12-يونيو-2019

صورة مركّبة (الترا جزائر)

إمكانية استصدار جواز سفر في 24 ساعة، كانت هذه آخر صيحات مشروع عصرنة الإدارة في الجزائر، والذي تبّجحت به وزارة الداخلية مرارًا في خطاباتها، غير أنّ هناك واقعًا مغايرًا تمامًا يعيشه مواطنون جزائريون خاصّة المقيمين في الخارج.

مُنع أحمد من استصدار جواز سفر بعد حضوره تجمّعًا نظّمته حركة "الماك" الانفصالية، بدافع الفضول

إجراءات بيروقراطية، وتماطلٌ في استصدرا جوازات السفر، هي مظاهر عجزت عن إخفائها "الحكومة الرقمية" في الجزائر رغم محاولاتها، إذ وجد مواطنون جزائريون أنفسهم بدون وثائق رسمية، أو ربّما في خانة المواطنين غير الشرعيين في بعض الحالات. وفي النهاية، لايجد السائل عن سبب هذه المعاملة من طرف الإدارة أيّة إجابة منطقية.

اقرأ/ي أيضًا: كمال الدين فخّار.. موتٌ جديد لسجناء الرأي في الجزائر

متهمّون أم ضحايا؟

أحمد، 27 سنة، طالب جامعي من ولاية البويرة، يُواصل منذ حوالي سنتين رحلة البحث عن جواز سفر، ولم يجد رغم محاولاته جوابًا شافيًا، إن كان سبب هذا التأخّر على مستوى الإدارة المحليّة، أم على مستوى وزارة الداخلية، أو ربّما في مكان أخر لا يعلمه أحد، ويرجّح أحمد أن السبب الرئيسي وراء هذا المنع سياسيٌ بحت، بعد الاشتباه بانتمائه إلى حركة "الماك" ذات التوجّه الانفصالي لمنطقة القبائل.

يروي أحمد قصّته في حديث إلى "الترا جزائر"، يقول: "لم أكن أعلم أن لقاءً دُعيت إليه من طرف أحد الأصدقاء سيُدخلني في دوّامة من المشاكل الإدارية، لقد حضرت لقاءً نشّطه رئيس حركة الماك السابق بوعزيز آيت شبيب في جانفي/ يناير 2017، وكان حضوري لهذا اللقاء بداعي التعرّف على هذا المشروع الذي كثُر الجدل حوله".

 يعترفُ أحمد، أنّه لم يكن أبدا منتميًا لهذه الحركة، ولم يتبنّ يومًا أفكارها، لكن بعد أن انتشرت صورة ذلك اللقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تم استدعائه من طرف الأمن من أجل التحقيق، ورغم التأكّد من عدم انتمائه للحركة وعدم نشاطه فيها.

 

 

كان الطالب الشاب، يظنّ الأمر مجرّد تحقيقٍ عابر، إلى أن قدّم ملفًا للحصول على جواز سفر في جويلية/ يوليو 2017، وهنا كانت المفاجأة التي لم ينتظرها أبدًا؛  تمّ تجميد ملفّه دون سابق إنذار، ومن يومها وهو ينتظر صدور جوازه منذ ما يُقارب السنتين.

يقول المتحدّث: "أنا طالب جامعي، ولكنّني لا أستطيع التفكير في مستقبلي، لا يمكني البحث عن منحة دراسية في الخارج، أنا متخوّف حقًا من قدوم يوم لا أمتلك فيه حتى بطاقة هوية وهو أمرٌ حدث مع أشخاص يعانون من المشكلة نفسها، أنا لم أرتكب أي جريمة، لا أملك ديونًا أو مشكلًا ضريبيًا، لم أمثل أبدًا أمام العدالة، لم تعد قضيتي البحث عن جواز سفر بل حقيقة ما يحدث لي، ليس لي مانع في المثول أمام القضاء من أجل حلّ نهائي لمشكلتي، لقد جُرّدت من حقوقي المدنية ومن مواطنتي دون أن أعرف السبب، وهذا ما يؤلمني أكثر من شيء آخر".

يُشير أحمد، إلى أنّه يُشارك كل جمعة في مسيرات الحراك الشعبي، على أمل أن تتحسّن الأوضاع في الجزائر، وأنّه يؤدّي كل واجباته المدنية؛ شارك في الانتخابات المحلّية الأخيرة عام 2018، وتلقّى استدعاءً لتأدية لخدمة الوطنية، هنا يعلّق المتحدّث: "أستغرب ما يحدث ولا أستطيع العيش كنصف مواطن، أعرف بعض الذين يعانون مثلي، وهم يفكّرون في الهجرة السرّية كحلٍّ أخير للخروج من هذا الكابوس".

ملاحقات في باريس

لا تختلف قصّة أحمد عن ما يعيشه قاسي نور الدين، الشاب الذي انتسب إلى حركة المواطنة "لعروش" ممثلًا عن ولاية بجاية (شرقي الجزائر)، حيث أُنشأت هذه الحركة خلال أحداث ربيع 2001، وهو اليوم يعيش الوضعية نفسها.

يُواجه نو الدين مشكلة استصدار وثائقه في كلّ مرّة، كان أوّلها عام 2007، إذ أن تمّ منعه من مغادرة البلاد، ليجد نفسه في رحلة للبحث عن سبب ذلك، وبعد تدخّل بعض معارفه، تم التوضيح له أنّ ذلك راجع إلى محضر حرّره جهاز الدرك الوطني ضدّه، يُدينه في أعمال تخريبية لم تحدث أصلًا بحسب نورالدين.

بعد تسوية وضعيته، غادر الشاب الجزائر واستقرّ في باريس ظنّا منه أنّ الحلّ كان نهائيًا، ولكنّ المشكلة لاحقته إلى هناك، بعد أن تقدّم للقنصلية لتجديد جوازه للمرّة الثانية منذ أزيد من ستة أشهر، يعلّق المتحدّث: "في كل مرّة كنت أتلقى الجواب نفسه،  وهو أن ملفي قيد الدراسة، لماذا يدرسون ملف جوازي وأنا أمتلكه منذ عشر سنوات؟".

يعترف نور الدين في حديث إلى "الترا جزائر"، قائلًا: "بعض من طرحت عليهم قضيّتي، أرجعوا الأمر لنشاطي السياسي والثقافي في فرنسا، وأنا مع هذا الطرح، فليس لي أي مشكلٍ سواء مع الجزائر أو فرنسا، نضالي كان دائمًا ثقافيًا وسلميًا. أحرّض على العنف ولم أحمل السلاح، أنا لست مجرمًا كي أجرّد من جوازي سفري، وأحرم من العودة إلى بلادي لزيارة أهلي، الأمر غير مقبول تمامًا، وإن استمر الوضع على حاله سألجأ إلى العدالة".

 

 

خلل إداري؟

يرى عثمان معزوز، النائب البرلماني لـ حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية، أن الأمر غير مفهوم تمامًا ولم يجد له تفسيرًا حتى الآن، رغم مراسلاته الحثيثة للسلطات المحليّة أو السلطات المركزية بوزارة الداخلية، طلبًا للتدخّل في حالات يزيد عددها عن 85 حالة في ولاية بجاية وحدها على حدّ قوله.

يعتقد معزوز في حديث إلى "الترا جزائر"، أن هذه القضايا غير مُدرجة في خانة المشاكل الإدارية، ولا يظنّها مرتبطة بشكل حصري بالانتماء لحركة انفصال منطقة القبائل، فهناك مناضلون في حزب التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية يعانون المشكلة نفسها منذ أشهر على حدّ تعبيره.

 هنا يعلّق المتحدث: "لم نجد جوابًا شافيًا؛ إن كان الموضوع خللًا إداريًا أم إجرائيًا، أم أنه بسبب التوجّهات السياسية للأشخاص كما سبق وحدث خلال الربيع الأمازيغي عام 1980، وأحداث الربيع الأسود عام 2001، حيث حُرم بعض ممثلي تنسيقية العروش من استصدار وثائقهم أو منعهم من السفر، وهو تعدٍّ خطير على الحرّيات الفردية والحقوق الأساسية للمواطنين دون سبب واضح، ودن أيّ قرار رسمي يجسّد القرار في وثيقة".

في هذا السياق، يؤكّد معزوز أن بعضهم قد حلّ المشكلة بطرق ودّية دون اللجوء إلى العدالة وتحصّلوا على وثائقهم، بينما اتصلت السلطات المحليّة ببعضهم من أجل تجديد الملفات، وقال أن هناك مسؤولين صرّحوا بأن هذه القضية سيتمّ حلّها قريبًا، إذ طالب النائب من السلطات تحديد موطن الإشكال ليستطيع المعنيون معالجتها.

ماذا يقول القانون؟

بعد سعي حثيث لدى الجهات الإدارية، لمعرفة المانع الإداري وراء منعهم من استصدار بطاقات هوية وجوازات سفر، نظّم ممنوعون من استصدار جوازات سفر، عدّة وقفات في مدينة تيزي وزو التي ينحدر منها غالبية المتضرّرين من هذه الوضعية. بعضهم باشر إجراءات قانونية من أجل استرجاع حقّه المدني المهضوم.

 في السياق نفسه، يرى المحامي عبد القادر حوّالي الذي يُرافع عن بعض الشباب الممنوعين من الوثائق في ولاية تيزي وزو، أن القانون واضح جدًا في عقوبة الحرمان من الحقوق المدنية؛ ففي عام 2015 قال الوزير الأوّل آنذاك عبد المالك سلال أمام نوّاب الشعب، إن المنع من مغادرة التراب الجزائري لن يكون إلا بقرارٍ قضائي تُصدره العدالة الجزائرية، الشيء نفسه بالنسبة لتجريد المواطنين من الحقوق المدنية"

إن المنع من مغادرة التراب الجزائري لن يكون إلا بقرارٍ قضائي تُصدره العدالة الجزائرية

وينبّه حوّالي في حديثه إلى "الترا جزائر"، أن السلطات ترفض أن تمنح الممنوعين قرارًا برفض ملفاتهم، ويواصل حوالي شرحه: "الحرمان من استصدار الوثائق، لا يكون إلا بعد ثبوت إدانة تُفضي إلى ذلك وتمنح وثيقة تبين ذلك لمن يريد الطعن في القرار ومواصلة الإجراءات القانونية لدى المحاكم الإدارية من أجل إلغاء القرار، لحدّ الآن كل الملفّات التي أمتلكها ويمتلكها زملاء لي، لا أحد بينهم أُدين قضائيًا ولم يمثل أيّ أحد منهم أمام العدالة".

ويضيف المتحدّث، أنه سواءً كان المشكل إداريًا أو سياسيًا أو قضائيًا، فعلى الجهات المختصّة أن تتحرّك وتوقف ما وصفه بـ المهزلة والتعدّي على حقوق الإنسان، معتبرًا أنه من غير المعقول ترك مواطنين بدون وثائق إدارية مهما كان الدافع إلى ذلك على حدّ قوله.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الإخفاء القسري في الجزائر.. إرث العشرية السوداء المبهم

شيفرة الاحتجاج الجزائري.. من حرق الجسد إلى تعريته