18-يناير-2025
زيادة المهاجرين الأفارقة في الجزائر

تضاعف عدد المهاجرين الأفارقة الوافدين على الجزائر (فاروق باتيش/الأناضول)

تتزايد أعداد المهاجرين غير النّظاميين في الجزائر بشكل مستمرّ كل عام، ممّا يضع الحكومة أمام تحديات مواجهة هذه الظاهرة التي تتعدد أبعادها، سواء من الناحية الأمنية أو الإنسانية أو الاقتصادية،  كما أصبح من الضّروري البحث عن حلول فعّالة لحماية هؤلاء المهاجرين من شبكات تهريب البشر، بالإضافة إلى الحفاظ على سلامة حدود الوطن.

بالنّسبة للسلطات الرسمية فإنّ تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى الجزائر؛ يعود إلى التحول في نظرتهم لها، حيث  أصبحت اليوم بلد استقبال واستقرار لبعضهم

يُعتبر هذ الملفّ رهانًا حقيقيًا يتعيّن على السلطات مواجهته، خاصةً أن بعض الملاحظين يرون أنّ الجزائر قد بدأت تتحوّل من مُجرّد بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار للمهاجرين.

وإذا كانت الأرقام تشير إلى تراجع لافت في الهجرة غير النظامية إلى شمال البحر المتوسط، فإنّ الوضع يختلف بالنسبة للجزائر الموجودة في الضفة الجنوبية، التي تتحمل هي ودول مجاورة كتونس وليبيا تبعات سياسة الهجرة المتشددة التي تنتهجها الدول الأوربية، وبالخصوص بعد جائحة كورونا والصعود المتنامي لليمين المتطرف في عدة دول كفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

أرقام رسمية

كشفت أرقام حديثة لوزارة الدفاع الجزائرية عن توقيف 29587 مهاجرا غير نظامي من جنسيات مختلفة عبر التراب الوطني خلال 2024، وهو ما يعني أن عدد الموقوفين أكثر إذا ما أضيف له عدد الموقوفين من قبل مصالح الشرطة، كما أن الأرقام الرسمية لا تعبر على الدوام عن الأعداد الحقيقية لعدد المهاجرين غير النظاميين الذين تدفعهم ظروفهم القاسية في كثير من المرات إلى اتخاذ مسالك بعيدة عن مراقبة الجهات المختصة، حتى وإن كان ذلك يتم بمساعدة شبكات تهريب البشر.

وكانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أحصت في 2023 توقيف 14814، ما يعني أن الرقم تضاعف في 2024، وهو ما يعكس حجم التحدي الذي تواجهه البلاد لمواجهة هذه الظاهرة، أولها على مستوى الأمني بالنظر إلى طول الحدود الجزائرية على جميع الجهات، خاصة أنها لم تعد اليوم ملجأ لجنسية معينة، بل إن التقارير أظهرت أنه إضافة إلى المهاجرين القادمين من مالي والنيجر والمغرب والتي يمكن ربطها بعامل الجوار، أصبحت تظهر جنسيات أخرى بعيدة عن الجزائر مثل الصومال والسودان ودول أفريقية أخرى كالكامرون والسنغال وساحل العاج وغيرها.

وتشير تقارير بحثية إلى أن الجزائر "تحصي وصول أكثر من 42 جنسية إفريقية من المهاجرين غير النظاميين".

وأرجع الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ فيصل إزدارن في حديثه مع "الترا جزائر" هذا الارتفاع في عدد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا الجزائر  إلى " تنامي حالة انعدام الاستقرار السياسي وبؤر التوتر في دول أفريقيا الغربية، مرورا بمنطقة الساحل وخليج البنين إلى منطقة القرن الأفريقي".

الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ فيصل إزدارن لـ "الترا جزائر": يرجع هذا الارتفاع في عدد المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا الجزائر إلى تنامي حالة انعدام الاستقرار السياسي وبؤر التوتر في دول أفريقيا الغربية، مرورا بمنطقة الساحل وخليج البنين إلى منطقة القرن الأفريقي"

وأضاف إزدارن أنّه "مع تزايد الانقلابات العسكرية في دول الساحل، وعودة النشاط الجماعات الإرهابية سواء في إقليم كيدال شمال مالي، أو على الحدود النيجرية البوركينابية، تدهورت الأوضاع الاجتماعية لأهالي هذه المناطق مما دفع بمئات الآلاف إلى الهرب نحو الشمال، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في السودان بين القوات النظامية وقوات الدعم السريع التي فاقمت الوضع أكثر".

وبيّن أستاذ علم الاجتماع السياسي أنّ "تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية مرتبط أساسا بالأوضاع السياسية، والاقتصادية والأمنية، علما أن الأوضاع لا زالت كما هي، وقد تتفاقم أكثر مع التأخر التنموي الملاحظ، والنزاعات العسكرية في العديد من هذه الدول".

من جهته، قال مصطفى فاروق قسنطيني الرئيس  السابق للجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي حلّ محلها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إنّ ظاهرة توافد المهاجرين غير النظاميين إلى الجزائر سواء من الحدود الجنوبية أو الغربية ليست جديدة، بالنظر إلى أن الهيئة الحقوقية التي كان يرأسها عالجت عدة ملفات تخص هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن الكثير من هؤلاء المهاجرين كانوا يعتبرون الجزائر بلد عبور في رحلتهم الخطرة نحو أوروبا التي يعتبرونها الجنة الموعودة، والتي لا تكون في الغالب كذلك.

معطيات جديدة

بالنسبة للسلطات الرسمية فإنّ تزايد عدد المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى الجزائر؛ يعود إلى التحول في نظرتهم لها، حيث  أصبحت اليوم بلد استقبال واستقرار لبعضهم، وهي التي كانت إلى وقت قريب بلد عبورّ.

فاروق قسنطيني لـ "الترا جزائر": الكثير من المهاجرين كانوا يعتبرون الجزائر بلد عبور في رحلتهم الخطرة نحو أوروبا التي يعتبرونها الجنة الموعودة، والتي لا تكون في الغالب كذلك

في السياق، قال الرئيس عبد المجيد تبون في تموز يوليو 2023 إنّ الجزائر قد "تحولت بحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي والتنمية الاقتصادية التي تشهدها في الفترة الأخيرة، وكذا الاستقرار الذي يميزها، من بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار للمهاجرين القادمين من دول منطقة الساحل و الصحراء، ومن بين بعض مناطق النزاع في بعض الدول في إفريقيا والمنطقة العربية".

وحسب الرئيس تبون، فقد "زاد هذا الوضع حدة نتيجة التدابير والترتيبات الأمنية لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وتشديد إجراءات منح التأشيرات".

وتتطابق الأسباب المقدمة من قبل الرئيس تبون مع الأرقام التي أوردتها الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود "فرونتكس" الثلاثاء الماضي، والتي أعلنت أن عدد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق غير نظامية انخفض بنسبة 38 في المئة في عام 2024، ليصل إلى أدنى مستوى منذ عام 2021.

هنا، يرى الخبير الدولي في شؤون الهجرة والتهديدات بمنطقة الساحل حسان قاسيمي أن تحول الجزائر من بلد عبور إلى بلد استقرار للمهاجرين غير النظاميين يشكل "خطرا على الأمن القومي" جرّاء وجود "شبكات إجرامية" في قوافل المهاجرين كتلك التي تستغل الأطفال في التسول ضمن أشكال الاتجار بالبشر.

وقال الدكتور فيصل إزدارن لـ"الترا جزائر" إن " أغلب شبكات الهجرة غير النظامية تتخذ من الجزائر منطقة عبور، خاصة الجنوب الكبير، سواء من الحدود المالية أو الحدود الليبية فيما يخص بالمهاجرين التشاديين، والنيجريين والسودانيين، و عند وصولهم إلى الشمال، تتفرق هذه الشبكات لتأخذ مسارا آخر".  

ويعتقد إزدارن أنه " رغم محاولة العديد من المهاجرين غير النظاميين الاستقرار في مناطق معينة في الجزائر إلا أنها تبقى منطقة عبور بالدرجة الأولى".

أصابع الاتهام

نهاية العام الماضي، نشرت منظمة "ألارم  فون صحراء" التي مقرها نيامي تقريرا على موقعها الإلكتروني تزعم فيه أن الجزائر رحلت إلى الحدود مع النيجر أكثر من 31 ألف مهاجر غير نظامي خلال 2024 في "ظروف قاسية"،  على حد ما قالت المنظمة التي اعتادت على إصدار تقارير تنتقد الجزائر من فترة إلى أخرى، والتي تتعلق كلها بـ "الحراقة" القادمين من منطقة الساحل.

منظمة "ألارم  فون صحراء":  الجزائر رحلت إلى الحدود مع النيجر أكثر من 31 ألف مهاجر غير نظامي خلال 2024 في "ظروف قاسية"

غير أن الحقوقي مصطفى فاروق قسنطيني يرفض هذه الاتهامات وغيرها، ويعتبرها غير صحيحة، باعتباره اشتغل على هذا الملف لعدة سنوات، موضحًا في حديثه مع "الترا جزائر" أن حقوق المهاجرين غير النظامية محفوظة في الجزائر بحكم الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها البلاد سواء كانوا قادمين من النيجر أو مالي أو المغرب أو دول أخرى.

وأكد قسنطيني أن أي عملية ترحيل للمهاجرين غير النظاميين من الجزائر لا تتم إلا بالتنسيق مع دولهم الأصلية، وكل حديث  يخالف هذا الإطار غير بريء وتقف وراءه "جهات لا تحب الخير للجزائر وللأشقاء الأفارقة، بالنظر إلى أن كل الحقوق الأساسية مضمونة لهم، كالصحة والعمل والتعليم الذي يحجمون عنه، بالنظر إلى أن هدف غالبيتهم هو مواصلة الرحلة نحو أوروبا".

وأضاف أن اللاجئين السوريين اندمجوا على سبيل المثال في المدارس الجزائرية، ويتعلمون المنهاج التعليمي الجزائري، كما قبل بعضهم بالبقاء في مراكز الإيواء الحكومية مثل القرية الإفريقية بسيدي فرج عند بداية الأزمة في بلادهم، في حين أن عادات اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين الأفارقة مختلفة، إذا لا تحاول الأسر دمج أبنائها في النظام التعليمي الجزائري، كون البعض يرى في الجزائر مجرد محطة في الرحلة نحو الضفة الشمالية للمتوسط.

قسنطيني: عملية ترحيل للمهاجرين غير النظاميين من الجزائر لا تتم إلا بالتنسيق مع دولهم الأصلية

وقال الرئيس تبون في كلمة وجهها إلى أشغال المؤتمر الدولي حول التنمية والهجرة، المنعقد بروما في تموز يوليو 2023 إنه بالرغم من القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الهجرة غير النظامية إلا أن " الجزائر تبنت لعدة سنوات وبحكم تضامنها الدائم مع دول الجوار، سياسة متساهلة لحد ما تجاه هذه التدفقات"، ما أدى إلى "ارتفاع غير مسبوق في أعداد المهاجرين غير النظاميين الذين استقروا على ترابها، مع ما لذلك من تداعيات على مختلف الأصعدة".

تدابير

أكد الرئيس تبون وقتها أن "هذه الظاهرة ستستفحل مستقبلا إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة وتنفيذها في الوقت المناسب"، وهو ما تؤكده الأرقام اليوم.

وقال الباحث في علم الاجتماع السياسي الدكتور فيصل إزدارن لـ"الترا جزائر" إن "معالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية تحتاج إلى نظرة كلية و شاملة، وتكاتف الجهود المحلية والدولية، و كأول خطوة، يجب تسوية سياسية للنزاعات الإقليمية، و كما صرح الرئيس الجزائري في إحدى خرجاته الإعلامية أن منطقة الساحل لا تحتاج إلى مخططات لمكافحة الإرهاب بالدرجة الأولى، وإنما تحتاج إلى مخططات لمكافحة الفقر و ظاهرة الفوارق الاجتماعية، وتحقيق التنمية الشاملة وإخراج هذه المناطق من عزلتها ومن تأخرها التنموي والاقتصادي".

فيصل إزدارن: يجب بلورة سياسة احتواء المهاجرين سواء عن طريق التسوية الإدارية بما يخدم احتياجات الجزائر من اليد العاملة في قطاعات معينة، وترحيل من يجب ترحيلهم في ظل احترام التشريعات و قوانين الجمهورية

وأضاف إزدارن أنه "بالنسبة للوضع المحلي، يجب بلورة سياسة احتواء المهاجرين سواء عن طريق التسوية الإدارية بما يخدم احتياجات الجزائر من اليد العاملة في قطاعات معينة، وترحيل من يجب ترحيلهم في ظل احترام التشريعات و قوانين الجمهورية، أو تأمين الحدود بما يثني المهاجرين عن اجتيازها، بما أن مكافحة الهجرة غير النظامية تدخل في إطار سياسة شاملة للحفاظ على الأمن القومي".

وحسب الرئيس تبون، فقد "أصبح من الضروري تصور حلول شاملة تضمن تحقيق الاستقرار والدفع بديناميكيات التنمية وخلق فرص الشغل للشباب في دول المصدر من أجل تطويق الهجرة غير الشرعية".

وتحاول الجزائر التي تتعاون مع حكومة النيجر في مكافحة الهجرة غير النظامية المساعدة في إنجاز مشاريع تنموية بنيامي، أبرزها مشروع حقل كفرا النفطي على الحدود بين البلدين، والسعي لبعث مشروع في مجال البتروكيماويات، إضافة إلى المشاريع الاجتماعية والتنمية التي تنفذها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي التي تم رصد مليار دولار لها للقيام بمشاريع تنموية في القارة الأفريقية.