16-يناير-2023
جودة الحياة

يقف زبون في العقد الستينيات أمام واجهة محل القصابة، مؤثثة بمختلف أصناف اللحوم الحمراء، يسأل عن سعر لحم الضأن، ودون أن يلتفت إليه البائع يطلق صيحة 2450 دينار للكيلوغرام، يصمت الزبون ويسأل مرة ثانية عن سعر لحم البقر، حينها يرشده البائع  إلى لوحة الأسعار المعروضة في المتجر وقد دُون عليها سعر 2400 دينارًا جزاريًَا، بعد مهلة تفكير يَطلب الزبون مقدار 500 دج من لحم مفروم.

يُشير خبراء أن ازدياد نسبة الهجرة  السرية هي الالتحاق بأوطان تتوفر فيها شروط السعادة والحياة الكريمة والحد الأدنى من جودة الحياة

في تبادل الحديث مع صاحب محل القصابة، أشار أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بات يسبب "صداع الرأس" ومحلّ عراك مع الزبائن، وأفاد محدثنا أن أسعار اللحوم الحمراء وصلت إلى أسعار خيالية، وهي تفوق القدرة الشرائية للمواطن، موضّحًا "في ظل ارتفاع الأسعار هناك تراجع في استهلاك اللحوم الحمراء من طرف المواطن، وبات اللحم  عملة صعبة، بينما هي أساسية في النظام الغذائي الصحي، ما يؤثر على نوعية الحياة".

بين الخطاب والواقع

في سياق متصل، يرى متتبعون أن السلطات تفتخر أنها تمكنت من القضاء على نظام الطوابير من أجل اقتناء كيس الحليب، وبات زيت المائدة متوفرًا في المحلات والبقالات بعض تشديد العقوبات على مصادر الاحتكار والمضاربة، في المقابل يرى مراقبون أن حاجيات الجزائريين تتعدى كيس الحليب وزيت المائدة أو مادة السميد، بل ترغب الأغلبية إلى الرفاهية وجودة الحياة التي تتضمن التعليم الأفضل، و أحسن الرعاية الصحية وحسن الخدمات الاجتماعية، وتوفر وسائل النقل العمومية نظيفة وضبط المحيط العمراني من الفوضى وبائعي الأرصفة والطريق العام، ويتطلع المواطن إلى أسعار العقارات والظروف الحياة الكريمة بمعايير دولية.

في هذا الشأن، تكشف ظروف رحيل الصحفي حمزة بركاوي الشجرة التي تغطي الغابة، فقبل وفاته بأيام كتب منشور على صفحة الفيسبوك شاكيًا من عدم توفر جهاز السكانير من أجل تشخيص حالته الصحية، وأبدى تذمره من سوء المعاملة، متأسفًا من مما يعرف مجتمعيًا بـ"المعريفة" والزبائنية المعممة في المستشفيات العمومية.

هذا المؤشر يوضّح غياب أدنى شروط الحياة الكريمة للمواطن أمام سوء أوضاع الرعاية الصحية وغياب تام للخدمات الاجتماعية، والأمر غير مرتبط بالعمل الحكومي؛ بل نتيجة تراكمات جعلت من حياة الجزائريين لا تتوفر فيها الحد الأدنى من الشروط الحياة الرفاهية.

ماذا يقصد بجودة الحياة؟

ما يقصد بجودة الحياة متعلق بعدة مفاهيم منها السلامة العامة للأفراد والمجتمعات، وتتضمن تمتع الفرد بالصحة الجسدية والصحة العقلية والتربية التعليمة والشعور بالأمان وتوفير الوظيفة والسكن والملبس والنقل، وضرورة توفر بيئة آمنة للممارسة الدينية والمعتقد والحرية والبيئة النظيفة والمحيط العمراني المستقيم، علاوة على جودة الحياة العائلية والاجتماعية،ومن مؤشرات جودة الحياة في المجتمعات ليس الدخل الفردي فحسب بل تشمل بحسب خبراء التنمية الفردية والتنمية الاجتماعية والتنمية البيئية والمحيط.

وبناء على ذلك هل يتوفر المواطن الجزائري على جودة الحياة؟

الطفل في المدرسة

في سياق آخر، وبالحديث عن ارتفاع العنف ومعدل الجريمة في البلاد، يتبين أن حادثة الطعن التي تعرضت إليها أستاذة على يد أحد تلاميذها في الصف الرابع الابتدائي، إلى وجود "أزمة عميقة" في عالم الطفولة والمراهقة، وتؤشر إلى فشل في المنظومة التعليمية والتربوية، إذ بعيدًا عن نسبة التحصيل المعرفي للتلميذ، فإن  الجانب التربوي لا بد من أين يكون متوفرًا ومستوعبًا لدى التلميذ في مرحلة الابتدائية، على الأقل من أجل ضمان سلامة المؤسسات االتربوية والطاقم التربوي.

يُشار أن حوادث العنف والاعتداء على الأساتذة والطلبة في جميع الأطوار التعليمة والجامعية أصبحت متكررة في المدارس والإقامات الجامعية، حيث تتناقلها وسائل الإعلام بشكل دوري،وهو الأمر الذي يعيده خبرا إلى وجد خلل في المنظومة التعليمية تنعكس آليًا على غياب جودة التعليم وغياب بيئة آمنة للتعلم والتعليم عمومًا والحياة خصوصًا.

حياة في العمل

في السياق ذاته، يَعدُ غياب دراسات حول حياة الفرد الجزائري في محيط العمل من بين السلبيات التي من شأنها تشخيص ما مدى جودة الحياة العامل والموظف الجزائري، وما هي أسباب تراجع المردودية، وقد تشمل الدراسة السلامة العقلية والجسدية للعامل الجزائري، بيد أن مصالح الضمان الاجتماعي تشير إلى ارتفاع نسبة الطلب على العطل المرضية، خصوصًا في القطاعات العمومية الخدماتية، كالتعليم والصحة وقطاع الضرائب والإدارة العمومية.

ويعود الأمر بحسب النقابات العمالية إلى الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض إليها موظفو تلك القطاعات التي تشمل أكبر الفئات العمالية، ويعود السبب إلى اكتظاظ قاعات التدريس بالنسبة إلى المدارس التربوية، والضغط اليومي على مصالح الاستعجالات الطبية والاعتداءات التي أمست تمس الطواقم الطبية، زيادة على الضغط شبابيك الحالة المدنية ومصالح الضرائب.

أمّا بخصوص القطاع الخاص، فقطاع هام من العمال يشتكون من غياب سلم الأجور الرسمي، وغياب التأمين الاجتماعي، وعدم توفر ظروف العمل وفق الشروط الصحية والوقائية، وانعدام وجود نقابة عمالية تدافع عن مصالح العمال وتوفر لهم الحماية القانونية.

ازدحام الطرقات

تقطن السيدة أنسية في المدينة الجديدة سيدي عبد الله، ويقع مقر عملها في ضواحي الدار البيضاء، كل يوم يتعين على السيدة الخروج من البيت على الساعة السادسة صباحا وأي تأخير يترب عليه ألتحاق متأخر لأبنائها بالمدرسة، ومعاتبة المدير العمل، وتعيش السيدة أنسية "ضغطًا رهيبًا" جراء المسافة التي تقطعها يوميا إلى مقر العمل والعودة إلى البيت مساء، على حد قولها.

هنا، تقول أنيسبة في حديث لـ "التر جزائر" إنها تعاني يوميًا من مشاكل الازدحام في الطريق، مضيفة أن عدم توفر هياكل ومؤسسات تربوية بشكل كافي في مدينة سيدي عبد الله دفع بها إلى تسجيل أبناءها بمدرسة خاصة تقع بقرب مقر العمل.

وزادت أن الأطفال يستقضون يوميًا باكرًا على الساعة الخامسة والنصف للتهيئ والخروج على الساعة السادسة صباحًا، وتابعت أن الازدحام اليومي أثّر بشكلٍ كبيرٍ في التحصيل المدرسي لأبناها، خصوصًا أن العودة إلى البيت تكون في حدود السابعة مساء، حيث يكون الأطفال مرهقون جدًا وتصعب مهمة مراجعة دروسهم.

وزادت أنها تعبت من مشاكل العمل بسبب التأخير وإنذار المدير الذي لم يتفهم الوضع والذي تتشارك فيه مع الكثير من الموظفين والموظفات. حسب أقوالها.

في هذا السياق، يكشف خبراء في الشأن الصحي، أن الازدحام المروري يعد من بين أهم الأسباب التي ضاعفت في تفاقم بعض الأمراض على غرار ضغط الدم وأمراض القلب نتيجة انعكاساتها على الحياة الفردية والجماعية والمهنية،

يتعين على السلطات وضع تصور ٍكاملٍ حول الاستجابة لحاجيات المواطن النفسية والعقلية والبدنية

ويشيرون أيضًا، إلى  أن ازدياد نسبة الهجرة السرية هي الالتحاق بأوطان تتوفر فيها شروط السعادة والحياة الكريمة والحد الأدنى من جودة الحياة، ويتعين على السلطات وضع تصور ٍكاملٍ حول الاستجابة لحاجيات المواطن النفسية والعقلية والبدنية الذي بات يتطلع على حيوات الناس والأمم في العالم.