31-مايو-2021

الانتخابات التشريعية أتي في ظرف سياسي متوتر (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

على طول شارع طرابلس الواقع بلدية حسين داي بالعاصمة، خصصت المصالح التقنية للبلدية واجهات حديدية للإشهار المتعلق بالحملة الانتخابية. يقف عمي ناصر يتصفّح بعض قوائم المترشّحين للانتخابات التشريعية، المزمع إجراؤها في 12 حزيران/ جوان القادم، أغلب الواجهات فارغة، وبعض للافتات مزّقتها أيادي تلاميذ المدرسة المجاورة، ومعظم الوجوع التي تظهر في القوائم لم يسبق لها الانخراط في النشاطات السياسية والجمعوية.

 عزوف المواطنين عن الانتخابات جعل كثيرًا من المترشحين يوجّهون خطاباتهم إلى الكراسي والجدران في قاعات شبه فارغة

هنا، يقول عمي ناصر في حديث إلى "التر جزائر" رغم قلة عرض القوائم لم يتعرف على أي مترشّح، مضيفًا أن "بلدية حسين داي من أكبر الدوائر الانتخابية، إلا أن القوائم التي أمامي لم ترشّح أيّة شخصية معروفة في الدائرة". وأشار محدثنا أن أجواء الحملة الانتخابية لم تعرف نشاطات حزبية مكثفة، ماعدا هذه اللافتات.

اقرأ/ي أيضًا: التشريعيات في الجزائر.. رحلة بحث شاقة عن منتخِبين

حملة سرّية

منذ انطلاق الحملة الانتخابية للتشريعيات الجزائرية، في الخامس من شهر أيّار/ماي الجاري، لتتواصل على مدار ثلاثة أسابيع، لم يظهر أثر للمترشحين في الشارع، حيث يتفادى كثير منهم الصدام في الشارع مع المواطنين الرافضين للانتخابات، خاصّة في المدن الكبرى تزامنًا مع عمليات قمع الحراك، وحملة الاعتقالات المكثفة التي مارستها السلطة في الأسابيع الأخيرة، وإن كان بعض المتشرشّحين فضّل تنظيم ندوات داخل قاعات مغلقة، إلا أن عزوف المواطنين عن الانخراط - كما في السابق- في هذا الموعد الانتخابي، جعل كثيرًا من المترشحين يوجّهون خطاباتهم إلى الكراسي والجدران في قاعات شبه فارغة.

وبالعودة إلى التشريعيات السابقة، فإن التشريعيات كانت تشهد نشاطًا كبيرًا من طرف المنتخبين والأحزاب التقليدية الموالية للسطلة، وفي كثير من المرّات كانت تشهد حملات هذه الأحزاب تجاوزات في العلن، أبرزها تسخير وسائل الدولة ومعدات البلديات للترويج لحملتها الدعائية وتعليق اللافتات، كما تنال أحزاب الموالات حصّة الأسد من الترويج الإعلامي في المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصّة أيضًا.

يذكر أن هذه التشريعيات، سجّلت دخول 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة لمترشحين مستقلين، ومع ارتفاع عدد المترشّحين هذه المرّة، إلى أن التوتّرات السياسية في الجزائر، جعل نشاطات المترشّحين يتراجع.

تضييق أمني 

تجدر الإشارة أن الحملة الانتخابية تجري وسط ظروف سياسية مضطربة، إذ يواصل نشطاء في الحراك الشعبي الدعوة إلى المقاطعة، و شهدت العاصمة حملة اعتقالات مسّت مناضلين ومناضلات، حيث عرفت مسيرات يومي الجمعة مضايقات أمنية، ويوحي هذا الاستعراض الأمني بحسب المتتبعين أن السلطة عازمة على تقويض الحركات الاحتجاجية، والمُضي إلى استكمال مسار البناء المؤسساتي وفق خارطة الطريق السلطة لم تحظ بالإجماع الوطني. 

فتور انتخابي 

وفي سياق الموضوع تقول إيمان عويمر الإعلامية والمهتمة بالشأن السياسي، أنّ الاجواء السياسية لا توحي بأن الجزائر مقبلة على انتخابات تشريعية، مستدركة أن الأمر ليس في الحكم القطعي ومن الأحسن ترقب الوضع خلال الأيام المقبلة، موضّحة أن انطلاقة الحملة كانت خجولة وفاترة، على حدّ تعبيرها.

وفي سياق الحديث عن محاولة المتشرحين إقناع المواطنين بالانتخاب لتمثيلهم في البرلمان، تُشير عومير في حديث إلى "الترا جزائر"، إلى أن غالبية الخطابات اعتمدت على التحذيرات والأخطار الخارجية، "بيد أن التركيز كان لا بدّ من أن يَصب على المشاكل الداخلية والاهتمامات المواطناتية"، وفي تقدير عويمر فإن الشارع الجزائري منشغلٌ بالوضع الاجتماعي الهش.

المجتمع أصيب بصدمة وخيبة أمل بعد حراك شعبي رفع سقف المطالب عاليًا، ودعا إلى تغيير جذري في الممارسات السياسية القديمة، التي جعلت الجزائريين يفقدون الأمل في التغيير عبر صناديق الاقتراع. الشارع مًل من الخطابات والوعود والخرجات الفلكورية، تقول عويمر.

وعلى ضوء نتائج استفتاء الدستوري الذي جرى في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فإنّ العزوف الشعبي غير مستبعد، وهو ما يهدد مصداقية وشرعية البرلمان القادم، بحسب محدّثتنا.

مواقع التواصل 

وفي جولة استطلاعية قادت "التر جزائر" على مستوى مقرّات الأحزاب في الجزائر العاصمة، لاحظنا عدم وجود حركية كثيفة لمناضلين ومناضلات داخل المقرات، عدا لافتات وصور قوائم المترشّحين، بينما كانت المكاتب الفرعية خالية والبعض منها موصودة ومغلقة الأبواب.

وركّزت بعض الأحزاب التقليدية على تنظيم تجمعات ولائية، بينما اختارت أحزاب أخرى العمل الجواري وخرجات ميدانية والاستماع إلى المواطن مباشرة، حيث فَضل البعض الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر القوائم، وعرض البرنامج،  في المقابل، شدد مختصون في مجال الاشهار الإلكتروني  عدم تمكن الكثير من من تصدير صورة إيجابية، وتسويق برامجها بشكلٍ احترافي، ما انعكس عنه حملة تنمر و سخرية، إذا يحتاج تنشيط الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى شركات متخصّصة في مجال التسويق الإعلامي.

بدت الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية غير معنية بمجال المنافسة السياسية والصراع بين البرامج الانتخابية

في ظلّ فتور انتخابي واضح، بدت الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية غير معنية بمجال المنافسة السياسية والصراع بين البرامج الانتخابية، مركّزة على اتهام نشطاء الحراك الشعبي وأنصار المرحلة الانتقالية كخصوم يشكّلون خطرًا على مستقبل البلد، تناغمًا مع خطابات السلطة التي تروّج لهذا الخطاب في الأسابيع الأخيرة، لكبح الحراكات الاحتجاجية ومسيرات الحراك الشعبي المستمرّة منذ أكثر من سنتين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إسقاط العتبة والتساهل في مسألة المناصفة خلال التشريعيات المقبلة

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخاب