31-مايو-2023
الجزائر

(الصورة: Getty)

غصّت مواقع التواصل الاجتماعي في المدة الأخيرة بالجزائر ضجرًا بِطول شهر أيار/ماي لعام 2023، بسبب طوله هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية، حسب المعلقين الذين قدموا مبررات مختلفة، فما أسباب موقفهم من هذا الشهر؟ وهل اقتصر هذا الشعور على الجزائريين أم أنه مسّ مجتمعات أخرى؟

ورغم أن التطيُّر من الأيام وسبّ الزمن والدهر منبوذ لدى الجزائريين، بالنظر لدينهم الإسلام الذي يَنْهي عن ذلك، وكذا لارتباط الأشهر بالمواسم الفلاحية التي تعتبر عندهم بشرى خير وتفاؤل.

شهر طويل

واتفق أغلب المتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي على أن شهر أيار/ماي لهذا العام كان عمره أكثر من 31 يومًا، حسب شعورهم، بالنظر إلى التقلبات التي شهدها، فالفصول الأربعة كلها عاشها الجزائريون في شهر واحد.

وقالت صفحة "بريكة نيوز" معلقة على طول مدة الشهر: "بسلامته، شهر أيار/ماي أنزل الله في بركة كثيرة، لقد شهدنا الجفاف والغيث فيه، صيَّفنا فيه وشتَيْنا فيه، تناولنا الدلاع (البطيخ الأحمر)، وأشعلنا المواقد وسبحنا في البحر".

وقال الصحفي مهدي مخلوفي: "شهدنا في شهر أيار/ماي رمضان والعيد وأيام الصابرين وعيد العمال والشتاء والربيع والصيف والامتحانات ومازال لم ينته".

وقال عبد الرزق "لقد دخلت مع بداية ماي في عطلة عن العمل، حقيقة لأول مرة أشعر أن العطلة طويلة، ولا تريد أن تنتهي".

وعلق أمين غراربة قائلا: "متى ينتهي شهر أسار/ماي؟ الجزائري صرف راتبين فيه ومازال لم ينته؟". وتساءلت المذيعة آنيا الأفندي في تغريدة قائلة: "هل شعر أحدكم مثلي أن شهر أيار/ماي كان طويلًا؟".

وتداول الفسابكة فيديوهات وصورٍ للتعبير عن طول الشهر الذي شعروا به، رغم وجود 6 أشهر أخرى تساويه في عدد الأيام، ومنها صور لأشخاص بقامة طويلة.

ليسوا وحدهم

لم يقتصر الاكتئاب الذي عبر عنه جزائريون من طول شهر أيار/ماي عليهم فقط، فقد سُجِل هذا الشعور بدول عربية أخرى ما جعلهم يتحدثون عما أسموه "سنة ماي الكبيسة" منها مصر، حيث علق الممثل محمد هنيدي عن طول شهر أيار/ماي بنشر صورة له وهو طفل، مرفقًا إياها بمنشور جاء فيه: "هذه الصورة التقطتها أول شهر أيار/ماي، واليوم 24 منه ومازال لم ينته".

وجاء في منشور على فيسبوك لليمني على الحيمي وهو يتهكم على طول شهر ماي "إنه الشهر الوحيد الذي شحنت فيه باقة إنترنت شهري 3 مرات، اليوم 85 من شهر أيار/ماي". وقال أبو حمزة هشام "أخيرًا وبعد عناء طويل، اليوم هو آخر شهر ماي، وداعا".

وعلّق حسين السعيدي بصورة خاطب فيها شهر ماي "هل أنت مكمل حتى عيد الأضحى أم ماذا؟".

عوامل عدة

عوامل عدة جعلت الجزائريين هذا العام يُحسون بطول الشهر الخامس من السنة، كونه تزامن مع فترة الانتهاء من شهر رمضان الذي يشهد فيه الإنسان الصائم نقاءً جسديًا وروحيًا، لذلك تشكل الفترة التي بعده الدخول في مرحلة جديدة قد تتطلب بعض الوقت للعودة للحياة العادية.

وساهمت التقلبات التي عرفها الطقس في شهر أيار/ماي من الجو الحار إلى المعتدل البارد، ومن الجفاف إلى الممطر جراء التغيرات المناخية في أن يشعر الجزائريون وغيرهم، وكأن شهر أيار/ماي هذا العام طويل المدة مقارنة بباقي الشهور، خاصة وأنه يتميز بمرحلة الدخول في طول ساعات النهار وقصر مدة الليل، إضافة إلى إرهاقات الحياة اليومية والاقتصادية كون هذا الشهر يتوسط مناسبتي عيدي الفطر والأضحى، واللتين تتطلبان ميزانية خاصة بهما يصعب تأمينها في هذا العام بسبب تراجع القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار.

ويرجع الدكتور النفساني صالح شوشاني هذا "التنمر"، الذي أطلقه الجزائريون تجاه شهر أيار/ماي إلى "عقلية الفرد الجزائري بحد ذاته، التي تعيش درجة مرتفعة من القلق والضغط المتواصل، ما يجعل الوقت لا يمر بسرعة  بحسب شعور الفرد منا."

وأشار الدكتور شوشاني في حديث مع "الترا جزائر" إلى أنه "بنظرة علم النفس، فالإنسان لا يعيش زمنًا واحدًا، بالنظر إلى أن فلسفة الزمن تختلف من  شخص لآخر، فلدينا الزمن المنطقي المتفق عليه وهو أن الساعة بها 60 دقيقة واليوم يضم 24 ساعة وشهر ماي به 31 يومًا."

وأضاف: "هناك أيضًا الزمن النفسي أو زمن الانتظار، أي كيف يعيش الفرد في الزمن المنطقي من الناحية النفسية والاجتماعية، إضافة إلى الزمن الحقيقي المتعلق بالحياة الآخرة."

ويعتقد الدكتور صالح شوشاني الذي يعمل معالجا عائليا وشخصيًا أن "الجزائري يعيش في حالة انتظار دائمة، وهي نوع من القلق، بالنظر إلى كثرة الأحداث خاصة في شهر أيار/ماي الذي تميز بتقلبات جوية في الطقس وفي الأسعار وجرت فيه أحداث سياسية واقتصادية، مبينا أن الجزائري يعيش في حالة من المتناقضات."

ولاحظ الدكتور شوشاني أن "حالة القلق تختلف من شخص لآخر، فالإنسان العاطل يشعر بطول الوقت أكثر من الإنسان الذي لا توجد فراغات كثيرة في نشاطه اليومي والشهري."

لكن المختص ذاته نبّه إلى أنه "في مجتمعٍ كالجزائر لم ترتق الجماعات في كثير من الأحيان من مستوى الحشود إلى الجماهير، ما يعني بقاء تأثير الأغلبية أقوى من تأثير الأقلية من النخبة، لذلك يذوب رأي هذه الأقلية في الانطباع الطاغي للمجتمع بالنظر إلى أن الظاهرة الاجتماعية إلزامية كما هو متعارف عليه عند علماء النفس والاجتماع."

وختم محدّث "الترا جزائر" بالقول: "ما شهدانه في أحداث عاشتها البلاد كالموقف من الحراك أو من الأسعار أو مباريات الكرة أو قضايا سياسية أخرى، والتي تكون فيها التصرفات غالبًا عاطفية بعيدة عن العقل سواء بوعي أو دون وعي."