تضاربت الآراء وردود الفعل الجزائرية، على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حول التصريحات المنسوبة للسفير الروسي في الجزائر إيغور بيليايف، خلال لقائه مع محمد جميعي، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني "أفلان"، فقد جاء في صفحة الحزب على موقع فيسوك، نقلًا عن السفير الروسي أن "موسكو ترى أن الحلّ للأزمة، هو في تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال".
دافع حزب جبهة التحرير الوطني عن تصريحات السفير الروسي في الجزائر
التعليقات التي حامت حول الموضوع، صبّت في فكرّة أن حزب جبهة التحرير (حزب السلطة)، حاول إيهام الرأي العام، بأن روسيا تقف إلى خيارات المؤسّسة العسكرية في الجزائر وتدعّم خيارتها، وذهب بعضهم إلى تفسير ما حدث بالتدخّل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، والإستقواء بالخارج ضدّ الإرادة الشعبية.
اقرأ/ي أيضًا: القمح الروسي بدل الفرنسي.. توجّه إلى تبعية أخرى؟
من جهته، دافع محمد لعماري المكلف بالإعلام لحزب "الأفلان" عن تصريحات السفير الروسي، واعتبر في تصريح لموقع "كل شيء عن الجزائر"، أن السفير الروسي "اكتفى بالتعبير عن أمله في أن يجد الجزائريون الحلّ بأنفسهم في أقرب وقت ممكن".
بصرف النظر عن صحّة هذه التصريحات من عدمها، فإن سياق الأحداث المتسارعة في الجزائر داخليًا وأبعاد الأزمة خارجيًا، ولقاءات السفير الروسي مع شخصيات حزبية في فترة سياسية حرجة تعيشها البلاد، تأخذ أيّ تصريح من دوائر خارجية على محمل الجدّ، وتضعه محلّ اهتمام ومتابعة كبيرين.
من جهة أخرى، تزامنت الخرجة الإعلامية المنسوبة لسفير الروسي، مع تصريحات نائب وزير الدفاع الوطني وقائد الأركان قايد صالح، الذي وجّه انتقادات إلى أطراف يحتمل أنها خارجية لم يُسمها، واتهمها في مقطع من خطابه الأخير ، بأنّها تُحاول "تقزيم دور الجزائري إقليميًا ودوليًا".
في هذا السياق، تُشير تحرّكات الحكومة الجزائرية، إلى محاولتها إعادة ترتيب علاقاتها السياسية والاقتصادية الدولية وفق أيديولوجية جديدة، بالإضافة إلى تعزيز علاقتها مع الصين وروسيا، وهو ما قد يُفضي إلى التخفيف من ضغوط الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأميركية، في ملفات تشمل الهجرة السرّية والأمن في الساحل الأفريقي والتجارة الخارجية وإدارة الصراع في ليبيا.
مبرّرات تاريخية
تمتدّ العلاقات الجزائرية الروسية إلى فترة الاتحاد السوفياتي سابقًا، فقد حاولت الدولة الجزائرية الفتية وقتها، بناء نسيجها الصناعي عبر التعاون مع الاتحاد السوفياتي سابقًا، واتجهت إلى تكوين وتأهيل آلاف الإطارات في مجال الصناعات الكبرى وتكنولوجيا المحروقات، والتعاون العسكري والتقني، وقد لعب البعد التاريخي والخيارات السياسية والأيدولوجية غداة الاستقلال دورًا مهما في تأسيس هذه العلاقات المتميّزة، لكن تلك العلاقات لم ترتق إلى تعاون مستمرّ لظروف داخلية عرفها البلَدان.
في محاولة لرفع مستوى التعاون بين الجزائر وروسيا، وقعّ البلدان عقد شراكة سنة 2001، حيث تضمّنت الوثيقة توسيع مجال التعاون العسكري والصناعي والتجاري، وشكّلت بعدها زيارة الرئيس فلاديمير بوتين في مارس/ آذار2006، عودة الدفيء إلى العلاقات الجزائرية- الروسية.
تقرّر خلال زيارة بوتين إلى الجزائر، التوقيع على اتفاقيات بشأن مبيعات الأسلحة الروسية للجزائر، وتمّ شطب الديون الجزائرية لروسيا والمقدرة بـ 4.7 مليار دولار، مقابل شراء سلع وخدمات من روسيا، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بين مجمّع "سوناطراك"، وشركة "غاز بروم" في مجال الغاز الطبيعي.
أدّى تقارب روسيا مع أكبر مموّلي الدول الأوربية، إلى تفاقم مخاوف عواصم القارّة العجوز، من تسقيف الأسعار بين الطرفين، لكن هذا التقارب لم يرتقِ أيضًا كما كان متوقعًا منه إلى تشكيل "كارتل إقتصادي" في مجال الغاز الطبيعي، وتعود أسباب فشه إلى غياب إرادة سياسية، ومسارعة الجانب الإيطالي إلى التفاوض على حصص تمويل طويلة المدى.
العلاقات العسكرية
التعاون العسكري بين الجزائر وموسكو تحوّل في السنوات الأخيرة إلى تحالف استراتيجي، حيث تعتبر الجزائر أول زبون أفريقيًا، وثالث عالميا للعتاد والسلاح الروسي، حيث تتلقى الجزائر ما بين 70 / 80 في المائة من المخزون العسكري من روسيا، وبحسب الخبير في الشأن العسكري والأمني أكرم خريف، ارتفعت قيمة المعدّات العسكرية خلال العشر السنوات الأخيرة إلى حوالي 20 مليار دولار.
وتمتلك الجزائر أبرز الأسلحة الروسية، مثل "طوافات مي-"171، "دبابات T90" ، "أنظمة دفاع جوي أس 300"، وتعزّز العلاقات العسكرية مجال الصيانة والتكوين المتواصل والتعاون الإستخباراتي والأمني في مجال مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة.
ويُشير خبراء في المجال، إلى أن الأسلحة الإستراتيجية والتكتيكية ذات البعد الاستراتيجي، تُمنح في إطار محدّد وبضمانات سياسية، حيث يتمّ مراعاة بعض الجوانب السياسية الداخلية كالقدرة على التحكّم في الوضع الأمني والاستقرار السياسي، إضافة إلى التوافق في بعض المقاربات الجيو-إستراتيجية والأمنية والإقليمية؛ فالغواصات الجزائرية ذات الصناعة الروسية، تمتلك صواريخ كلوب " كاليبر"، ولها قدرات قتالية تتجاوز الحدود الجغرافية المحليّة إلى أبعاد دفاعية إقليمية، والجزائر بالنسبة إلى روسيا من أقوى دول غرب المتوسّط التي يمكن الاعتماد عليها أمنيًا وإقليميًا.
علاقة الجزائر بموسكو السياسية، شهدت مؤخّرًا تقاربًا على مستوى ملفّات دولية وإقليمية، حيث تعوّل موسكو على الجزائر في مبادرات الوفاق الوطني في ليبيا، وتشارك موسكو رؤية الجزائر في آليات حلّ الأزمة السياسية، واستبعاد خيار التدخّل العسكري الخارجي في عملية التسوية السياسية بين الأطراف الليبية، بينما تحاول الجزائر تحقيق توزان إقليمي اعتمادًا على حليف استراتيجي فعّال، بعيدًا عن الابتزاز وضغوط العواصم الغربية.
تسعى الجزائر وروسيا إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والتجارية في الوقت الحالي
وتسعى الجزائر وروسيا إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والتجارية في الوقت الحالي، إذ ترغب الجزائر في توسيع التعاون في مشاريع الطاقة والأمن السيبراني والمجال الفلاحي. فالقمح الروسي بات اليوم ينافس القمح الفرنسي في السوق الجزائرية، ويمكن القول أن الجزائر تحاول تحقيق توازن في علاقاتها الخارجية يضمن مصالحها وأمنها القومي بعيدًا عن الضغوطات الدولية.
اقرأ/ي أيضًا: