28-أبريل-2021

تصريحات وزير التربية أثارت جدلًا في الوسط التربوي (الصورة: العربي الجديد)

أثارت تصريحات وزير التربية محمد واجعوط التي اعتبر فيها الالتحاق بالمدارس القرآنية سببًا من أسباب التسرّب المدرسي غضب العديد من الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل الوزارة تسارع إلى إصدار بيان حاولت فيه ترقيع ما جاء على لسان المسؤول الأوّل عن قطاع التعليم في الجزائر.

لم يكن يتوقّع وزير التربية أن تتسبّب تصريحاته بشأن التسرب المدرسي في جدل كبير على مواقع التواصل

وبقدر ما كانت تصريحات واجعوط صادمة للجزائريين، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة لمتابعين للشأن التربوي الذين تأكّدوا مما حذروا منه، كونها استمرارلسياسة الوزيرة السابقة نورية بن غبريت المتهمة الرئيسة بـ"تغريب" المدرسة الجزائرية، والحرص على بقائها تابعة للنهج الفرنسي، ما يعني عدم جدية أي وعود أطلقت لإصلاح المنظومة التربوية التي تعيش اليوم أتعس فتراتها البيداغوجية. 

اقرأ/ي أيضًا: إصلاحات جديدة في قطاع التربية.. التخلّص من مناهج بن غبريت؟

 

تبريرات غير مقنعة

أرجع وزير التربية في رده عن سؤال لعضو بمجلس الأمة وصول نسبة التسرب المدرسي في الطور المتوسط إلى 2 في المائة خلال السنتين الدراسيتين الماضيتين إلى عدة أسباب؛ منها "رفض بعض الأولياء إتمام الدارسة لأبنائهم سيما الفتيات ببعض مناطق الوطن، وتزويجهن عرفيًا في مناطق أخرى، وكذا انفصال الوالدين أو الإصابة بأمراض مزمنة".

ومن بين الأسباب التي عددها الوزير هو تفضيل بعض الأولياء نقل أولادهم للمدارس القرآنية بدل المؤسّسات التربوية النظامية، حيث دعا إلى "ضرورة تبني مقاربة اجتماعية يشارك فيها جميع الفاعلين، لتقليص حالات التخلي عن الدراسة"، معلنًا في السياق نفسه، أن مصالحه "بصدد التفكير في اتخاذ جملة من التدابير الكفيلة بتقليص حالات التخلي عن الدراسة منها مراجعة كيفيات التقويم البيداغوجي وآليات الاختبارات الاستدراكية".

جدل في الوسط التربوي

لم يكن يتوقّع وزير التربية واجعوط القليل الظهور مقارنة بمن  سبقوه على رأس قطاع التربية، أن تتسبّب تصريحاته بشأن التسرب المدرسي استهجانًا ورفضًا واسعين على مواقع التواصل الاجتماعي، كونه ربط التخلي عن الدراسة بالالتحاق بالمدارس القرآنية .

وفي ردّه على تصريحات وزير التربية، وصف محمد بن عروس في تغريدة له على تويتر، تقرير الوزارة حول التسرّب المدرسي بالكاذب، وغرّد قائلًا " كذاب أشر، أغلب قادة ثورة التحرير تخرجوا من المدارس القرآنية، بن غبريت ذهبت ومشروعها مازال يمشي، هذا وزير غير شرعي، يا أيها المتسرّب، أنت صحيح متسرب لا تنتمي إلى هذا الشعب".

أما الصحفي هشام موفق، فتساءل قائلا " لماذا الكذب على الناس وحصر مشكلة التسرب المدرسي في عوامل اجتماعية (زواج عرفي، طلاق الوالدين، التحول للمدارس القرآنية..الخ)، وعدم الاعتراف أن المشكلة الحقيقية هي خيارات وزارتك التي تبنتها منذ أكثر من ربع قرن، وأنت تكرّسها كسابقتك؟".

وبدوره، انضم رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة إلى منتقدي تصريحات وزير التربية، قائلًا في هذا الإطار إنه "عار على بروفيسور أن يقرأ ما كتبه له إداريون ويهاجم المدارس القرآنية".

استدارك الخطأ

بعد الجدل الذي عجت به مواقع التواصل الاجتماعي من تصريحات وزير التربية، سارع هذا الأخير لإصدار بيان توضيحي باسم الوزارة يستدرك فيه ما جاء على لسانه صباح الخميس الماضي.

وأوضحت وزارة التربية أنه جاء في رد  محمد واجعوط ،هو أن مفهوم التسرب المدرسي في النظام التعليمي من الناحية التقنية "تخلي التلاميذ وتركهم لمقاعد الدراسة قبل بلوغهم سن الـ 16 باعتبار أن التعليم إلزامي الى غاية هذا السن"، وأن رد الوزير "لم يقصد بتاتًا بأن الالتحاق بالمدارس القرآنية والزوايا يعد سببًا يشجّع على التسرب المدرسي، كما تم تأويله، أو إنقاصًا لدور المدراس القرآنية والزوايا أو للمستوى التعليمي للتلاميذ الذين فضلوا الالتحاق بها".

وحسب بيان الوزارة، فإنّ المدارس القرآنية والزوايا "لطالما ساهمت في استيعاب عدد لا يستهان به من المتعلمين والقيام بدور فعال في التحفيز على الدراسة والتربية والتنشئة الاجتماعية، إلى جانب المؤسّسات التعليمية، باعتبارها أحد روافدها الأساسية".

وذكر واجعوط أن مصالح دائرته الوزارية تسعى حاليًا، بالتنسيق مع نظيرتها من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى "إيجاد الآليات التي تسمح لطلبة المدارس القرآنية والزوايا بمواصلة مسارهم العلمي بما يمكنهم من اجتياز الامتحانات المدرسية الوطنية".

سياسة واحدة

لم تمر تصريحات وزير التربية مرور الكرام لدى المهتمين بالشأن التربية، حيث اعتبروا "تهجمه" على المدارس القرآنية استمرارًا لنهج لجنة إصلاح المنظومة التربوية برئاسة علي بن زاغو ومنظرة هذا الإصلاح الوزيرة السابقة نورية بن غبريت.

من جهته،اعتبر عضو لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية والأوقاف بالمجلس الشعبي الوطني المحل مسعود عمراوي، أن ما صرح به وزير التربية "ليس جديدًا لأن بن غبريت سبقته في ذلك، وما تصريحه إلا تأكيد لما يتم تداوله بأن بن غبريت وكوادرها السابقين من يسيرون الوزارة عن بعد".

وأضاف عمراوي" السيد الوزير لم نسمع له حسًا ولا همسًا منذ تعيينه، وقد خلناه منكب ومعتكف من أجل البحث العلمي، فلا وقت له سوى إبداع واختراع نظريات في مجال التربية ليقفز بالمدرسة الجزائرية إلى مصاف الدول المتقدمة، إذ سكت دهرًا ونطق بما لم نكن نتوقعه وننتظره، فيا ليته سكت؟".

وحسب عمراوي، فإنّ "الوزير غائب كلية عن قطاعه، بل وعاجز كل العجز عن تسييره، فهو موجود به جسمًا فقط وفي مكتبه، ولا علم له بأي شيء، فهو يُلقن مثل التلميذ في كل ماله علاقة بتسيير شؤون القطاع، فلا يمكنه الخروج عن النص المكتوب له ليقرأه على الحاضرين، كما لا يمكنه أن يدير ندوة صحفية عن قطاعه إلا في حدود الأسئلة المحضرة له، كنت في البرلمان تقدّمت له شخصيًا بأزيد من 10 أسئلة كتابية حال عليها الحول ولم يستطع الإجابة عنها ولو بحرف، أسئلة النواب التي تجاوزت الـ 80 سؤالًا منها 10 لي شخصيًا، وقد رأيناه مرة واحدة في الرد عن سؤال شفهي للسيدة النائب خمري سامية، واكتفى بقراءة الجواب من الورقة فلما طرحت عليه سؤالًا آخر أثناء التعقيب تلعثم ولم يستطع الرد، بل وحتى مجرد التعقيب، واكتفى بطي أوراقه ونزل ؟".

وزارة التربية لا تزال تراوح مكانها ولم تقدما شيئًا بالرغم من الوعود التي أطلقها المسؤولون

وبالتمعن في تصريحات مسعود عمراوي وغيره من المهتمين بالشأن التربوي كالنقابات وجمعيات أولياء التلاميذ، يتأكّد أن وزارة التربية لا تزال تراوح مكانها ولم تقدما شيئًا بالرغم من الوعود التي أطلقها المسؤولون عقب حراك الـ 22 شباط/فيفري 2019، وأولاها السعي للتخلّص من تركة الوزيرة بن غبريت، والتعجيل في التوجّه نحو اعتماد الإنكليزية لغة أجنبية أولى، ومحاولة التخلص تديريجيًا من المنهج الفرنسي الذي لا يزال إلى اليوم يرهن مستقبل التعليم والمدرسة الجزائرية ككل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صيف ساخن في قطاع التربية الجزائري

وزير التربية: نرفض تسييس المدرسة الجزائرية