09-فبراير-2016

حي لحراش في العاصمة الجزائرية (Getty)

من المشاريع المرتبطة بعهد الرئيس الجزائري الحالي، وتم تعميمها على كل البلديات البالغة 1541 بلدية، ما يُعرف بمحلات الرئيس، بمعدل مائة محل تجاري في كل بلدية، توزع على الشباب العاطلين عن العمل.

الطاهر وطار: إن الحكومة في الجزائر لا ترى معارضة لها خارج قوى الطبيعة

غير أنه بعد عشر سنوات من إنجاز المشروع، بقيت هذه المحلات مقفلة، أو تحولت إلى أوكار للانحرافات المختلفة، لأنها بنيت معزولة عن التجمعات السكانية، أو ذهبت إلى غير المحتاجين إليها فعلًا، ومن الطرائف أنني سألت أحد المستفيدين من هذه المحلات، في بلدية نائية أصلًا، وكان حلاقًا، عن المردود، فأقسم إن عدد الذئاب التي تطل عليه برؤوسها، أكثر من رؤوس بني آدم.

حصل ذلك في زمن الراحة البترولية، أين كانت الحكومة توزع الأغلفة المالية على الشباب يمينًا ويسارًا، المهم أن يبتعدوا عن الاحتجاج، والانخراط في طوفان الربيع العربي، ولئن كان من حقها أن تحمي نفسها، فلماذا لا تفعل ذلك بطرق محترفة وبعيدة عن الارتجال والحلول الترقيعية الآنية؟ مثلًا، ما الذي منعها من أن تنجز مشروع محلات الرئيس، وفق دراسة دقيقة، تحدد مواقعها وجدواها والمستفيدين منها وطبيعة التجارات الصالحة فيها، بناء على خصوصية كل منطقة، فتستفيد وتفيد؟

قد يبدو الحديث عن هذا المشروع الهامشي هامشيًا، لكنه يشكل نموذجًا حيًا وحقيقيًا لطبيعة المنطق الذي تسير به الحكومات المتعاقبة في الجزائر، تعاقب شكلي جدًا، لأن التوجهات بقيت نفسها، وهو منطق شعاره "المهم الواجهة"، غير أنها أصبحت في السنوات الأخيرة تفشل حتى في تجميل هذه الواجهة، إذ بات قليل جدًا من المطر أو الثلج أو الريح أو الزلزال، كافيًا لفضح الغش والغشاشين. هنا تذكرت ما قاله لي الروائي الطاهر وطار، وقد تداعت سكنات ومشاريع بفعل زلزال 2003، أقيمت قبله بسنة وسنتين، فيما بقيت السكنات الموروثة عن العهد الفرنسي شامخة، قال: "إن الحكومة في الجزائر لا ترى معارضة لها خارج قوى الطبيعة".

ما معنى أن تُرحّل أحياء سكنية قديمة إلى أحياء جديدة لا تتوفر فيها مدرسة وسوق وفرع بلدي ومصحة؟

ليس من النبل إنكار عشرات الآلاف من السكنات التي أنجزت في عهد الاستقلال الوطني، ذهب معظمها إلى الفقراء من الشعب، خاصة في السنوات العشر الأخيرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تنجز وفق المعايير التي توفر الراحة للحائزين عليها؟ من حيث اتساعها، علمًا أن معظمها أقيم فوق أرض فلاحية شاسعة أصلًا، ومن حيث توفرها على المرافق الضرورية للحياة، إذ ما معنى أن تُرحّل أحياء سكنية قديمة إلى أحياء جديدة لا تتوفر فيها مدرسة وسوق وفرع بلدي ومصحة وبريد مثلًا، مع توفر القدرة على ذلك؟

كنت داخلًا إلى بيتي قبل أيام، ووجدت جارة مسنة عند مدخل العمارة، فقالت لي إنها لا تفهم خلو العمارة من مصعد، خارج أن الحكومة لا تريدنا أن نرتاح، "إذ ما معنى أن تخلو عمارة من خمسة طوابق من مصعد؟ أين تظهر تكلفته بالمقارنة مع تكلفة العمارة نفسها؟ إنهم يمنحوننا سكنات تحت الضغط الشعبي، لكنهم لا يجهزونها بوسائل الراحة كنوع من الانتقام، لكن لماذا؟ أليسوا منا ونحن منهم؟ ألم يكونوا قادرين على أن يرتاحوا ويتركوا الشعب يرتاح؟".

من المنشورات التي أثارت انتباهي في الفيسبوك هذه الأيام، ما كتبه الصحفي نجم الدين سيدي عثمان، بمناسبة افتتاح مركز تجاري في مدينة سطيف، بالشرق الجزائري، ولاحظ أن كثيرًا من الزوار لم يحسنوا التعاطي مع السلالم الميكانيكية، يقول: "هل سمح لنا هذا الوطن كيف نعيش مثل الخلق والنّاس؟ إننا نعيش في حفرة عميقة جدًا يصبح فيها إنشاء بطاقة تعريف بيومترية إنجازًا عظيمًا وكذلك تدشين مركز تجاري حيث يحج الوزراء عن بكرة أبيهم لحضور الحفل في وقت يفترض أن كل مدينة فيها عشرات المراكز التجارية. في عاصمة مملكة ليزوتو ماسيرو التي تعيش على تصدير الماء لجنوب أفريقيا وقفت بعيني على مراكز تجارية حديثة يجيد النّاس فيها صعود السلالم".

اقرأ/ي أيضًا:

العبقرية الجزائرية في إنتاج الفشل

حسين آيت أحمد.. جنازة سياسية للاعتبار