ثقافة وفنون

تعدّد اللهجات.. مسلسلات رمضان تفتح نافذةً على التنوع الثقافي في الجزائر

22 مارس 2025
(الصورة: فيسبوك)
حسان مرابط
حسان مرابط إعلامي من الجزائر

شهدت الأعمال الدرامية والكوميدية الجزائرية طفرةً في رمضان 2025، ليس فقط على صعيد تنوع وتعدد الإنتاجات أو الوجوه الفنّية المشاركة التي أبرزت أسماء شابة جديدة أو المخرجين الذين كان للمبدعين الشباب حظ وافر من الأعمال، بل على صعيد اللهجات الموظفة أو اللغة المستخدمة، ما جعل جلّ المسلسلات تعكس التعدد الثقافي للجزائر.

 هيمنت اللهجة العاصمية لسنوات على مختلف الأعمال التلفزيونية التي تقدّم خلال رمضان في ظلّ ضعف الإنتاج وتوقف تلفزيوني قسنطينة ووهران عن إنتاج المسلسلات و"السكاتشات"

لسنوات طويلة سابقة، هيمنت اللهجة العاصمية على مختلف الأعمال التلفزيونية التي تقدّم خلال رمضان في ظلّ ضعف الإنتاج وتوقف تلفزيوني قسنطينة ووهران عن إنتاج المسلسلات و"السكاتشات"، بالرغم من أنّ هذه الإشكالية ما تزال مطروحة إلى اليوم باعتبار أنّما ينتج من مواد فنّية موجهة للجمهور يقتصر على رمضان فقط، وبالتالي بغض النظر على الانتاج وظروفه وإذا ما كان مناسباتيا أم لا، فإنّ اللافت في رمضان موسم 2025 بروز عديد اللهجات التي تمثل عديد ولايات الوطن في أعمال كثيرة تنوعت بين الدرامية والفكاهية وعرضتها قنوات خاصة وقنوات عمومية للجمهور الجزائري الذي تفاعل مع هذا "الخيار" بإيجابية واستحسان كبيرين.

التحرر من المركزية

في السنوات الأخيرة بدأ صناع الأعمال الخروج والتحرر من "المركزية" العاصمية التي تسيطر على الإنتاج، بتوظيف لهجات تعكس التنوع الثقافي والتراثي الجزائري مع انفتاح القنوات التلفزيونية الجزائرية على الإنتاجات الفنّية وسباقها على المراتب الأولى خلال كل رمضان عبر تقديم أفضل المسلسلات للجمهور.

كما برز جيل جديد من الممثلين الشباب وتعدد المنتجين والمخرجين الذين قدّم بعضهم من خارج الوطن على سبيل المثال المخرج التونسي نصرالدين السهيلي الذي أخرج في مسلسل "أولاد الحلال"، وشارك في بطولته كل من عبد القادر جريو، محمد خساني، يوسف سحيري ومصطفى لعريبي، سهيلة ملم، مليكة بلباي.. وغيرهم، بحيث لجأ صناع هذا العمل إلى توظيف لهجة الغرب الجزائري جميلة النطق واللحن، حتى أنّ الممثلين المشاركين من ولايات أخرى كولايات الشرق أو ولاية الجزائر تعلّموا اللهجة الوهرانية وبصفة عامة لهجة الغرب الجزائري التي تختلف عن اللهجات الأخرى في اللحن والنطق.

وبعد مسلسل "أولاد لحلال" في 2019، جاء مسلسل "بابور اللوح" في 2021 والذي حافظ على طاقم تمثيل "أولاد الحلال" وبقيادة المخرج التونسي دائما نصرالدين السهيلي.

وبالرغم من وجود أعمال أخرى باللهجة العاصمية، إلاّ أنّ لهجات جزائرية أخرى كانت حاضرة في بعض الأعمال مثل مسلسل "بنت لبلاد" الذي قدّم بلهجة الشرق الجزائري وكان ذلك في موسمين 2021 و2022، فيما مزجت أعمال درامية وكوميدية أخرى بين لهجات مختلفة ولو أنّها تعدّ على رؤوس الأصابع.

مفاجأة رمضان 2025

وبشكل غير مسبوق حمل رمضان 2025 مفاجأة كبيرة بعد توظيف عدّة لهجات محلية في أكثر من عمل درامي وكوميدي، فمنح صناع هذه الأعمال لكل منطقة صوتها-إن صحّ التعبير- فبرزت اللهجات التي تمثل سكان الشرق، وسكان الغرب وسكان الجنوب وسكان الشمال، وبدا ذلك التنوع في التعبير اللغوي الذي يجمع الجزائريين تحت راية واحدة وفي جغرافيا واحدة واسعة ويعزز الهوية الثقافية والتراثية للمجتمع.

ظهر في أعمال رمضان 2025 التنوع في التعبير اللغوي الذي يجمع الجزائريين تحت راية واحدة وفي جغرافيا واحدة واسعة ويعزز الهوية الثقافية والتراثية للمجتمع

انطلاقًا من الواقع، فالأمر ليس غريبًا في حقيقة الأمر، حيث تجد في الواقع مثلا: عائلة  الأب من وهران والأم من العاصمة، أو الأب من سطيف والأم من تيزي وزو، والأبناء ربما ترعرعوا وكبروا في الولاية مسقط رأس الأب أو الولاية مسقط رأس الأم وبالتالي يتحدثون اللهجة التي نشؤوا عليها في بيئتهم وغيرها، وبالتالي ما جسدته الكوميديا والدراما على صعيد اللهجات هو موجود أصلا في المجتمع، بل عملت على نقله فقط إلى الجمهور وكسّرت به "المركزية" وحررت الأعمال بحسب متابعين من "الشللية".

احتفاء باللهجات        

وارتأت في السياق"الترا جزائر" أن تستعرض بعض أعمال رمضان 2025 التي كانت تزخر بهذا التنوع الثقافي ومن بينها مسلسل "بنات المحروسة" لأسامة قبي والذي تعددت فيه اللهجة بين اللهجة الوهرانية والعاصمية، ومسلسل "الرباعة" الذي جسد بطولته نبيل عسلي ونسيم حدوش وحكيم زلوم، بقيادة المخرج وليد بوشباح.

وهو العمل الذي صنع الاستثناء من بقية الأعمال بتوظيفه مختلف اللهجات الجزائرية من خلال تقليد الممثلين لعدد منها وإدماجها في الحلقات، فأعجب الجمهور بلهجة سكان سكيكدة ولهجة سكان عنابة ولهجة منطقة توات بأدرار التي تمثل الجنوب الجزائري، ولهجة سكان باتنة شرق البلاد، ولجهة سكان جيجل التي قدمّ بها الرحل حاج عبد الرحمان المعروف بـ"لانسبيكتور الطاهر" أغلب أفلامه ومسلسلاته، إضافة إلى مسلسل "لي فات مات" التي ضم ممثلين تحدثوا بلهجة الشرق الجزائري، وبقية العمل جاء أغلب باللهجة العاصمية،  ومسلسل "التابعة" الذي أبرز عدّة لهجات مثل العاصمية ولهجة الشرق، وكذلك السلسلة الفكاهية "المرحي" التي تنوعت فيها لهجات الممثلين بحكم انتمائهم لكل منطقة من الجزائر، فبرزت لهجة الغرب الجزائري، ولهجة الجنوب واللهجة العاصمية، وغيرها.

مسلسل "التابعة" أبرز عدّة لهجات مثل العاصمية ولهجة الشرق، وكذلك السلسلة الفكاهية "المرحي" التي تنوعت فيها لهجات الممثلين بحكم انتمائهم لكل منطقة من الجزائر، فبرزت لهجة الغرب الجزائري، ولهجة الجنوب واللهجة العاصمية

هنا، يرى الممثل مجرام مراد في حديث لـ"التراجزائر" أنّ "تعدد اللهجات وتعدد الثقافات يخدم كثيرا العمل الفنّي، فمن خلالها يكون متابعو العمل من كل الولايات."

ويقول مجرام: " في سلسلة "المرحي" وأثناء التصوير، عندما يقول أحدنا مثلا: جملة أو عبارة، يتكلم آخر، ويقول له إنّها غير مفهومة في منطقته، أو أنّها تبدو كلمة جارحة في بيئته، وهنا كان العمل مع كل الطاقم على الوصول والاستقرار على كلمات تكون مفهومة وواضحة لدى سكان كل الولايات وتكون محترمة بالدرجة الأولى لأنّها تدخل إلى البيوت الجزائرية وتسمعها العائلات الجزائرية."

 ويضيف المتحدث: "لذلك الخيار كان أن يتضمن العمل مختلف اللهجات من بينها لهجة الغرب الجزائري، ولهجة شرق البلاد والجنوب والعاصمة، وبالفعل كانت كل اللهجات حاضرة، وهو ما ساهم في نجاح السلسلة."

تعدد اللهجات.. واقعية أكبر

 من جهته، الممثل سيدي علي رباحي يعتقد أنّ "الجمهور الجزائري أصبح يحّن إلى الماضي أو "الزمن الجميل"، حيث كانت تنتج أعمال فكاهية تتعدد فيها اللهجات وتمثل شرق وغرب وجنوب ووسط وشمال الجزائر، في شاكلة "أعصاب وأوتار" التي كانت تنتجها محطة تلفزيون قسنطينة، حيث تبرز فيها اللهجة القسنطينية والسطايفية أو "بلا حدود" (محطة تلفزيون وهران) التي كانت باللهجة الوهرانية وغيرها.

 ويوضح رباحي في حديث لـ"الترا جزائر" أنّ "تلبية أذواق وحاجيات الجمهور هو الشغل الشاغل لصناع الدراما والكوميديا، إلاّ أنّ ضعف السيناريو وعدموجود دراسة لما يريده الجمهور يشكل أحد أسباب تراجع الأعمال التلفزيونية خلال الفترة الأخيرة.".

ويذكر المتحدث أنّ سلسلة "الرباعة" استطاعت أن تروّج للهجات الجزائرية وثقافاتها بطريقة إيجابية ومرحة، وكل اللهجات والولايات تحترم بل ويهتم بها، مثلا اللهجة الوهرانية أو لهجة الغرب الجزائري تبدو صعبة نوعا ما على الممثلين الذين لا يسكنون في الولايات الغربية، لكي تقدّم بها عملا فكاهيا أو دراميا ولكن ذات لحن جميل لأنّها تعكس طابعا خاصا يحمل في طياته المتعة والفرحة."

وبدوره، المهتم بالشأن الفنّي في الجزائر، خالد بن طوبال يشير في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أنّ "الدراما المحلية قدّمت مؤخرا مزيجا من اللهجات من مختلف جهات الوطن، ممّا أضفى على الأعمال عمقًا وواقعية أكبر."

ويعتبربن طوبال  أنّ "اللهجة تلعب دورًا هاما في تعزيز واقعية الأعمال الدرامية، وكل لهجة تعكس طبيعة الشخصيات وبيئاتها الثقافية والاجتماعية، لكن بشرط أن توظف بطريقة سليمة دون ارتجال."

ويقول بن طوبال "استخدام اللهجات المتنوعة في الدراما الجزائرية وحتى الكوميديا عكس التطورات والتحولات الاجتماعية والثقافية التي عرفها المجتمع من الشمال، إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب."

ووفقه "هذه الأعمال التي أصبحت تقدم باللهجة الوهرانية أو القسنطينية بعد أن كانت اللهجة العاصمية تحتكر معظم الإنتاجات الرمضانية، تعمل على إبراز التنوع اللهجي بين المناطق المختلفة في الجزائر."

الكلمات المفتاحية

التعليم المُقاوم.. كيف واجهت المدارس الحُرّة الاستعمار الفرنسي في الجزائر؟

التعليم المُقاوم.. كيف واجهت المدارس الحُرّة الاستعمار الفرنسي في الجزائر؟

لم يكُن السلاح الوحيد في يد الجزائريين هو البندقية، بل كان للقلم دوره الريادي في المقاومة خلال الفترة الاستعمارية.


فيلم"الطيارة الصفراء"

فاز بجائزة "رؤى أفريقية".. فيلم "الطيّارة الصفراء" يخطِف الأضواء في مونتريال

يُسطّر الفيلم الجزائري "الطيّارة الصفراء" للمخرجة والمنتجة هاجر سباطة، صفحة جديدة في تاريخ السينما الجزائرية، بعد أن فاز بجائزة أحسن فيلم عن فئة الفيلم الروائي القصير والمتوسط، في مهرجان "رؤى أفريقية" الدولي، بمدينة مونتريال الكندية.


أجسن تليلني

أحسن تليلاني: لو أنني طيلة عمري لم أكتب سوى فيلم "زيغود" لكفاني ذلك شرفًا

تليلاني أحسن الأستاذ بجامعة الجزائر، والعميد السابق لكلية الآداب يجامعة سكيكدة، والناقد والمترجم والكاتب المسرحي الذي يملك في رصيده 17 مؤلفًا، خاض تجربة سينمائية فريدة من خلال كتابته لسيناريو فيلم تاريخي يتناول حياة الشهيد البطل زيغود يوسف" مهندس هجومات الشمال القسنطيني إبّان الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962).


الممثل إبراهيم دريس

الممثّل إبراهيم دريس: اكتشفني كوستا غافراس.. وانتظروني في "الصّف الأوّل"

بحيّ باب الواد العريق في أعالي الجزائر العاصمة عام 1982، وُلد إبراهم دريس، مُمثّل شاب يشق طريقه بثبات نحو النجومية في عالمي السينما والدراما رغم بدايته المتأخرة التي كانت في عمر الثلاثين.

وليد العقون
أخبار

وليد العقون.. وفاة أحد مهندسي دستور 2020

توفي وليد العقون، السيناتور عن الثلث الرئاسي، والذي عرف بكونه أحد مهندسي دستور سنة 2020، وفق ما أعلنه مجلس الأمة اليوم في منشور له على صفحته الرسمية.

رحابي.jpg
أخبار

رحابي: الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا ليست الأخطر لهذه الأسباب

أكّد الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي أن الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا ليست الأخطر في تاريخ العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن ما يميزها فقط هو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي تضخم حجمها.


مليكة سورال
أخبار

"أعيدي عهدتك أيها المخادعة".. نائبة أوربية ذات أصول جزائرية تتعرض لهجوم اليمين المتطرف

أعلنت النائبة الأوروبية ذات الأصول الجزائرية مليكة سوريل، انسحابها من وفد حزب التجمع الوطني الفرنسي داخل البرلمان الأوروبي، بسبب رفضها المنطق القمعي الذي يسير به، على حد وصفها.

تصدير.jpeg
أخبار

تنصيب الهيئتين الوطنيتين المكلفتين بالاستيراد والتصدير في غضون شهر

أمر رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، اليوم الأحد، بتنصيب وتفعيل هيئتين وطنيتين مكلفتان بالاستيراد والتصدير، بهدف تحقيق النجاعة في التسيير وفق التصور والآليات الجديدة.

الأكثر قراءة

1
أخبار

هذه حقيقة ظهور الفهد الصحراوي "أماياس" بحظيرة الأهقار في تمنراست


2
أخبار

تخفيض سنّ التقاعد لمعلمي وأساتذة الأطوار التعليمية الثلاثة


3
أخبار

رسميًا.. سعر أضحية العيد المستوردة 4 ملايين سنتيم


4
أخبار

منتدى الأعمال.. الجزائر والرياض تؤكدان رغبتهما المشتركة في تعزيز التعاون الاقتصادي


5
أخبار

الجزائر تحذّر من تحول أفريقيا إلى ساحة نشطة لـ "الحروب الصامتة"