيح سبل رفع ترتيب الجامعات الجزائرية على المستويين الإقليمي والدولي.

وفي آب/أوت الماضي، نظمت جلسة عمل شارك فيها الخبير في استراتيجيات الذكاء الاصطناعي والأستاذ في جامعات بجنوب أفريقيا وفرنسا، كريم جواني، الذي قدم عرضًا تناول الترتيبات المناسبة لتعزيز مرئية المنتج العلمي وتأثيره على المعرفة العلمية الدولية.

كما ناقش تعزيز مخرجات البحث العلمي ورفع جودة التعليم كوسيلة لتحقيق مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية. وبيّن جواني أن أنظمة التصنيف الأكاديمي تعتمد على معايير متنوعة تشمل جودة التعليم، وتوظيف الخريجين، والأداء البحثي.

تدني التحصيل العلمي؟

رغم التحسن في تصنيف الجامعات الجزائرية عالميًا، إلا أن هذا لا يمكن أن يخفي تراجع مستوى التحصيل العلمي للطلبة المتخرجين، وهو ما أكده أساتذة وملاحظون لقطاع التعليم العالي في الجزائر.

في دراسة نشرتها أستاذة إدارة الأعمال بجامعة بومرداس، الدكتورة خديجة، حول "تدني مستوى التحصيل العلمي للطلبة الجامعيين"، قالت إنّها أصبحت أصبح ظاهرة معقدة"، وهي "نتيجة منطقية للسياسات التنموية الارتجالية وغير المخططة". وأشارت إلى أن استيراد النماذج الجاهزة من مجتمعات أخرى قد يكون خطيرًا، لأن الجامعة الجزائرية لها خصوصيات تميزها عن باقي الجامعات.

كما يلقى نظام "آل أم دي" المطبق في الجامعات انتقادات من متخصصين، إذ تم استيراده دون تكييفه مع طبيعة الطالب والجامعة الجزائرية. وفي هذا السياق، أكد الدكتور فيصل حذبي أن النظام قد أدى إلى تراجع مستوى الطلبة بسبب تقليص الحجم الساعي، مشيرًا إلى ضرورة مراجعة هذا النظام أو العودة إلى النظام الكلاسيكي.

إلى هنا، أشار الدكتور فيصل حذبي إلى أن تراجع مستوى التحصيل العلمي لدى الطلبة يعود إلى عدة أسباب، أبرزها أن الطالب أصبح يركز بشكل رئيسي على الحصول على العلامة والشهادة، نتيجة لظاهرة "تشغيلية التخصص"، حيث يظل مستقبل العمل بعد التخرج غامضًا بسبب ضعف القطاع الاقتصادي الذي لا يستقطب الخريجين.

وأوضح أن هذا الوضع يجعل الطالب يواصل دراسته الجامعية إما من أجل الحصول على الشهادة فقط أو لتحقيق رغبات العائلة، دون أن يكون لديه حافز حقيقي للتفوق الأكاديمي.

وأضاف محدث"الترا جزائر" أن تراجع مستوى الطلبة يعود أيضًا إلى اهتمامهم بجمع النقاط للانتقال إلى المراحل التالية من التعليم (الليسانس أو الماستر) دون التركيز على اكتساب الكفاءات العلمية التي ترفع من إنتاجيتهم المهنية.

كما أشار إلى أن ضعف الهيكل الاقتصادي في الجزائر، نتيجة لنقص المؤسسات الاقتصادية وضعف قدرتها على استقطاب الموارد البشرية، يساهم في تراجع همّة الطالب الجامعي. هذا الغموض حول مستقبل العمل ينعكس سلبًا على تحصيله العلمي.

وتابع حذبي قائلًا إن ضعف الهيكل الاقتصادي يؤثر أيضًا على مستوى البحث العلمي في الجزائر، حيث لا يتم تمويل الأبحاث أو البراءات الجديدة كما هو الحال في الدول المتقدمة، التي تحرص المؤسسات الاقتصادية فيها على تطوير البحث العلمي ودعمه لتحقيق الابتكار وريادة الأسواق، مشدّدًا على أهمية اهتمام المؤسسات الاقتصادية بتوظيف المتفوقين من الخريجين، لأن ذلك سيسهم في زرع الأمل لدى الطلبة، مما يرفع من مستواهم المعرفي والأكاديمي.

تدابير تعليمية ومجتمعية

يعتقد الدكتور فيصل حذبي أن تحسين تصنيف الجامعات الجزائرية عالميًا يبدأ بتثمين البحث العلمي، من خلال مكافأة الأساتذة الذين يقدمون براءات اختراع أو الذين يتم الاستشهاد بمقالاتهم بشكل كبير من قبل الباحثين العالميين، وذلك بتقديم مكافآت مالية إلى جانب الترقية المهنية والاستفادة من تدريبات خارجية.

ويرى المتحدث أن الحكومة لا تستطيع القيام بهذه المهمة بمفردها، بل تحتاج إلى مشاركة القطاع الاقتصادي في هذه العملية. فبينما تقدم الدولة دعمًا للمخابر البحثية قد يصل إلى 3 ملايين دينار، إلا أن بعض التخصصات التقنية تتطلب أجهزة ومواد معينة لا تستطيع الدولة توفيرها. لذا، يجب تمويل هذه البحوث من قبل المؤسسات الاقتصادية، كما يحدث في العديد من الدول العالمية.

كما يقترح الأكاديمي  دعم البحوث بإنشاء مراكز جهوية للبحث العلمي تشرف على المخابر الجامعية، لمتابعة سير الأبحاث، وتنظيم الملتقيات العلمية وتوفير الدعم للأساتذة في هذا المجال. وأكد على ضرورة تكاتف الجهود لتكوين طالب يحب البحث والمعرفة، ويعيش في بيئة تربوية تحترم العلم وتثمنه مجتمعيًا، مع ضرورة مكافحة ثقافة التفاهة التي قد تسيطر على الحياة اليومية.

الدكتور فيصل حذبي لـ "الترا جزائر": ترتيب الجامعات الجزائرية عالميًا يتطلب تحسين مستوى أداء الطالب في بيئته التعليمية والمجتمعية

وشدّد حذبي على أن تحسين ترتيب الجامعات الجزائرية عالميًا يتطلب تحسين مستوى أداء الطالب في بيئته التعليمية والمجتمعية، حيث يبقى الطالب حجر الأساس في العملية التعليمية.