10-سبتمبر-2020

عبد المجيد تبون, عبد العزيز بوتفليقة (تركيب/الترا جزائر)

تدفع السلطة في الجزائر بقوى المجتمع المدني، للعب دورٍ محوريٍ في دعم خطط الإصلاح السياسي التي يعتزم الرئيس عبد المجيد تبون تنفيذها في عهدته الرئاسية الأولى، معوّلًا على قوى المجتمع المدني لتمرير ورقة الإصلاحات بداية بروح قوانين الدستور، التي عدّها من أولويات أجندته السياسية منذ حملته الانتخابية، وفوزه برئاسة الجمهورية كانون الأوّل/ديسمبر 2019 في انتخابات شهدت مقاطعة الأغلبية من الهيئة الناخبة.

يبدو أن السّلطة السياسية ماضية في التحضير لقالب سياسي جديد

باشرت الماكنة السياسية للسلطة السياسية، في تشييد أساس وأرضية لبناء شبكة من المنظمات والجمعيات التي تسند ظهر رئيس الجمهورية، وتوفِّر له حاضنة شعبية لمشروعه السياسي، في خطوة يراها متابعون للشأن السياسي في الجزائر مرحلة لإعادة ترتيب الساحة السياسية تحسبًا لمواعيد انتخابية وسياسية كبرى، تشهدها الجزائر في المستقبل القريب، كاستفتاء الدستور ومواعيد كبرى بداية العام المقبل.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة وجمعيات المجتمع المدني.. عهدٌ جديد أم تكرارٌ لممارسات سابقة؟

ماكنة شعبية

قبل شهرين من أوّل محطّة حاسمة، تتعلّق باستفتاء شعبي لتعديل الدستور في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، وسط قلق ومخاوف جديّة من قوى سياسية تتحفظ من خيارات الرئيس والسلطة، إزاء استغلال المجتمع المدني واستنساخ تجربة تنسيقيات المساندة التي كان أنشأها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

يبدو أن السّلطة السياسية، ماضية في التحضير لقالب سياسي جديد، تحت غطاء جمعيات ولجان عبر الأحياء والبلديات، أو ما سمي بـ "فدرالية الجمعيات" في كل ولاية و"كونفدرالية وطنية"، من شأنها أن تجسّ النبض في الشارع خاصة عقب الحراك الشعبي، الذي استمر لأزيد من سنة كاملة، والذي أثبت حسب الناشط السياسي المحامي مسعود قادري "قوّته وجدارته في افتكاك الاستقطاب الجمعوي والمجتمعي في آن واحد".

ويعتقد المحامي قادري في تصريحه لـ "الترا جزائر"، أنّ هذه الفدراليات هي "محاولة لتنظيم المجتمع المدني بشكلٍ ولون مغاير عمّا سبق في فترة حكم الرئيس بوتفليقة"، رغم أنه "يُشكِّك في مدى نجاعتها في تخطّي ما هو موجود من جمعيات".

ويقودنا ما جاء على لسان المتحدث إلى طرح سؤال جوهري مفاده، هل هذه الجمعيات هي بديل عمّا هو متوفّر في الساحة والتي تعدى عددها 100 ألف جمعية، إضافة إلى الآلاف التي تنشط خارج إطار الدولة؟

المُلفت للانتباه، أنّ الرّئيس تبون سبق وأن صرح أنه ترشّح باسم المجتمع المدني، معلنًا مراهنته على ترقية عمل المجتمع المدني، الذي يعتبر في نظر الساسة بأنّه القوّة المجتمعية في أي بلد، ويمكنه أن ينظّم مختلف القطاعات خاصّة إن كان المنخرطون فيه من مختلف الفئات العمرية والقطاعية، وتمثيلهم للعمال يكون تمثيلًا حقيقيًا، على حدّ تعبير الناشطة الحقوقية سمية بن عبد الله، مشدّدة في تصريح لـ "الترا جزائر"، أنه من الأولويات في الساحة الجمعوية إعادة تنظيم الجمعيات، وتطهير ما هو موجود من العهد السابق لحكم الرئيس بوتفليقة، على حدّ تعبيرها.

اعتمادات في شهر ونصف

بالأرقام، تم اعتماد أزيد من أربعة آلاف جمعية في الجزائر منذ آذار/مارس الماضي (فترة وضع الملفات إلى غاية اعتمادها رسميًا)، إذ تُعتبر في نظر الكثيرين فترة قصيرة لاعتماد هذا الرقم الهائل من الجمعيات خصوصًا وأنها تزامنت مع فترة الأزمة الصحيّة العصيبة، وتنظّم الجمعيات على مستوى الأحياء في مختلف بلديات الجمهورية.

على الأرض، يعقد مستشار رئيس الجمهورية المكلّف بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج نزيه برمضان، عدّة لقاءات مع الجمعيات في عدة ولايات، إذ أعلن أن اعتماد هذه الجمعيات تم في ظرف شهر ونصف، و "العدد في تزايد مستمرّ"، مثلما صرح للتلفزيون الجزائري الرسمي، معلنًا أن الداخلية تلفت أزيد من ثمانية آلاف ملف كطلبات لإنشاء جمعيات، معلنًا تسهيلات لذلك أمرّ بها الرئيس تبون.

وحسب برمضان، فإن العقبات التي كانت حائلًا ضدّ تأسيس جمعية تم تفكيكها في هذه الفترة بالذات، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والجماعات المحليّة والتهيئة العمرانية والعدل على نحو "حلّ المشاكل والعراقيل ذات الصلة بالمحضر القضائي، إضافة إلى تخفيف الملف المطلوب عن طريق "تقليص عدد الوثائق المطلوبة ومدة دراستها".

وتجسيدًا للإرادة السياسية، أسرّ المكلف بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج، للجزائريين أن يتوجهوا "نحو التنظيم والتأطير والتأهيل والمرافقة بينها وبين مؤسسات الدولة".

الملفت أن إشراك المجتمع المدني حسب المؤسسات الرسمية هو تنفيذٌ لبرنامج الرئيس، تقول بن عبد الله، موضّحة أن الجزائر عرفت "حراكًا شعبيًا تجاوز نشاطه في الشارع مدة سنة كاملة، وكلل بتشبع الطبقة الشبانية بثقافة المعارضة الواقعية، وتقديم المطالب السياسية والاجتماعية عن طريق صوت الشعب في الميدان".

مخاوف من موالاة جديدة

سياسيًا، تتوضّح الرؤية شيئًا فشيئًا منذ أشهر، إذ يرى مهتمون بالشأن السياسي في الجزائر أن هناك "محاولات لإعادة المراهنة السياسية على المجتمع المدني وإبعاد الأحزاب التقليدية من الساحة"، حيث حذرت بعض الفعاليات السياسية في الجزائر من هذا التوجّه ومن استغلال المجتمع المدني، مؤكّدة انتباهها مبكرًا للأمر ومحذّرة في الوقت نفسه من "إعادة إنتاج المناورات السياسية نفسها".

 حركة مجتمع السلم (كبرى الأحزاب الاسلامية في الجزائر)، نبّهت للموضوع، ولمّحت إلى مؤشرات في هذا المنحى السياسي، المتمثل حسب قول رئيسها عبد الرزاق مقري: "سعي السلطة الى تأطير مجتمع مدني موالٍ لها".

 وبرأي رئيس حركة "حمس"، هي "إعادة انتاج ممارسات سياسية قبيحة من قبيل الأبوية ومحاولة استبعاد الأحزاب السياسية والوصاية عليها"، مضيفًا في خرجاته الصحفية الأخيرة، أن الهدف من إعادة تشكيل المجتمع المدني في هذا الظرف السياسي، يهدف إلى "بناء شبكات موالية جديدة، وصناعة زبائنية واستحداث مجتمع مدني موالي"، معتبرًا أنها "ممارسات خطيرة ستعيد البلاد الى ما كانت عليه".

شريك أم تابِع أم مستقلّ؟

تتّفق أصوات كثيرة في الجزائر، مع الطّرح، الداعي إلى عدم استغلال قوى المجتمع المدني لمآرب سياسية، وتصفها بـ "التابعة"، لتنفيذ أجندات سياسية قادمة.

وبالعودة للخلف، تدفع هذه القراءات إلى التوجّس من قرارات الرئيس تبون القاضية بتنظيم وتأطير الجمعيات والتنسيق فيما بينها مع مؤسسات الدولة، وذلك ما يطرح سؤالين أساسيين في المرحلة التي تسبِق الاعلان عن مسودّة الدستور؛ يتعلق الأول بمدى سير هذه الجمعيات وخاصة التي تمّ اعتمادها مؤخرًا، على طريقة استنساخ تجربة تنسيقيات مساندة الرئيس السابق بوتفليقة؟ أما الثاني فيستفسر عن المغزى من وراء تكاثر هذه الجمعيات، بافتراض هل ستكون هذه الجمعيات عبارة عن أُطُر لإرساء مجتمع مدني شريك أساسي وضروري للسّلطة السياسية الحالية، أم مستقلّ عنها أم تابع لها؟

 كان التوجّه السائد لعقدين من الزمن يهدِف إلى استثمار المجتمع المدني في تلميع صورة الرئيس

وحتّى تتضح الرُّؤية أكثر في المستقبل القريب، سؤال تبقى الإجابة عنه مُعلّقة، رغم أنّه فتح الباب أمام منحى تصاعدي لاستمرارية حركة تسيير الدولة ومؤسساتها من منظور إيجابي، خاصّة أمام انهيار فترة حكم بوتفليقة، حيث كان التوجّه السائد لعقدين من الزمن، يهدِف إلى استثمار المجتمع المدني في تلميع صورة الرئيس ومشاريعه وخِطاباته وتبرير قراراته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون يراهن على 100 ألف جمعية لبناء قاعدة للحكم

الحكومة تلجأ للجان الشعبية.. سكّان الأحياء أدرى بفقرائهم