تتحدّث المقالة أدناه، المترجمة عن موقع سبوتنيك فرانس، عن تدفّق أعدادٍ كبيرةٍ المهاجرين السرّيين إلى الجزائر، قادمين من أعماق القارة السمراء، هربًا من الحروب والفقر والإرهاب باتجاه أوروبا، وكيف تحوّلت الجزائر من نقطة عبور لهؤلاء المهاجرين إلى مقرّ دائم، يستقبل يوميًا أكبر ممّا تستقبله القارة الأوروبية.
تُعتبر الجزائر من بين أكبر البلدان المصدّرة للمهاجرين إلى أوروبا، ولكنّها أيضًا بلد حاضنٌ لعدد هائل منهم، أولئك الهاربون من الحروب والتقتيل والفقر والإرهاب في أفريقيا وبعض الدول العربية، وهي أيضًا نقطة عبور مهمّة لكثير من المهاجرين الأفارقة نحو الحلم الأوروبي.
الجزائر، مُستقرٌّ ونقطة عبور
إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر، واتساع حدودها البريّة، جعلها بيئة خصبة لانتعاش ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين بشكل متزايد، خاصّة بالنسبة للأفراد القادمين من دول الساحل الأفريقي، والذين يعتبرون الجزائر وجهتهم المفضلة، خاصّة مع تفاقم الاضطرابات الأمنية والاقتصادية التي عرفتها دولهم، لهذا يلجأون إلى الحدود متسلّلين عبر العديد من النقاط باحثين عن الملجأ والمأوى والاستقرار.
اقرأ/ي أيضًا: المهاجرون الأفارقة في الجزائر.. شقاء الأحلام
يُذكر أن الجزائر كانت من بين الدول المصادقة على البروتوكول الخاص بتهريب المهاجرين برًا وبحرًا وجوًّا، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، المعتمد من طرف الجمعية العامة سنة 2000 وترتّب عن ذلك بعد سنوات، استخراج القانون رقم 09-01 المؤرّخ في 21 شبّاط/فبراير2009 هذه القوانين التي سعت الجزائر جاهدة لكي تطبقها بالتعاون مع دول الجوار والدول الأوروبية للحد من هذا التدفّق.
تُدرك الدول الأوروبية، التي اتخذت في السنوات الأخيرة إجراءات صارمة بغلق حدودها والتضييق على موجات الهجرة بتشديد الرقابة على الموانئ والمطارات والطرقات، أن الجزائر هي من بين نقاط العبور المهمّة إليها، لهذا سعت كثيرًا للتعاون مع الحكومة الجزائرية بتشديد الخناق على موجات الهجرة، في المقابل، تعتبر الجزائر أيضًا مستقرًّا مؤقتًا أو دائمًا لكثير من العائلات والأفراد، لهذا اتخذت سلطاتها وحكومتها الكثير من الإجراءات الرادعة خوفًا من تفشّي الجريمة والإرهاب العابر للحدود، بمراقبة وتحصين الشريط الحدودي من خلال التضييق الأمني على نقاط العبور والممرّات السرّية التي تسهل عمليات التسلّل، وكذلك مراقبة تحرّكات الأجانب عبر التراب الجزائري، وعمليات تزوير الوثائق لتسهيل الإقامة، ومنع استغلال العمالة الأجنبية وإيوائها، وتسهيل نقلها عبر المواصلات العامة والخاصة.
ضغط موجات الهجرة
أكد رئيس المهمّة بالمنظّمة العالمية للمهاجرين في الجزائر العاصمة، باولو جيوسيبي كابوتو، في حوار أجراه مع جريدة "لوسوار"، أن الجزائر تستقبل عددًا مهمًّا من المهاجرين يوميًا، هذا العدد الذي يفوق نسبة المهاجرين التي تستقبلها كل الدول الأوروبية مجتمعة.
وحسب تصريح المسؤول، فإنّ" الجزائر تخضع لضغطٍ قوّي من موجات الهجرة، ومن الطبيعي أن يتّخذ المسؤولون إجراءات احترازية للتحكّم في هذا التدفّق، وقال متأسفًا أن هناك طرقًا تنتهجها الجزائر للتحكّم في هذا التدفّق من بينها الإعادة القسرية، وهي الطريقة التي أكّد أنها تُنتهج في العديد من الدول في العالم".
الجزائر تتفوق على أوروبا
أضاف كابيتو أنّ"الجزائر تستقبل يوميًا تدفقًا هائلًا للمهاجرين غير الشرعيين، وأنه حسب إحصائيات الحكومة الجزائرية التي تمتلك السيادة على حدودها، فإنّ الوافدين عبر الحدود بلغوا معدل 500 شخص في اليوم وبطريقة سريّة، منتشرين عبر كل التراب الجزائري، وهذا يُشير إلى أن الجزائر لوحدها تستقبل عددًا هائلًا من المهاجرين، يفوق ذلك الذي تُحصيه جميع الدول الأوروبية".
منافع العودة الطوعية
من جهة أخرى، قال السيد كابيتو إن هناك "خيارًا آخر يُمَكِّن المهاجرين من العودة إلى بلدانهم لكن مع الكثير من المكاسب لهم وللدول العضوة في المنظمة العالمية للمهاجرين، وذلك من خلال مساعدتهم على العودة الطوعية وإعادة إدماجهم في بلدانهم".
وبحسب كابيتو فإن هذه الطريقة تمكّن كثير من المهاجرين من العودة إلى ديارهم في ظروف حسنة وبكل كرامة، مع توفير أحسن الظروف الأمنية لهم، كما أنهم يستفيدون خلال هذه العملية من المساعدات الطبيّة، على حدّ تعبيره.
في السياق ذاته، أشار المتحدّث إلى أن المنظمة العالمية للمهاجرين قد اعتمدت عنصر إعادة الإدماج في إجراءات العودة الطوعية، وهذا يسمح للمهاجرين حسبه، بالعودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية في بلدانهم بفضل الدعم البسيكولوجي والاقتصادي أيضًا.
يستطرد أن "هذا الإجراء يتلقّى الدعم الكامل من طرف الدول العضوة في المنظمة العالمية للمهاجرين، ولا يقتصر فقط على دعم الدولة الجزائرية فقط".
البلد القدوة في تسيير الهجرة
تناول باولو جيوسيبي كابيتو في حواره هذا أيضًا، مسألة السياسة المتّبعة من طرف السلطات الجزائرية لمجابهة موجات الهجرة المستمرّة، خاصّة تلك القادمة من المناطق الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وقال المتحدّث أن" الجزائر تمتلك القدرة على أن تكون الدولة القدوة إفريقيًّا في تسيير موجات الهجرة".
إحصائيات متباينة
كشفت المنظمة العالمية للمهاجرين في وقت سابق إحصائيات بين 50000 و 75000 مهاجرًا يعيشون على التراب الجزائري في وضع غير قانوني، من بينهم 42٪ لا ينوون الهجرة نحو أوروبا، بل في الحقيقة، هم يريدون العيش والعمل والاستقرار في الجزائر.
أما السلطات الجزائرية، فقد كشفت بدورها عن إحصائية لـ 100000 مهاجر سرّي داخل الجزائر، من بينهم 25000 وحدهم ، يعيشون في ولاية تمنراست، أقصى جنوب البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: