25-نوفمبر-2020

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (تصوير: جون كاتوف/ أ.ف.ب)

مازالت التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام لمجلة "جون أفريك" بشأن الجزائر، تثير مزيدًا من المواقف المندّدة والمنتقدة لما وصفتها بالتدخّل الفرنسي في الشأن السياسي الداخلي للجزائر، وشملت المواقف كلّ الأطياف السياسية في البلاد، في مشهد يُبرز الحساسية البالغة ورفض القوى الوطنية للتصريحات الفرنسية حيال الوضع في الجزائر.

منظمة المجاهدين: باريس مازالت تتعامل برؤية كولونيالية مع بلدان كانت مستعمرات فرنسية

ممارسات كولونيالية

وردّ أمين عام منظمة المجاهدين محند أوعمر على تصريحات الرئيس الفرنسي، وقال في تسجيل مصوّر، إن باريس مازالت تتعامل برؤية و"ممارسات كولونيالية" مع بلدان كانت في السابق مستعمرات فرنسية، وتعتقد أن هذه الدول مازالت تابعة لفرنسا، مضيفًا أن "جزائر ما بعد حراك 22 شباط/ فيفري 2019 هي جزائر جديدة ولن تقبل بمثل هذه الممارسات، وتصريحات ماكرون هي كذب ونفاق، الجزائر لا تمرّ بمرحلة انتقالية".

اقرأ/ي أيضًا: طابو يصف خطاب ماكرون حول الجزائر بالنفاق السياسي

في السياق نفسه، نشر كريم طابو حزب الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي (غير المعتمد)، وأحد أبرز وجوه الحراك الشعبي، رسالة وجهها الى الرئيس الفرنسي، عبّر فيها عن استيائه من عودة باريس لدعم السلطة في الجزائر، وتشجيع المسار غير ديمقراطي في البلاد.

وخاطب طابو الرئيس الفرنسي قائلًا" دعمك الظاهر للنظام الجزائري، يكشف عن سوء نيتك ونفاقك السياسي، وإن دعمكم لما يسمى بالعملية الانتقالية الحالية هو استهزاء لا يطاق، وتدخّل في الجدل الداخلي في الجزائر، وتأثير مباشر في الصراعات السرّية والمعارك التي لم تمنع فقط عمليات التحول الديمقراطي كما يدعي الناس، ولكنها أيضًا تخاطر برهن مستقبل أجيال بأكملها".

وأشار طابو إلى أن ما يصفه الرئيس الفرنسي بمرحلة انتقالية في الجزائر "هي في الحقيقة مجرّد ثورة مضادة ملهمة، تم تنفيذها لمنع الجزائريين من الحصول على حقّهم في تقرير خياراتهم ومصيرهم".

من جانبه، أدرج رئيس "حركة البناء الوطني" عبد القادر بن قرينة، تصريحات ماكرون ضمن "أطماع المستعمر وحنينه إلى الماضي الأسود، الملطخ بدماء أبنائها في الشمال والشرق والغرب والجنوب"، مشيرًا الى أن "الجزائر اليوم لا زالت تقاوم هذه الأطماع، وعقلية التبعية والوصاية عبر محاولات اليائسة في التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، ومواصلة محاولة فرض آرائه وإبداء مواقفه حول خيارات الجزائر السيادية".

تساؤلات

بينما كتب رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد الرزاق مقري، مقالًا رد فيه على تصريحات ماكورن، واستغرب جرأة للرئيس الفرنسي في الحديث عن دعم للرئيس الجزائري تبون، وفي شأن سياسي داخلي، مشيرًا أن ماكرون لم يكن ليملك الجرأة على ذلك "لو لم تكن الدولة الجزائرية في وضع سيء لا يسمح لها بالردّ عليه، إن هذا الرئيس يتصرّف بذهنية استعمارية فجة، فيعتبر الجزائر غير قادرة على قيادة نفسها بنفسها، فلا بدّ لها من الحماية، وهو حينما يتحدّث عن دعم الرئيس يَدعمه ضدّ من؟ هل يدعمه ضدّ شعبه الذي رفض الدستور؟ أم يدعمه ضدّ من يُعارضه بكلّ شرعية على مستوى الطبقة السياسية؟

يُواصل مقري، طرح المزيد من الأسئلة حول خطاب الرئيس الفرنسي، إن كانت له معلومات لا يعرفها الشعب الجزائري بما يحدث داخل الدولة الجزائرية؟ أم أنه يعني تحوّلات إقليمية ودولية له فيها حسابات يحتاج فيها للرئيس الجزائري، الذي سبق له أن عبر عن ثقته به في نواياه بخصوص بعض تلك التحولات؟ ضد من يدعمه؟ وما دخله في كل هذا؟ "، مضيفا "لقد تجاوز هذا الرئيس المستخف بنا وبمقدساتنا حدوده، وهو حينما يسيء للرئيس بإعلان "دعمه له للنجاح في الانتقال"، يسيء لنا جميعًا كجزائريين".

كما ذهب رئيس "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن عباس، إلى القول أن ماكرون "لم يجد بُدًا من إعطاء دروس في الديمقراطية وإدارة الحكم في حديثه إلى القادة الأفارقة، حيث سمح لنفسه بتوزيع شهادات الشرعية على قادة "شعوب الأنديجان التي نمثلها". وعند تطرقه للجزائر، خوّلت له نفسه بإصدار شهادة ثقة لرئيس الدولة.

زعزعة الرأي العام

وعرّج بلعباس إلى ما جاء على لسان ماكرون بالقول إنه "مستعد لمساعدة تبون فيما يسميه بالفترة الانتقالية"، فبرأي بلعباس ذلك "ليس مجرّد تدخّل وإنّما دليلًا على أن فرنسا تُدير خارطة طريق لبلدنا".

ويُعتبر موقف السياسيين الجزائريين حيال تصريح ماكرون، موقفًا مطمئنًا للجبهة الداخلية وموحِّد بشأن رفض أي تدخل أو تعليق أجنبي على الشؤون الداخلية الجزائرية، مثلما قال الباحث في العلوم السياسية نور الدين خوجة لـ "الترا جزائر"، معتبرًا هذه الردود جاءت من مختلف الأطياف والأسر السياسية من الإسلاميين والوطنيين والديمقراطيين، وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه الحراك الشعبي في الجزائر منذ أولى المظاهرات، عبر لافتات ترفض أيّ تدخّل أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد، وتعمل على تشتيت الشعب الجزائري.

أمّا من الناحية الإجرائية، فبخلاف ما يعتقده الرئيس الفرنسي، فإنّ تصريحاته ستعقّد موقف الرئيس تبون أمام الرأي العام في الجزائر، كما قال الأستاذ خوجة، قائلًا إن الجزائريين عمومًا يتحسّسون بشكل بالغ من أي توجّه أو خطوات فرنسية تخصّ الجزائر، حيث عزا ذلك لـ "أسباب تاريخية مرتبطة بملف الذاكرة الجريحة وجرائم المستعمر الفرنسي في الجزائر خلال فترة احتلاله للبلد"، كما قال.

ويتساءل الكثير من الفاعلين السياسيين في الجزائر عن عدم إعلان السلطات الجزائرية الردّ على تصريحات الرئيس الفرنسي، خاصّة وأنّ الرئيس تبون ووزارة الخارجية سبق لها أن أصدرت مواقف إزاء تصريحات سابقة لماكرون ووزير الخارجية جون إيف لودريان بشأن الجزائر.

ماكرون قد صرح لمجلة "جون أفريك" أنه سيفعل كل ما في وسعه لمساعدة الرئيس تبون في هذه الفترة الانتقالية

وكان الرئيس ماكرون قد صرح لمجلة "جون أفريك"، أنه سيفعل كل ما في وسعه لمساعدة الرئيس تبون في هذه "الفترة الانتقالية"، ووصف تبون بأنه "شجاع"، وطالب بمنحه الوقت الكافي لإحداث التغيير "لا يُمكنك تغيير الدولة والمؤسّسات وهياكل السلطة في غضون بضعة أشهر. كانت هناك حركة ثورية لا تزال موجودة بشكلٍ مختلف، هناك أيضًا رغبة في الاستقرار، خاصّة في الجزء الريفي من الجزائر، يجب عمل كل شيء حتى يكون هذا الانتقال ناجحًا. لكن هناك عامل زمني مهم، هناك أيضًا أشياء ليست في معاييرنا ونود أن نراها تتطوّر، الجزائر بلد عظيم، لا يمكن لأفريقيا أن تنجح بدون نجاح الجزائر".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر

ماكرون "يتهرّب" من ملفّ الذاكرة ويُهنئ الجزائريين بذكرى الثورة