صنعت أزمة كورونا قاموسًا لغويًا، يشبه أدبيات الحروب، لوصف فرق تعمل ساعات متواصلة في المستشفيات، لا تلقى اهتمام الناس، رغم أنهم في مواجهة دائمة للمخاطر، على صحّتهم وسلامة أفراد عائلتهم.
أجرة الخالة جميلة بعد 30 سنة من العمل لا تتعدى 27000 دينار جزائري
يصفونهم بالمرابطين، والمجندين، وأبطال الصفوف الأمامية، أو أبطال الرعاية الصحية، هؤلاء هم عمال النظافة الذين يعملون ليلًا ونهارًا لتلبية حاجيات المرضى بفيروس كورونا، ويقومون بتنظيف الغرف والأروقة دون توقف، وهم أعوان الأمن الساهرون على تنظيم حركة الدخول والخروج في المستشفيات، وتوفير الطمأنينة وسط عائلات المرضى والطاقم الطبّي.
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر تسجل زهاء 5 آلاف إصابة بفيروس كورونا
لحظات صعبة
تعمل خالتي جميلة في مستشفى وسط العاصمة، برفقة زميلاتها الممرضات، تنهي دوام عملها اليومي الذي يبدأ من الساعة الخامسة مساءً إلى غاية الثامنة صباحًا. تنتعل أكياسًا بلاستيكية، وترتدي قفازين وكمامة، لا تلفت الخالة جميلة الانتباه كثيرًا، ولا تتلقى الشكر على صمودها وعملها الذي يتجاوز التنظيف إلى مساعدة الممرضات، كجلب الأغطية وترتيب حاجيات المرضى وتنظيف أماكنهم.
إلى جانب الأطباء في غرف الحجر الصحّي، تشتغل جميلة، في مصلحة مخصّصة لعلاج كوفيد- 19. تقول في حديث لـ "الترا جزائر"، إنها اختارت عن طواعية الالتحاق بالقسم الجديد ودون تردّد، رغم إدراكها للمخاطر، تشتكي من ظروف عملها دائمًا ما يفتقر إلى شروط الصحّة والسلامة المهنية، ما يجعل عامل النظافة الأكثر فئة عرضة للأمراض والأوبئة.
اضطرّت اليوم إلى تمديد فترة بقائها في العمل إلى غاية منتصف النهار، لتنظيف الغرف وإعداد الآسرة وتعقيم كل شيء، كلمّا غادرت مجموعة من المرضى المستشفى.
يواجه عمّال النظافة صعوبات كثيرة، وبشكلٍ يومي، فأجرة الخالة جميلة بعد 30 سنة من العمل لا تتعدى 27000 دينار جزائري، فضلًا على عملها في محيط مهني ترتفع فيه مخاطر الإصابة بالفيروسات، والنظرة الدونية من طرف بعض أفراد المجتمع إلى عمال النظافة في المستشفيات، حيث أوضاع عمال النظافة في المستشفيات، وأغلبهن من العنصر النسوي أضحت محفوفة بالمخاطر وسط انتشار فبروس كورونا، وقليل منهن من يستوعبن ذلك.
نحتاج إلى تقدير وكرامة
في سياق متصل، يقف أعوان الأمن في المستشفيات في الصفوف الأمامية عند استقبال مرضى كوفيد - 19، وعلى غرار باقي الفرق الطبية، يشعر هؤلاء الأعوان بمخاطر الإصابة بالعدوى، ويتصدّون لكل أشكال الاعتداءات اللفظية والجسدية على مهني الصحّة.
تشهد مصالح الاستعجالات خلال تفشي فيروس كورونا اكتظاظًا وضغطًا كبيرين على الطواقم الطبية. هنا، يكشف عون الأمن ناصر، بمستشفى بشير منتوري بالقبة في العاصمة، أنه في البداية شعر بالرعب، إذ "لم تكن لدينا ملابس وقائية كاملة، كما هو حال الأطباء والممرضين، كنا نستخدم الاقنعة والقفزات التي نقتنيها من مالنا الخاص، ولم توفّر لنا الإدارة كامل المعدّات الوقائية ماعدا الكمامات".
يستبشر ناصر، خيرًا بالقرار الوزاري الأخير، حول تحويل عقود الأعوان المتقاعدين العاملين بالتوقيت الجزئي، إلى عقود عمل بالتوقيت الكامل.
في المقابل يطالب أعوان الأمن برفع قيمة المنحة التعويضية عن العدوى، علمًا أن المنحة تتراوح ما بين 1500 و2500 دينار جزائري فقط.
يستنكر هؤلاء الأعوان إقصاءهم من علاوة استثنائية لفائدة مستخدمي الهياكل الصحيّة. في هذا الإطار يقول ناصر إنه كثيرًا ما يضطر إلى مرافقة مرضى كوفيد-19، إلى مصلحة الاستعجالات بصدور عارية ومرافقة الأطباء والسهر على سلامة الطاقم الطبّي، التي يتعرّض إلى التعنيف من بعض عائلات المرضى، حيث يستشهد ناصر بحسب أقواله، بحالة وفاة أحد أعون الأمن بمستشفى يقع وسط العاصمة، بعد إصابته بالعدوى.
ظروف صعبة
وفي السياق نفسه، يقول الطبيب المختصّ بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، ياسين العقون، في اتصال مع "الترا جزائر"، إن الجائحة فرضت ظروفًا استثنائية، عائليًا ومهنيًا، فشروط الوقاية الصارمة، كضرورة لبس القناع، والكمامة. بالإضافة إلى اللباس الواقي لساعات طويلة تجعل القيام بأبسط المهام أصعب ناهيك عن الاستراحة وتناول الطعام وحتى الدخول إلى المرحاض الذي أصبح مهمّة معقدة تستلزم تغيير كامل اللباس
يضيف العقون، أن التعامل مع المرضى أصعب بعض الشيء، نظرًا لعدوى الفيروس، وكشف أن المرضى يشعرون بأنهم منبوذون من طرف المحيطين بهم، لذلك نحاول قدر الإمكان التعامل معهم كأيّ مريض عادي مع الالتزام بتدابير الوقاية.
وكشف عقون أنه لم يزر عائلته منذ ما يزيد عن أربعة أشهر، مخافة من نقل العدوى إليهم في حالة ما إصيب بها، وأفاد أن كثيرين من زملائه المقيمين بالعاصمة، فضّلوا الخروج من المنزل العائلي وكراء شقّق قرب المستشفيات لتفادي الاحتكاك مع عائلاتهم.
كما عبر المتحدّث، عن مخاوف نقل العدوى للمرضى غير المصابين من نزيلي المستشفى، بحكم احتكاكه اليومي بهم، خاصّة أنهم فئة هشة، وختم العقون حديثه: "لا يوجد في رأيي شعور أسوأ من أن تكون سببًا في نقل العدوى للآخرين، فما بالك أن تكون سببًا في وفاة أقرب الناس إليك".
يستنكر هؤلاء الأعوان إقصاءهم من علاوة استثنائية لفائدة مستخدمي الهياكل الصحيّة
يبدو أن جهودًا كبيرة يبذلها جنود مجهولون في أروقة المستشفيات، دون إثارة الكثير من الضجيج، حيث يواجهون شبح الوباء يوميًا بصدور عارية، هؤلاء بحاجة إلى أن تتغيّر نظرة الناس إليهم، وعلى السلطات إعادة النظر في مثل هذه المهن، التي يكون فيها الموظف وجهًا إلى وجه مع خطر الموت.
اقرأ/ي أيضًا:
الجزائريون في رمضان.. بين غياب الرقابة نهارًا وعدم جدوى حظر التجوال ليلًا