12-سبتمبر-2019

تابع جزائريون باهتمام كبير، أولى المناظرات الانتخابية في القنوات التونسية (تصوير: فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

تابع جزائريون باهتمام كبير، أولى المناظرات الانتخابية في القنوات التونسية، في إطار الحملة الانتخابية لرئاسيات الجارة الشرقية، وبات هذا النشاط السياسي، حديث ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وتعليقاتهم وتفاعلاتهم، إذ اعتبرها كثيرون جزءًا من ثمار نجاحات مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، عقب سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في الـ 14 من كانون الثاني/جانفي 2011، حيث انطلقت منذ تلك الفترة إلى اليوم، محاولات مأسسة المؤسّسات التونسية، تزامنًا مع مخاض عسير في توليفة سياسية حزبية، تتنافس اليوم على كرسي الرئاسة في قصر قرطاج.

تابع جزائريون باهتمام كبير، أولى المناظرات الانتخابية في القنوات التونسية، في إطار الحملة الانتخابية لرئاسيات الجارة الشرقية، مع شيء من التحسر والأمل، بالانتقال إلى تفاعل ديمقراطي شبيه

تجربة المسار الديمقراطي

اهتمام الجزائريين بمناظرات المرشّحين للرئاسيات التونسية، نابعٌ من أسباب جغرافية وتاريخية واجتماعية، الثّابت فيها هي تلك العلاقات الثنائية بين الشعبين والبلدين، فكلاهما يشهدان تحوّلات مفصلية عقب ثورات شعبية، حيث تعرف تونس تقدمًا لافتًا في ممارسة حرّية التعبير عبر المشهد الاتصالي والإعلامي، بينما لا زالت الجزائر تنتظر ثمرات الحراك الشعبي منذ أزيد من ستة أشهر.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون يتحدون الإرهاب في تونس

في مقابل ذلك، يعتقد كثيرون أنّ المناظرات بين مرشّحي الرئاسيات التونسية، ليست كافية للتعبير عن نجاح مثالي لتجربة الانتقال الديمقراطي، "ولكنّها تبقى خطوة إيجابية إلى أبعد الحدود"، كما يقول الناشط السياسي عبد الله فنوح لـ"الترا جزائر".

في هذا السياق، يوضّح المتحدّث أن وقوف رئيس جمهورية سابق في شخص المرشّح محمد المنصف المرزوقي وهو أوّل رئيس بعد ثورة تونس أمام رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة، ونائب رئيس البرلمان من حزب إسلامي "حركة النهضة"، والذي كان ضحية قمع النظام السابق، فضلًا عن قيادية في الحزب المركزي للنظام السابق المرشحة عبير موسي وغيرهم من المرشحين، "يمثّل نجاحًا في تكريس أبرز أسس الديمقراطية والحقّ في إبداء الرأي، وتكافؤ الفرص بالوقت وبالدقيقة والثانية بالتعبير عن منظورهم ورؤيتهم لتونس مستقبلًا وكيف يديرها الرئيس المقبل".



تقاطع التجربتين التونسية والجزائرية، في نقطة الذهاب إلى انتخابات رئاسية مسبقة، لا يعني الوصول إلى النتائج نفسها، هنا، يقول الناشط السياسي هشام موفق مداد، "إنّه يجب التأمّل في المسار الديمقراطي التونسي، وحين نقول مسارًا، فمعناه أنّ هناك تقدّمًا ومرحلية وتعثّرًا وتصويبًا"، موضّحًا أن الشعب التونسي حين ذهب للانتخابات تحت ظلّ حكومة الباجي قايد السبسي، كان واثقًا من نفسه ومن خياراته ومن حرصه على ألا تزوّر إرادته، على حدّ قوله.

العصر الذهبي للتلفزيون

اليوم، يتحسّر كثير من الجزائريين على تضييع فرصة الانتقال الديمقراطي في التسعينات، وعلى أنهم كانوا السبّاقين في إطلاق المسار الديمقراطي قبل ثلاثين سنة، في حين لم يستطيعوا تشكيل هذا المشهد الإعلامي والمشهد الديمقراطي.

من جهتهم، يرى متابعون أن وسائل الإعلام الجماهيرية ومن بينها التلفزيون، تُسهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه، خاصّة في مثل هذه الظروف التي تعيشها الجزائر منذ بدء الحراك الشعبي في الـ22 شباط/فيفري الجاري، ويعتقدون بضرورة تنظيم مناظرة سياسية بين أطراف اللعبة السياسية في البلاد.

هنا، يقول عبد العالي مزغيش، الصحافي في قناة التلفزيون الجزائري، في حديث إلى "الترا جزائر"، إن المؤسّسة التي يشتغل بها عرفت مرحلة ذهبية في بداية التسعينات، فقد كانت منبرًا للمناظرات السياسية التي جمعت مختلف الأطياف والحساسيات الأيديولوجية قبل تسع وعشرين سنة، على حدّ تعبيره.

يربط المتحدّث، التجربة الإعلامية التي عرفتها فترة التسعينات، بانفتاح الشخصيات السياسية والفكرية على الحوار، في بداية التعدّدية الحزبية، ويتطلّع من جهة أخرى، إلى "مشاهدة مناظرات راقية بين رجال السياسة والفكر والثقافة، انعكاسًا لمناخ سياسي بدأت ملامحه -رغم التعثّرات- تتشكّل".

يبدو أن رأي كثير من الجزائريين اليوم، حيال الأوضاع السياسية في تونس، تصبّ في تثمين التجربة التونسية واعتمادها كدليل على أن الربيع العربي، أنتج أيضًا تجربة ديمقراطية يجب الالتفات إليها، لأنّ كثيرين في تحليلهم للثورات العربية، يميلون إلى الاستشهاد غالبًا بالتجارب التي تعثرت في إنجاز تحول ديمقراطي، في ليبيا واليمن وسوريا.



نقاش يحترم الرأي الآخر

في مقابل ذلك، تشير بعض الآراء إلى توفّر عدّة عوامل في فترة التسعينات، انعكست على التجربة السياسية في الجزائر، وهو ما يشير إليه مصطفى بخّوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة، منتقدًا مناظرات المرشّحين التونسيين، "كانت بلا روح ولا مضمون إذ غابت عنها مناقشة استراتيجيات كل مرشح".

في هذا السياق، يدعو المتحدّث إلى عدم إقصاء الكفاءات الجزائرية، ويستشهد ببرامج التلفزة الجزائرية الوطنية، حيث "ظهر في نهاية الثمانينات أحسن برنامجين، وهما للإعلامي مدني عامر (وجهًا لوجه)، وأخرى للصحافي مراد سبين في (لقاء الصحافة)".

يتأسّف كثير من الجزائريين اليوم، على افتقار المشهد الإعلامي لتلك المناظرات التي كان يبثّها التلفزيون الجزائري في التسعينات، وهو ما تذهب إليه سمية صالحي، الطالبة الجامعية في قسم علم النفس بجامعة بوزريعة بالعاصمة، التي تقول لـ"الترا جزائر"، إنّ جيلها لم يعش تلك التجربة، ولم يشهد على تلك المواجهات السياسية على شاشة التلفزيون الجزائري، معتبرةً أنّ ذلك كان جزءًا من تجرّبة سياسية مهمّة عاشتها الجزائر رغم ما يقال عنها.

تضيف المتحدّثة، أنّها انبهرت بالتجربة التونسية، وأنّ الفضاء الافتراضي "كشف أنّنا كنّا نتقاتل فقط على فكرة أن قطعة الخبز تكفي الجميع، وتركنا الأهمّ، وهو بناء دولة فيها احترام البعض واختلافاته وتوجهاته وهو ما شاهدته في منظارة المرشّحين التونسيين عشية انتخاباتهم الرئاسية".

يعتقد كثيرون أنّ المناظرات بين مرشّحي الرئاسيات التونسية، ليست كافية للتعبير عن نجاح مثالي لتجربة الانتقال الديمقراطي، "ولكنّها تبقى خطوة إيجابية إلى أبعد الحدود"

للإشارة، فإن المناظرات التونسية التي استمرّت لثلاثة أيّام من عمر الحملة الانتخابية، يحتمل أن تتكرّر مرّة أخرى إذا انتقلت الاستحقاقات للدور الثاني، كما برمجت الهيئة العليا للانتخابات بالموازاة، مناظرات خاصّة بالانتخابات التشريعية في تونس، المنتظر إجراؤها في السادس من الشهر المقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائريون يحجون إلى تونس بحثًا عن وصفة الشفاء

قايد السبسي من الثورة إلى الحراك.. رجلٌ في قلب التاريخ الجزائري