منذ إعلان الحكومة عن منع نشاط النقل العام والخاص، وتعليق خدمات سيارات الأجرة بسبب تفشي فيروس كورونا، يركن عبد السلام سيارته أمام مستشفى نفيسة حمودة (بارني سابقًا) في انتظار الزبائن، وبسبب حظر نشاط سيارات الأجرة،تحوّل عبد السلام من سائق سيارة أجرة قانوني، إلى ممارسة المهنة بصورة غير قانونية، أو ما يُسمى بسائق "الكلونديستان"، وردًا على سؤالنا حول مسودة التعديل الدستوري، التي كشفت عنها رئاسة الجمهورية مؤخرًا، ابتسم عبد السلام وقال: "في ظلّ الأزمة الصحية وشبح البطالة لا أتابع الأخبار السياسية كما في السابق".
قد لا تزول أزمة كورونا سريعًا، وقد تأثر الاقتصاد العالمي كله من دون استثناء بها
وتابع محدّثنا أنه يطالع الأخبار المتعلقة برفع الحجر الصحّي، والسماح باستئناف عمله كسائق أجرة بشكل قانوني بدل الوضعية التي فُرضت عليه.
اقرأ/ي أيضًا: الرئاسة تنفي استئناف الرحلات الجوية في جوان القادم
الدستور أو شبح فيروس كورونا
في الوقت الذي يجتهد فيه العالم لتجاوز تداعيات أزمة كورونا المتعددة والمعقدة، اعتبر كثير من المحللين أن توقيت خطوة السلطة للإفراج عن مسودة الدستور، وسط تفشي وباء كوفيد-19، كان غير موفق، وكأن السلطة تتعامل مع الوباء على أنه مسألة تتعلّق بالصحة العامة وفقط، بينما تعتبر الرؤية العميقة التي يتقاسمها العالم، أن وباء كورونا يمسّ مصير الإنسانية التي دخلت إلى مرحلة جديدة، مرحلة تحتاج إلى إعادة النظر في كلّ شيء مرتبط بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
العودة إلى الحياة الطبيعية
السيد محمود، صاحب مطعم ومقهى بمنطقة باب الزوار، شاب أقبل على الاستثمار في المجال الخدماتي بشكل عصري واحترافي، يقول إنه لم ولن ينخرط في أي نقاش سياسي، حتى وإن كان معنيًا بمصير البلد، لكنه يضيف أن مصير نشاطه التجاري ومستقبل العمّال هو محلّ قلقه وتخوّفه خلال هذا الفترة.
يُشغّل محمود في المطعم والمقهى اللذين يمتلكهما أكثر من 20 عاملًا، من مختلف ولايات الوطن، كما أنه يوظف طلبة خلال الصيف. ويرى محمود بخصوص مسودة الدستور أنه ليس من المناسب طرح نقاش موسع حول أي مشروع سياسي في الوقت الرهن، فأغلبية التجّار منشغلون بتوقيت العودة إلى النشاط لتفادي المزيد من الخسائر.
الأثر الاجتماعي للأزمة
قد لا تزول أزمة كورونا سريعًا، وقد تأثر الاقتصاد العالمي كله من دون استثناء بها، هنا، صرح المدير العام للسكن بوزارة السكن والعمران أنيس بن دواد أنه تم توقيف 24000 مؤسّسة بناء عن العمل.
في السياق ذاته، أفاد رئيس كونفدرالية الصناعيين وأرباب العمل الجزائريين، عبد الوهاب زياني، في تصريح إذاعي بتوقف ما بين 50 إلى 80 مؤسّسة صناعية عن العمل، وعبر المتحدّث عن مخاوف رجال الاعمال من إعلان الافلاس الكلي، في حين بلغت البطالة مستويات عالية.
وفي نفس الإطار، قال رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج طاهر بولنوار، إنّه تم وقف نشاط حوالي 160 ألف حرفي، منذ بداية الإعلان عن إجراءات الحجر الصحي.
ويشكّل القطاع التجاري والنسيج الصناعي وعاء الطبقة المتوسطة، وهي الفئة التي تهتم بالشأن السياسي، كون مصالحها مرتبطة آليا بالوضع الاستهلاكي والاقتصادي للبلد، هنا يرى خبراء أن فيروس كورونا فرض على الجميع نمط حياة مغاير تمامًا، إذ أدخل الخوف والقلق والفزع في حياة كثير من الجزائريين، وأعاد ترتيب كثير من الأولويات الحياتية والمعيشية، وكشف الوباء عن هشاشة الحماية الاجتماعية لكثير من العمال والموظفين، ورفع الستار عن فوارق اجتماعية كبيرة بين أبناء المجتمع الواحد.
ظروف غير ملائمة!
سجّلت أطراف سياسية ومتتبعون حسب ما ورد في وسائل إعلامية، عدم ملائمة الظروف الصحية والسياسية والمجتمعية لإصدار المسودة، إذ لا يمكن فتح النقاش الفعال والقاعدي المهيكل، مع الالتزام باحترام الإجراءات الوقائية والصحية، المتمثلة في التباعد الاجتماعي والمسافة الجسدية، متسائلة عن الخلفيات الحقيقية لطرح هذه المسودة في هذا التوقيت الوبائي.
ويُعتقد أن التناول الإعلامي المكثف لمسودة الدستور، من شأنه صرف النظر عن مخاطر فيروس كورونا القائمة، ويؤدّي إلى التهاون والتراخي في الالتزام بتدابير الوقاية الصحية، كون النقاش قد يفتح سجالات وتجاذبات قد تتغطى عن الأولويات الصحية.
ليبقى السؤال المطروح: هل من المناسب بدأ النقاش في مسودة الدستور في إطار الحصار الصحّي، وحالة الارتباك التي يعيشها قطاع واسع من المجتمع؟ وهل ستمرر الحكومة مسودة الدستور في ظل حالة الطوارئ الصحية، كما تم تمرير خوصصة المؤسسات العمومية في ظل حالة الطوارئ الأمنية في التسعينيات من القرن الماضي؟
سجّلت أطراف سياسية عدم ملائمة الظروف الصحية والسياسية والمجتمعية لإصدار مسودة تعديل الدستور
عمومًا، تبقى هذه الأسئلة مطروحة لتبحث عن إجابات شافية، وهي مشروعة وضرورية جدًا في ظلّ الانشغال الكوني بالوباء، في حين تنكب اهتمامات الرئاسة في معظمها على ضرورة التسريع في تعديل الدستور.
اقرأ/ي أيضًا: