29-نوفمبر-2024
المزارع النموذجية في الجزائر

ملف العقار الفلاحي مهمة معقدة للحكومة الجزائرية (صورة أرشيفية)

فريق التحرير - الترا جزائر 

تنتظر مصالح أملاك الدولة التابعة لوزارة المالية و مديرية التنظيم العقاري واستصلاح الأراضي التابعة لوزارة الفلاحة مهمّة في غاية التعقيد، بالعمل على تسوية ملف العقار الفلاحي العالق منذ سنوات، والذي ينتظر من معالجته خلال 2025 حل أهمّ المشاكل التي يواجهها هذا القطاع الاقتصادي الهام التي تعوّل عليه الحكومة لرفع مساهمته في الدخل القومي الجزائري.

يدعو دنة سيدهم في حديث إلى "الترا جزائر" إلى ضرورة تسوية عقود أراضي العروش التي لا تتوفّر على عقود ملكي بغية تسهيل الفلاحين الحاليين،

ويظهر أن الحكومة ستعمل على معالجة مختلف القضايا الاقتصادية في السنوات القادمة لتحيقيق التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون المتعلقة بجعل ولايته الرئاسية الثانية "اقتصادية بامتياز"، ورفع الدخل القومي الوطني إلى 400 مليار دولار في 2027.

قرار رئاسي

أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الثلاثاء الماضي خلال إشرافه على مراسم الاحتفال بالذكرى الـ50 لتأسيس الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين طي ملف العقار الفلاحي نهائيا خلال السنة القادمة 2025.

وقال تبون إن "العقار الفلاحي معضلة وإرث منذ الاستقلال لكن سنعمل على طي الملف نهائيًا خلال السنة القادمة 2025 ".

وأسدى رئيس الجمهورية تعليمات إلى الوزير الأول ووزير المالية وكافة أعضاء الحكومة بالعمل مع الفلاحين لإيجاد حل لهذا الملف وإيجاد "ضوابط قانونية لتحديد ملكية الأراضي وحمايتها".

وثمّن عضو المجلس الوطني للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين دنة سيدهم في حديثه مع "الترا جزائر" هذا القرار، بالنظر لانعكاساته الإيجابية على الفلاح وتطوير القطاع الفلاحي الذي تبقى الأرض أساس تنميته والذهاب به إلى مستويات متقدمة.

وبين أن تسوية ملكية الأراضي للفلاحين ستجعلهم ينشطون أكثر ويساهمون بدرجة أعلى في زيادة الإنتاج الفلاحي، لأن بعضهم يستثمرون اليوم على أراضٍ ليست ملكهم، وهذا يقلل من مستوى شغفهم وتفانيهم في النشاط الذي يزاولونه.

وذكر دنة سيدهم أن كثيرًا من العقار الفلاحي يوجد اليوم بيد ممّن لا يستغلونه سواءً باستفادتهم من أراضٍ منحتها لهم الدولة، أو يملكون أراضٍ فلاحية لا يستغلونها.

وقال مدير التنظيم العقاري واستصلاح الأراضي بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، وحيد تيفاني في تصريح للقناة الإذاعية الأولى الحكومية إن تسوية ملف الملكية العقارية ستعزّز المردودية والمساهمة الاقتصادية للقطاع في المستقبل.

وأشار تيفاني إلى أن وزارة الفلاحة باشرت عملية استكمال الإجراءات المتعلقة بالحيازة على الملكية العقارية للأراضي الفلاحية، التي ستفضي في النهاية إلى تسليم عقود الملكية، حيث ستتم هذه العملية بالتنسيق مع وزارة المالية والسلطات المحلية.

عملية معقدة

لا تعدّ تسوية ملف العقار الفلاحي إجراء إداريًا عاديًا، بل إنه قضية تحتاج إلى طول نفس وتحرك على مختلف المستويات الإدارية، بالنظر لعدم وجود وثائق ملكية بعض الأراضي الفلاحية، وكذا تراكم الممارسات غير القانونية التي حدثت في هذا المجال وجرّت عدة مسؤولين إلى أروقة المحاكم.

وكشف مدير التنظيم العقاري واستصلاح الأراضي بوزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، وحيد تيفاني عن إحصاء 48 إشكالية عبر 35 ولاية يجري العمل على حلّها، حيث تم الفصل في ملكية 529203 هكتارات من أصل مليون و132 ألف هكتار، والتي ستتم تسويتها بشكلٍ كامل خلال السنة المقبلة، وذلك إما بتسليم عقود الملكية لشاغليها أو استرجاع الأراضي وإعادة توزيعها وفق مبدأ "الأرض لمن يخدمها".

وأضاف أن نص القانون 10-03 الخاص بعقود الامتياز، سيتم تفعيله لتحويل حق الامتياز إلى المستغل الفعلي وضبط عقود الشراكة وفق نفس المبدأ.

وحسب موقع وزارة الفلاحة الجزائرية، أصدر المشرع الجزائري عدة قوانين لمعالجة ملف العقار الفلاحي ابتداءً من القانون 83-18 المؤرخ في 13 أوت 1983 المتعلق بحيازة الملكية العقارية الفلاحية وصولًا إلى القانون رقم 10-03 المؤرخ في 15 أوت 2010 الذي يحدد شروط وكيفية استغلال الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الخاصة للدولة.

ويرى الدكتور أحمد جبوري، الذي مارس مهنة القضاء في مساهمة علمية له بعنوان " الإشكالات القانونية والعملية المرتبطة بالعقار الفلاحي وبمنازعاته" أن جذور مشكل العقار في الجزائر تعود إلى الفترة الاستعمارية، ورغم سعي المشرع الجزائري لحل هذا الملف عبر ترسانة من التشريعات، إلا أن جل النزاعات المطروحة على أروقة العدالة بما فيها القضايا الجزائية تتعلق بالعقار أو سببه العقار، ومنها العقار الفلاحي.

وأوضحت دريس خوجة سعدية رئيسة قسم بمجلس الدولة الغرفة الرابعة المختصة بمنازعات العقار وفق ما جاء في ملخص لمساهمة لها منشورة على موقع مجلس الدولة في شباط/فيفري 2021 أن من الإشكالات التي تواجه منازعات العقار الفلاحي هو "إسقاط الحقوق العقارية بقرار من الوالي دون إثبات المخالفات التي قام بها المستفيد، و ذلك بتحرير المحاضر من طرف الأعوان المؤهلين، وعدم توجيه الإنذارات أي عدم الالتزام بالإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون المنظم لها، وإلغاء الوالي لقرار الاستفادة دون اللجوء إلى القضاء و الذي يعد تجاوزا للسلطة، ورفض تحويل حق الانتفاع إلى حق الامتياز بسبب إخلال المستفيد بالتزاماته رغم عدم إثبات هذا الإخلال بتحرير المخالفات المرتكبة".

وحسب المسؤلة القضائية ذاتها، فإن من بين أهم إشكالات تسوية ملف العقار الفلاحي هو "تنازل المستفيد عن حقّ الانتفاع بعقد توثيقي أو عرفي، وإضافة بقرار ولائي مستفيد للمستثمرة الفلاحية دون احترام الشروط القانونية".

وأشار عضو المجلس الوطني للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين دنة سيدهم في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن أهمّ جانب في عملية التسوية تتمثل في استرجاع العقارات الفلاحية من المستفيدين منها دون أن يستثمروها، ومنحها للفلاحين الحقيقيين، مبينًا أن هذا الإشكال موجود في الولايات الشمالية والجنوبية على حد سواء.

ويدعو دنة سيدهم إلى ضرورة تسوية عقود أراضي العروش التي لا تتوفّر على عقود ملكية، بغية تسهيل الفلاحين الحاليين، كون تمكينهم من ملكيتهم لهذه الأراضي سيجعلهم يبقون بالمناطق التي يقيمون فيها، ويثبتون جدارتهم بنشاطهم الزراعي ولا يفكرون في تغيير نشاطهم.

وذكّر عضو الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين أن ملف تسوية الأراضي الفلاحية من المحاور التي طالب بها الاتحاد منذ سنوات لكنها لم تلق الاستجابة، إلا هذه المرة من قبل رئيس الجمهورية، آملًا أن تكون هذه المعالجة شاملة وكاملة.

حماية قانونية

يشدّد مدير التنظيم العقاري واستصلاح الأراضي بوزارة الفلاحة على أهمية الحصول على عقود الملكية، لأن تسوية قضية العقار الفلاحي ستتيح للفلاحين الاستفادة من مختلف أنماط وآليات الدعم والقروض البنكية، إضافة إلى مرافقة الدولة لهم عبر الامتيازات القانونية.

ولفت وحيد تيفاني إلى أن المستثمرين الذين استفادوا من المحيطات الفلاحية في إطار عقود الامتياز تم تخصيص الأغلفة المالية اللازمة للتكفل باحتياجاتهم المتعلقة بشبكات الطرق والري والكهرباء، مما يساهم في تسهيل استغلال الأراضي وتشجيع استثماراتهم.

أما عضو اتحاد الفلاحين الجزائريين دنة سيدهم فيرى أن التسوية المرتقبة للأراضي الفلاحية ستساهم في حماية هذه الأخيرة من تغيير نشاطها، والتصدي لزحف الاسمنت عليها الذي تسبب في ضياع عدة أراض خصبة، مبينا أن القانون يسمح فقط ببناء بيت وفق شروط معينة داخل مزرعة على الأراضي الفلاحية، وليس بالشكل الذي حدث في عدة مناطق بالبلاد.

وتأتي عملية تسوية الأراضي الفلاحية بعد عام من  طرح الحكومة قانونًا جديدًا يتعلق بحماية أراضي الدولة والمحافظة عليها الذي ويهدف إلى "كبح ظاهرة فوضى العمران التي تفاقمت في السنوات الماضية"، وفق ما قاله وزير العدل السابق عبد الرشيد طبي خلال عرضه مشروع هذه القانون للمناقشة على البرلمان.

وسعى القانون ذاته إلى "معالجة مسألة حماية أراضي الدولة, بغض النظر عن مسألة تسوية الوضعيات السابقة التي تتكفل بها نصوص قانونية أخرى"، أي أنّ تسوية لملف الأراضي الفلاحية سيراعى فيها حمايتها من أي استغلال وتغيير النشاط الذي حدده القانون لها.

لا تعدّ تسوية ملف العقار الفلاحي إجراء إداريًا عاديًا، بل إنه قضية تحتاج إلى طول نفس وتحرك على مختلف المستويات الإدارية

رغم من التعقيدات التي ستواجهها عملية تسوية العقار الفلاحي، إلا أن النجاح في هذه المهمة سيشكل خطوة هامة في التخلص من أكبر المشاكل التي تعترض تطوير قطاع الفلاحة في الجزائر، الذي أصبح  الاهتمام به اليوم أولوية للحكومة، بالنظر إلى مساهمته الهامة في الدخل القومي الوطني.