07-يناير-2025
جون ماري لوبان

جون ماري لوبان (صورة: فيسبوك)

أُعلن في فرنسا عن وفاة السياسي الفرنسي اليميني المتطرف جان ماري لوبان، مؤسس حزب الجبهة الوطنية، عن عمر يناهز 96 عامًا، في حدث يعيد تسليط الضوء على دور هذا "السفاح" خلال الثورة الجزائرية، فقد وثّقت العديد من الكتب والشهادات دوره في تعذيب الجزائريين بوحشية.

"العنصرية" كانت رياضة المفضلة لجون ماري لوبان 

كان العام 1957  تاريخًا مفصليا في حياة لوبان السياسية، لأنه قرّر فجأة،وهو نائب شاب

 يبلغ من العمر 28 عامًا، الانضمام طوعًا إلى الجيش الفرنسي في الجزائر، في خطوة تبيّن لاحقا أنها لم تكن بدافع الخدمة العسكرية التقليدية، بل بدافع تعزيز صورته السياسية والترويج لمواقفه الاستعمارية المتشددة، لتبدأ من هناك رحلته في عوالم "السادية".

فضائح التعذيب

ولأن الاعتراف سيّد الأدلة، أكد لوبان بنفسه في تصريحات لصحيفة "معركة" (Combat) في الخمسينات، ممارسته للتعذيب، قائلاً: "لقد عذبت لأن الأمر كان ضروريًا". وبرر أفعاله بادعاء الحاجة إلى الحصول على معلومات لمنع هجمات محتملة. ومع ذلك، فقد أظهرت الوثائق والشهادات أن أفعاله تجاوزت نطاق الضرورة المزعومة، وارتبطت بممارسات تعذيب ممنهجة، مما عزز صورة لوبان كرمز للاستعمار الفرنسي الوحشي.

وفي كتابه "لوبان والتعذيب: الجزائر 1957، التاريخ ضد النسيان"، قدّم المؤرخ فابريس ريسبوتي، قراءة تاريخية موثقة لدور لوبان في التعذيب، حيث استندت الاتهامات الموجهة إليه إلى شهادات وشواهد مادية، بما في ذلك خنجر يحمل اسمه، بالإضافة إلى روايات شهود عيان وصفوا ممارساته بالعنيفة والقاسية. كما أكد أحد زملائه في الجيش أنه رأى لوبان يشارك بفعالية في تعذيب الأسرى، مما يظهر وجهًا آخر من أوجه القمع الاستعماري.

ومع تطور الوعي الفرنسي اتجاه الجرائم المرتكبة في الجزائر، حاول لوبان التنصل من ماضيه في التعذيب، حيث ظل ينكر دوره بشكل مباشر أو يحاول تقليل خطورة أفعاله، مستفيدًا من بيئة سياسية وقانونية كانت تميل إلى حماية الفاعلين في فترة الاستعمار لتجنب إحراج الدولة الفرنسية. لذلك، وعلى الرغم من اعترافاته العلنية، استطاع لوبان الانتصار في معظم قضايا التشهير التي رفعها ضد من اتهموه بالتعذيب.

خنجر لوبان

لوبان السياسي وكرهه للجزائريين 

من الجوانب المظلمة الأخرى في تاريخ لوبان، تحامله الكبير على الجزائريين المقيمين في فرنسا واستهدافه لهم بشكل ممنهج في كل الحملات الانتخابية. وكانت من أبرز هذه القضايا، محاكمته في تشرين الثاني/أكتوبر 2010 بتهمة التحريض على الكراهية ضد المسلمين وأفراد من أصول جزائرية، وذلك على خلفية نشره لملصقات دعائية أثارت جدلاً واسعًا خلال الحملة الانتخابية الإقليمية.

وكان الملصق الذي نشره لوبان، يحمل عنوان "لا للإسلاموية"، وأظهر امرأة ترتدي النقاب بجانب خريطة لفرنسا مغطاة بالعلم الجزائري وتتوسطها سبعة مآذن تشبه الصواريخ. تم توزيع هذا الملصق من قبل الحركة الشبابية التابعة للجبهة الوطنية في منطقة بروفانس ألب كوت دازور (جنوب فرنسا)، ونُشر لاحقًا عبر الإنترنت، مما أدى إلى موجة من الاستياء والانتقادات من منظمات حقوقية وصحفية.

وخلال المحاكمة، رفض لوبان الحضور واختار التعليق على القضية خلال ندوة صحفية في باريس، حيث أبدى سخرية لاذعة واعتبر أن القضية لا تتطلب دفاعًا قويًا من محاميه. أما محامي الجبهة الوطنية، فقد ركز دفاعه على تمييز المصطلحات، مشيرًا إلى أن الملصق يستهدف "الإسلاموية" وليس الإسلام.

وعلى الرغم من الإدانة القضائية والاجتماعية، ظلت هذه الممارسات حاضرة في الخطاب السياسي لليمين المتطرف، وهي استراتيجية سياسية، تعتمد على تأجيج المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين، وهو ما يسمح لحزب لوبان بحصد الكثير من الأصوات.

عنصرية إلى النخاع واستهداف لزيدان

وفي طريقته في التعبير وممارسة السياسة، كانت "العنصرية" بمثابة الرياضة المفضلة للوبان، إذ يحفل تاريخه بتصريحات كثيرة تهاجم التنوع العرقي في فرنسا، وكان لاعبو كرة القدم من أصول مهاجرة جزءًا بارزًا من أهدافه.

ويحتفظ التاريخ له بتصريحات شهيرة عام 1996، حين قال في مقابلة مع صحيفة "فرانس سوار": "دوسايي وُلد في غانا، مارتينز ذو جنسية مزدوجة برتغالية وفرنسية، وقد اختار الجنسية الفرنسية للانضمام إلى الفريق، لموشي تونسي ولد في فرنسا، لوكو كونغولي ولد في فرنسا، زيدان جزائري ولد في فرنسا، مادار تونسي ولد في فرنسا، جوركاييف أرمني ولد في فرنسا".

وكانت هذه التصريحات محاولة منه للتشكيك في "فرنسية" هؤلاء اللاعبين وتلميحًا إلى أنهم حصلوا على الجنسية الفرنسية لـ "أغراض رياضية بحتة".

ومع بروز نجم زيدان، كان الأخير هدفا متكررا على لسان لوبان، حتى أن النجم الفرنسي من أصول جزائرية هدّد علانية بعدم اللعب لفرنسا في حال صعد جون ماري لوبان للرئاسة في انتخابات 2002 التي وصل فيها السياسي المتطرف للدور الثاني في مواجهة جاك شيراك.