17-أغسطس-2022
جمعيات تطالب بتغريم كل من يرمي القمامة في الفضاءات العامة (فيسبوك/الترا جزائر)

جمعيات تطالب بتغريم كل من يرمي القمامة في الفضاءات العامة (فيسبوك/الترا جزائر)

يحتجّ الكثيرون من منظر انتشار النفايات على الشواطئ في عديد المدن الساحلية، كما يحتجّ آخرون من انتشار كبير للنفايات في المدن والأحياء السكنية، كما تشكّل هذه الظاهرة رفضًا لقطاع واسع من الناس في حين تطالب بعض الجمعيات الخاصة بالمحافظة على البيئة والمحيط بضرورة تطبيق القوانين والردع على مستوى الفضاءات العمومية، والساحات، إذ أصبحت بعضها أكوام من القمامة، في وقت بات الحديث عن النظافة في الجزائر بشكل عامّ أمر يطرح التساؤلات: فمن هو المسؤول في النهاية؟

 جمعية "ترمي تخلص" أطلقت مبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى تغريم كل من يرمي النفايات 

لا تخلو الجزائر من الجمعيات الناشطة على مستوى عدة مناطق وأحياء وأغلبها تعمل على نشر الوعي وثقافة البيئة النظيفة، إذ أطلقت جمعية "ترمي تخلص"، أي من يرمي الأوساخ والنفايات سيدفع الثمن، التي تنشط في ولاية عنابة شرق الجزائر، مبادرة بدأت عبر مواقع التواصل الاجتماعي فترة وباء كورونا من أجل بيئة نظيفة، وتحسيس السكان بضرورة الحفاظ على البيئة.

حملة جماعية   

المبادرة في حدّ ذاتها خطوة نحو إشراك المجتمع المدني من مكونات الجمعيات التي تنشط محليًا في الأهداف المسطرة نحو تنظيف الشواطئ التي تزخر بها المدينة الساحرة "عروس الشرق" الجزائري، وتنظيم حملات أسبوعية لتنظيف الأحياء السكنية والقيام بعمليات التشجير أيضًا.

يتحدث القائمون على المبادرة عن التوعية الإرشاد، بداية بضرورة تعليم الأطفال أهمية البيئة التي يسكنون فيها وضرورة نظافتها، إذ قال عبد الحكيم لعشيشي رئيس جمعية "الدراجة الخضراء" ومدرب المنتخب الوطني لفريق الدراجات (Green bike) الذي بادر بالفكرة في البدايات أن شعار الحملة هو: "العيش في بلد نظيف"، لافتًا في تصريح لـ" الترا جزائر" أن العملية ليست صعبة لكنها تحتاج إلى تغيير سلوكات الناس، بدءًا من سكان ولاية عنابة ثم زوارها من المدن الأخرى.

وأكد لعشيشي الذي يشغل منصب أستاذ في اللغة الإنجليزية على أن الجمعية ذات الطابع الرياضي تحمل شعار "السلامة البيئية" أيضًا لافتًا إلى أن الحملة التي يقودها رفقة العشرات من المتعاونين والقائمين على عدة نشاطات تسعى إلى إشراك الجميع في محاربة الرمي العشوائي للنفايات في الشوارع وفي الفضاءات العامة وحمل السلطات المعنية بضرورة " تجريم هذا الفعل المشين"، حدّ قوله.

الطبيعة تقاوم يد الإنسان

في وقت سابق كانت مدينة عنابة في مصاف المدن الساحلية الجميلة في الجزائر، إذ عبر لعشيشي عن قلقه بالتزايد الكبير للنفايات في مختلف أحيائها، لافتا إلى أنها سميت بـ"بونة الجميلة" لجمال شواطئها وهواءها النقي ومناظرها الطبيعية الخلاّبة، لذا على الجميع أن ينضم إلى المبادرة وأن تتوسع لتشمل مختلف الولايات الجزائرية التي تزخر هي الأخرى بمناظر أجمل وأبهى.

كأيّة مبادرة تستهدف الصالح العام، يدعو أعضاء الجمعية المواطنين إلى الانخراط في المشروع البيئي "ترمي تخلّص" التي من جملة مساعيها معاقبة كلّ من يرمي الأوساخ والفضلات في المساحات العامة وفي الأحياء السكنية ومراقبتها أيضًا، وعليه فإن هذه المبادرة تشجع على أهمية تطبيق القانون لكلّ من يطال البيئة بغرامة مالية.

الملفت للإشارة، فإن القائمين على هذه الجمعية سبق لهم أن أطلقوا مبادرة في عزّ تفشي وباء كورونا تسعى لحماية البيئة وحملت عنوان: "نريد غرامة على رمي القمامة"، وهي حملة لاقت استحسانًا كبيرًا لدى المواطنين.

واللافت أيضًا أن مساعي مبادرة "ترمي تخلص"، اجتازت حدود " بونة" نحو المدن المجاورة، إذ استقطبت اهتمام الكثيرين من الناشطين على مستوى البلديات في أطر قانونية وجمعيات البيئة والفلاحة والجزائر الخضراء، والتفّ حولهم المواطنين وهو ما يبشر بتوسع المبادرة واحتضانها من طرف الكثيرين من مختلف فئات المجتمع.

السياحة تبدأ من هنا

تساءل البعض عن السياحة في الجزائر وضروراتها، إذ قالت السيدة فريدة بولعسل من جمعية "بيئة ونظافة" الناشطة على مستوى منطقة" عين سمارة "بولاية قسنطينة، أن النظافة ركن مهم من أعمدة السياحة وجلب السياح واستقطاب الزوار، مشيرة إلى أن "الأماكن المخصصة للاستجمام باتت اليوم " ركامًا من النفايات"، بل وهي الطاردة للزوار أيضًا.

وأشارت محدثة" الترا جزائر" إلى أن ولاية قسنطينة من المناطق التي ينبهر الزائرون بشكلها الطبيعي وجسورها وأماكنها التاريخية، غير أن النقطة السوداء أن بعض الفضاءات باتت "مهربة للزوار" والسبب هو انعدام "النظافة وبالتالي خفوت سمات الذّوق العام الذي يجعل منها قطبًا سياحيًا وتاريخيًا وثقافيًا في آن واحد".

وعزت السيدة بولعسل استفحال الظاهرة إلى "انعدام الوعي والردع"، داعية إلى أهمية تحسن السلوك المدني والحضور الشعبي في المبادرات التي تدفع بالعمل على نظافة الفضاءات العامة التي هي في حدّ ذاتها ملك للجميع ومسؤولية الجميع للحفاظ عليها، على حدّ قولها.

قضية الجميع ولكن

يتفق الجميع على أن البيئة هي قضية تهم الجميع، بل هي قضية يومية لا يمكن الإفلات منها، لكن هناك فكرة انتشرت كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي مفادها أن " الجزائري يملك بيته فقط" وهو السبب الذي جعله يهتم بما في داخل أركان جدران مسكنه فقط أما ما بعد عتبة البيت فلا يهتم به.

هذه العبارات، أطلقتها إحدى السيدات كانت جالسة مع رفيقتها في المكان المخصص للاستراحة أمام ساحة أول ما بالعاصمة الجزائرية، وبالقرب من مستشفى " مصطفى باشا الجامعي"، إذ امتعضت بشدة من تلك الأكواب من القهوة والشاي المرمية هنا وهناك، فضلا عن قارورات البلاستيك التي شكلت ديكورا سيئا للمكان، رغم جمالية المكان الذي يعدّ جزء من تاريخ العاصمة الجزائرية.

ليست العبارات فقط التي تلقفتها " الترا جزائر" عن نظافة المكان بقلب مدينة تسمى بـ"البيضاء"، بل هناك عدة أحياء وشوارع بالعاصمة الجزائرية تحمل تاريخًا عميقًا وعريضًا ولكن تشوّهت صورتها وماضيها بسبب انتشار القاذورات، رغم مرور شاحنات رفع القمامة التابعة للبلديات ليلًا على مختلف الأحياء إلا أن بعضها لم تتخلص من نفاياتها المنزلية وبعض المحلات المنتشرة في معظم شوارعها.

يطرح متتبعون أسئلة تتعلق بنجاعة هذه الحملات لتوعية المواطنين بنظافة المحيط في الجزائر؟

هل تكفي المبادرات والحملات لتوعية المواطنين بنظافة الفضاءات العامة في الجزائر، أم يحتاج ذلك عملية ردع قانونية، تستدعي تطبيق الغرامات والضرائب على أي سلوك يسيء للطبيعة وللمكان الذي يعتبر ملكا للجميع والحفاظ عليه مسؤولية الجميع؟ أسئلة أجاب عنها البعض بقولهم إن الحملات التوعوية وحدها لا تنقذ الطبيعة من سلوكات البشر ولا تكفي لردعهم، خصوصًا وأن وظيفة المؤسسات هي جمع النفايات وليس محاربة من يرمي علبة سجائر فارغة في الشارع أو التخلص من سيجارة أو قارورة ماء من نافذة السيارة.