09-يناير-2025
قصر الحكومة بالجزائر

( صورة: أرشيف) قصر الحكومة - الجزائر

يتضمّن القانون الجديد للجمعيات في الجزائر حزمة من الإجراءات التشريعية التي تهدف إلى تنظيم أنشطة منظمات المجتمع المدني في البلاد.

هذه التعديلات تأتي ضمن رؤية تهدف إلى تفادي التجارب السلبية التي مرت بها الجزائر في الماضي

كما يشمل تشديد الرقابة على الجمعيات الأجنبية غير الحكومية، التي سيتم إخضاعها لمتابعة دقيقة وتنظيم صارم.

خلال عرض أسباب التعديل أوضحت الحكومة أنّ هذه التعديلات تأتي ضمن رؤية تهدف إلى "تفادي التجارب السلبية التي مرت بها الجزائر في الماضي، خاصة تلك التي أدت إلى المأساة الوطنية في أواخر القرن الماضي".

كما تستهدف الحكومة إلى "جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف والتطرف وخطابات الكراهية"، بالإضافة إلى "منع استغلال الجمعيات في أي شكل من أشكال الفساد، تبييض الأموال، وتمويل الإرهاب"، وذلك وفقًا للاستراتيجية الوطنية للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وأكَّدت الحكومة على أنّ "القانون الجديد يعكِس التوجُّه الجديد لتعزيز الآليات المرتبطة بتفعيل دور الجمعيات، والترقية الفعّالة لدورها في المجتمع، من خلال إشراكها في إدارة الشؤون العامة."

وقد تجسّد هذا التوجّه في المادة الثانية من القانون، التي نصت على أنّ "الجمعيات تُعتبر دعماً للسلطات العمومية في إدارة الشأن العام، وتشكل فضاءً لإبداء الرأي وتقديم المقترحات في مختلف المجالات، بهدف تنفيذ السياسات العامة. ومن ثم، تلتزم الدولة بضمان ازدهارها وتطويرها وحمايتها".

قانون الجمعيات الجزائر

قانون الجمعيات.. عهدات مفتوحة؟

لا يتضمّن التّشريع الجديد أي قيد يُحدّد مدة عهدة الهيئات القيادية، ممّا قد يعكِس توجهاً لإعفائها من هذا القيد المُطبّق على أعضاء البرلمان والقيادات النّقابية، والذي من المقرّر تعميمه على الهيئات القيادية الحزبية كما ورد في مشروع قانون الأحزاب.

وبالإضافة إلى ذلك؛ تمّ تكريس نظام التصريح بدلاً من الاعتماد، وتبسيط إجراءات الحصول على الرخصة، وذلك تنفيذاً لأحكام المادة 53 من الدستور التي تنص على أنّ "حق إنشاء الجمعيات مكفول، ويُمارس بمجرد التصريح به، ولا يمكن حلّ الجمعيات إلا بقرار قضائي"

وفي حال رفض تسجيل التصريح ضمن الآجال المحددة قانونياً، يحقّ للجمعية الطّعن أمام القضاء الإداري.

 

 

حافظ المُشرّع على الفصل بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني

وتتمتّع الجمعيات بحقّ فتح مكاتب لها في البلدان الأجنبية التي تربطها علاقات تعاون مع الجزائر، بشرط احترام التشريعات والتنظيمات المعمول بها في البلد الأجنبي والحصول على موافقة السلطات الوطنية.

ويتمّ تسيير هذه المكاتب حصراً من قبل أفراد من الجالية الوطنية المقيمة في البلد المعني، وفقاً لأحكام المادة 32 من القانون.

وفي المقابل، حافظ المُشرّع على الفصل بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، حيث نصت المادة 33 على ضرورة أن تتميز الجمعية في تسميتها وموضوعها وأهدافها عن الأحزاب السياسية، وألا تكون لها أي علاقة أو صلة تنظيمية بها. كما يُمنع على الجمعيات تلقي أي دعم مالي أو هبات أو وصايا من الأحزاب السياسية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مهما كان نوعها.

الاحتكام إلى الصندوق

وفقاً للمادة 45، يجب على الجمعية تشكيل هيئتها التنفيذية وتجديدها من خلال الانتخاب ضمن الآجال المحددة في قانونها الأساسي، حيث يُعتبر أي تعيين أو تزكية لاغياً.

وفي حال عدم تجديد الجمعية لهيئتها التنفيذية في المواعيد المحددة، تُعتبر الجمعية في وضعية غير قانونية، مما يعرضها لتهديد تعليق نشاطها لمدة شهر كامل في حال عدم التجديد، أو في حالة نشوب نزاع بين الأعضاء أدى إلى تعطيل كامل لنشاط الجمعية.

كما يُعرِّض الجمعية أيضاً للخطر في حال عدم الامتثال لشروط إبلاغ السلطات بالتغييرات في قانونها الأساسي، وتشكيلتها، والتقارير المالية، ومحاضر تنصيب المكاتب، أو عدم امتلاك سجلات تحتوي على قائمة أعضائها."

وسّع المشروع من أدوار الجمعيات في المجال التنموي، حيث سدَّ فراغاً قانونياً كان قائماً في هذا المجال. فأصبح من الممكن للجمعيات الحصول على تمويل عمومي لبرامجها ومشاريعها وفق مجموعة من الضوابط، أهمها وجود عقد بين الجمعية والهيئة العمومية المانحة. كما يُمنح الجمعيات الوطنية المعترف لها بطابع المنفعة العامة من قبل السلطات العمومية أولوية في الحصول على التمويلات والإعانات من الدولة أو الولاية أو البلدية، بالإضافة إلى أي مساهمة أخرى، وكذلك المرافقة لتحقيق أهدافها.

كما تضمّن القانون دعم الجمعيات ذات الطابع الخاص أو المؤسسات التي تهتم بالذاكرة وتخليد أسماء الشخصيات والأحداث الوطنية، شريطة الالتزام بشروط مشددة.

كما تضمن الإصلاح التشريعي اعتماد مفهوم جمعيات الصداقة والتبادل مع الأجانب بدلاً من الجمعيات الأجنبية، مما يتيح لها الاستفادة من التمويل الخارجي شريطة الحصول على موافقة السلطات المختصة.

قانون الجمعيات الجزائر

شفافية التسيير

تضمّن المشروع مجموعة من الإجراءات الاحترازية المتعلقة بشفافية التسيير والتمويلات، منها إلزام الجمعيات التي تعمل أساسًا في جمع وتوزيع الأموال لأغراض خيرية أو دينية أو تعليمية أو ثقافية أو اجتماعية أو أي أعمال خيرية أخرى، بتسجيل المستفيدين الفعليين من هذه الأعمال.

للجمعيات الحقّ في الحصول على تمويل عمومي لبرامجها ومشاريعها وفق مجموعة من الضوابط

ويتعيّن على وزارة الداخلية استحداث سجّل وطني للمستفيدين من خدمات الجمعيات، كما يجب على الجمعيات تعيين محافظ حسابات يتولى تدقيق وتصديق صحة حساباتها وتقاريرها المالية السنوية، ويرصد أي مخالفة تتعلق بحسابات الجمعية أو إيراداتها أو مصاريفها، بالإضافة إلى مراقبة مدى احترام الأحكام المتعلقة بقبول الهبات والتبرعات، وأي شبهات تشير إلى استغلال الجمعية في تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.

كما يجب على المحافظ أن يُبلغ السلطات المعنية بهذه المخالفات، وكذلك يجب التبليغ للسلطات العمومية المانحة للأموال العمومية إذا كانت هناك أي مخالفات في استخدام تلك الأموال من قبل الجمعية.

وتُترجم هذه الإجراءات التزام الجزائر بتوصيات مجموعة العمل المالي في مجال مكافحة تبييض الأموال.

منظمات تحت المِجهر  

على الورق، يُتيح التّشريع الجديد للمنظمات الدولية غير الحكومية الفُرصة للعمل في الجزائر، مثل "أمنيستي" و"مراسلون بلا حدود"، ولكن وفق شروط مشدّدة جداً تعكس أنّ السلطات الجزائرية تضع هذه المنظمات تحت مِجهر الرقابة الصارمة .

ضمن هذا التوجّه المعلن؛ لا يمكن لأي منظمة غير حكومية دولية العمل إلا من خلال مكتب واحد في الجزائر، علاوة عن شرط آخر مشدد، وهو أن تكون الحكومة التي تنتمي إليها المنظمة تربطها علاقات صداقة وأخوة واتفاقيات تعاون مع الحكومة الجزائرية في أي مجال من المجالات.

علاوة على ذلك، يُمنع الترخيص بفتح مكتب في الجزائر للمنظمات الدولية غير الحكومية التي تتضمن قوانينها الأساسية أو برامجها أهدافاً تتعارض مع أحكام هذا القانون العضوي أو التشريع والتنظيمات المعمول بها في البلاد.

كما تمّ التنصيص على حظر استخدام أي منظمة غير حكومية دولية لمباني المنظمات والممثليات الدبلوماسية والقنصلية الأجنبية أو دور العبادة.

ويُمنع أيضاً على الأشخاص الأجانب الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية فتح مكتب لمنظمة غير حكومية دولية أو ممارسة نشاط في هذا المكتب.

حظر استخدام أي منظمة غير حكومية دولية لمباني المنظمات والممثليات الدبلوماسية والقنصلية الأجنبية أو دور العبادة

ويتوجب على المنظمات تقديم طلب الرخصة مرفقاً ببيانات عن قائمة الدول التي لديها مكاتب في إطار المنظمة، بالإضافة إلى تعهد باحترام المبادئ الواردة في المادة 8 التي تلزم بالاحترام الكامل للثوابت الوطنية والقيم المكرسة في الدستور، وكذلك احترام المواثيق الدولية وأحكام القوانين والتنظيمات السارية. ومن هذه المبادئ: الوحدة الوطنية، السلامة الترابية، السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، فضلاً عن مقتضيات الأمن والدفاع الوطنيين. في حال انتهاك هذه المبادئ، يتم سحب الرخصة من المنظمة بشكل نهائي.

تشديد العقوبات

تضمّن التشريع تمديد العمل بالعقوبات الرادعة ضد أي نشاط يتم باسم جمعية غير مرخصة أو التي جرى تعليق عملها أو سحب الترخيص منها.

وتتراوح العقوبة بين الحبس لمدة ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، بالإضافة إلى غرامة مالية تصل إلى 300 ألف دينار جزائري.

كما تمّ تعزيز الإطار الجزائي بعقوبة إضافية مستمدة من التشريعات الخاصة بمكافحة الفساد، حيث تقضي بحبس أعضاء الجمعيات الذين يثبت قيامهم بتبديد أو إتلاف أو استخدام ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية أو أي أشياء ذات قيمة، ملك للجمعية أو مخصّصة لها، بطرق غير قانونية أو لصالحهم أو لصالح شخص أو كيان آخر.

وتتراوح العقوبة بين عامين إلى خمس سنوات، مع مضاعفة العقوبة إذا كان المال محلّ الجريمة من الخزينة العمومية.

إطلاق يد الحكومة

تمّ إحالة العديد من الأحكام في القانون إلى التنظيم، مما يتيح للسلطات تحيين التشريع من خلال المادة 52 المثيرة للجدل، التي نصت على أنه "إضافة إلى أحكام هذا القانون العضوي، يمكن أن تخضع الجمعيات لأحكام إضافية تحدد عن طريق التنظيم".

وبالإضافة إلى ذلك، منحت الجمعيات مهلة قصيرة للتكيف مع أحكام القانون، مقارنةً بفترة العامين المقررة في التشريع الحالي. وتنص المادة 102 من القانون على ضرورة مطابقة الجمعيات لقوانينها الأساسية بعد بدء سريان هذا القانون العضوي (أي بعد نشره في الجريدة الرسمية).

وفي حال التخّلف عن ذلك، تُوجّه للجمعية إنذارات من قبل السلطة المختصة، مع إعطائها مهلة أقصاها 30 يوماً للتصحيح، وإلا ستتعرّض للتعليق أو الحلّ.

أما بالنّسبة للمؤسسات التي تمّ إنشاؤها قبل بدء سريان هذا القانون العضوي، فيُطلب من المسؤولين عنها إيداع ملفات التصريح بتأسيسها المنصوص عليها في المادة 72 من القانون، وذلك في مهلة أقصاها سنة واحدة من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، مع التهديد بحلها إذا لم يتم الامتثال لأحكام القانون العضوي.