"جيل زاد" في الجزائر... من الوظيفة إلى الريادة الرقمية.. اقتصاد يولد من رحم الإنترنت
11 أكتوبر 2025
يتشكّل في الجزائر، جيل جديد لا ينتظر دوره في طوابير الوظيفة العمومية، بل يصنع لنفسه مكانًا في اقتصاد رقمي غير تقليدي. إنهم شباب نشأوا في كنف الإنترنت، وتربوا على ثقافة الإنجاز السريع والحرية في اختيار المسار.
يُعيد "جيل زاد" في الجزائر تعريف النجاح من خلال اقتصاد رقمي حرّ يتجاوز الوظيفة التقليدية ويصطدم بتحديات التشريع والاعتراف
بين العمل الحُرّ، العملات الرقمية، وصناعة المحتوى، يخطو "جيل زاد" خطوات واثقة خارج الأطر الكلاسيكية نحو اقتصاد موازي يُبنى بالشغف والمهارة. فهل تكون الدولة والمؤسسات على قدر هذا التحول الجذري؟
جيل زاد.. شباب خارج الأطر التقليدية
جيل "زاد" أو جيل ما بعد الإنترنت، هم من مواليد (1995 و2010) أبناء الهواتف الذكية والعوالم الرقمية المفتوحة، يفكرون بسرعة، يملون من الانتظار، ويبحثون عن حرية الإنجاز أكثر من استقرار الوظيفة، بالنسبة إليهم، النجاح لا يعني عقد عمل دائما، بل فكرة تثمر أو مشروع يحقق ذاتهم ويمنحهم الحرية.
في مقهى صغير بوسط الجزائر العاصمة، يجلس وليد، (23 عاماً)، يضع سماعاته على أذنيه، يحمل حاسوبه المحمول، ويتنقل بثقة بين منصات "فريلانسر" و"بينانس" و"تيكتوك"، لا ينتظر استدعاء من الوظيف العمومي، ولا يبحث عن مكتب أو مدير، فمكتبه حقيبته، وسوقه الإنترنت، وزبائنه من قارات ثلاث.
وليد (شاب يعمل في الفريلانس والعملات الرقمية) لـ" الترا جزائر": لا أعرف الراتب الشهري، أعرف فقط كم ربحت اليوم، وأنا أتحكم في وقتي ومشروعي، وهذا هو النجاح الحقيقي
يُعيد جيل "زاد" في الجزائر تعريف النجاح من خلال اقتصاد رقمي حر يتجاوز الوظيفة التقليدية ويصطدم بتحديات التشريع والاعتراف، يقول وليد لـ"الترا جزائر" بثقة وابتسامة: "الراتب الشهري؟ لا أعرفه.. أعرف فقط كم ربحت اليوم".
لا يُعدّ هذا الشاب الاستثناء، فمثله آلاف الشباب الجزائريين الذين يصنعون لأنفسهم اقتصادا جديدا خارج الإطار الرسمي، يطلقون مشاريع "ستارت آب" صغيرة، يبيعون عبر "إنستغرام"، يجلبون العملة الصعبة من مواقع العمل الحر، ويغامرون في عالم العملات المشفرة أو "الكريبتو" رغم غياب إطار قانوني واضح.
هذا الجيل لا يطلب التأمين الاجتماعي والتصريح لدى الصناديق، كما عرفته الأجيال السابقة، بل يطلب الحرية، ولا يرى النجاح في بطاقة مهنية أو شهادة جامعية، بل في فكرة تتحول إلى ربح أو جمهور أو تأثير.
ومع اتساع هذه الموجة، بدأ يتشكل ما يمكن وصفه بـ"اقتصاد جديد داخل الاقتصاد التقليدي"، قوامه الشباب، التكنولوجيا، والخيال الاقتصادي الحر.
لكن، هذه المستجدات تجعلنا نطرح السؤال: هل السوق الجزائرية، بتشريعاتها ومؤسساتها، قادرة على احتضان هذا التغيير الجذري في نظرة الشباب إلى العمل والنجاح؟
العمل الحر والرقمنة.. هوية مغايرة لعالم الوظيفة
يشهد المجتمع الجزائري تحوّلا لافتا في السنوات الأخيرة مع بروز جيل جديد من الشباب يحمل فكرًا مختلفا ورؤية غير تقليدية للحياة والعمل.
في هذا السياق يقول رؤوف شباح، صاحب مشروع جهاز للكشف عن المخدرات وعضو جمعية الابتكار والذكاء الاصطناعي، لـ"الترا جزائر"، إنّ الجيل الجديد من الجزائريين، المعروف بجيل “زاد” ، يمثل مزيجا فريدا من الذكاء الرقمي، الطموح، والتمرد الإيجابي على الأنماط القديمة في التفكير والعمل.
وأوضح أنّ هذا الجيل الذي ولد في زمن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعرف العالم المغلق ولا البيروقراطية القديمة، بل نشأ في فضاء مفتوح يتيح له الاطلاع والمقارنة والتعبير بحرية، ما جعله أكثر وعيا بحقوقه، وأكثر جرأة في اختيار المسار المهني والمعيشي أيضا.
عضو جمعية الابتكار والذكاء الاصطناعي رؤوف شباح لـ"الترا جزائر": جيل زاد هو جيل يبتكر من الهاتف والحاسوب، يتعلم من اليوتيوب والتيكتوك أكثر مما يتعلم من المحاضرات، ويقيس النجاح بالتأثير وليس باللقب
وأضاف شباح أنّ جيل "زاد" لا ينتظر الوظيفة العمومية ولا يرى فيها الحل الأمثل للاستقرار، بخلاف ما كان عليه الحال في التسعينيات أو مطلع الألفية، حيث كانت الوظيفة حلما لكثير من الشباب، أما اليوم، فجيل "زاد" يفكر في الحرية أكثر من الأمان، وفي الإنجاز أكثر من المنصب، ويفضل بناء مشروعه الشخصي حتى وإن فشل مرة أو مرتين، على أن يقيد في وظيفة لا تحقق طموحه.
وأشار المتحدث إلى أنّ التحولات التكنولوجية والرقمية التي يشهدها العالم، إضافة إلى انتشار التعليم عن بعد والمنصات الرقمية، فتحت أمام الشباب الجزائري آفاقا واسعة للتعلم والعمل من أي مكان، مما جعلهم أكثر ميلا إلى العمل الحر والمستقل، والمهن الإبداعية الجديدة كتصميم البرمجيات، التسويق الرقمي، تحليل البيانات، الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد.
وقال شباح: "جيل زاد هو جيل يبتكر من الهاتف والحاسوب، يتعلم من اليوتيوب والتيكتوك أكثر مما يتعلم من المحاضرات، ويقيس النجاح بالتأثير وليس باللقب، هو جيل يحب البرنسة بالمعنى الجميل للكلمة، أي أن يكون مختلفا، ناجحا، وصاحب بصمة خاصة".
ويعتقد أن هذا التوجه يعكس تغيرا عميقا في الذهنية الجزائرية، إذ أصبح الشاب اليوم يبحث عن الاستقلال الفكري والمهني، ويرفض الوصاية أو التوجيه النمطي الذي كان سائدا، وهو ما يفسر زيادة الإقبال على إنشاء المؤسسات الناشئة والمشاريع الصغيرة، رغم الصعوبات الإدارية والمالية.
وشدد شباح على أن الجزائر تمتلك جيلا رقميا موهوبا ومليئا بالأفكار المستقبلية، لكنه يحتاج إلى بيئة حاضنة تواكب تفكيره السريع، وقال: "على الدولة والمؤسسات أن تفهم أن هذا الجيل لا يمكن قيادته بنفس الطرق القديمة، بل يجب دعمه بالثقة والمرونة والمساحات المفتوحة للإبداع".
وختم تصريحه قائلا: "جيل زاد ليس جيل اللامبالاة كما يصور أحيانا، بل هو جيل التحدي، الشغف، والجرأة في إعادة تعريف النجاح، فقط لو تمنح له الأدوات والفرص، سيصنع المعجزات ويقود الجزائر نحو مستقبل رقمي واعد".
الفرق بين جيل "زاد" وشباب الثمانينات
ما يحدث اليوم ليس مجرد عزوف تقليدي عن الوظيفة؛ إذ يرى الخبير الاقتصادي عثمان عثامنية أنّ ما يجري هو "تحول ثقافي واجتماعي عميق في علاقة الشباب الجزائري بالعمل والمعنى".
وأضاف أنّ جيل "زاد"، الذي ولد في عالم متصل رقميا، لا يرى نفسه في المكاتب المغلقة ولا في النظام الهرمي للوظائف العمومية أو الخاصة، بل في فضاءات الحرية والإبداع التي تتيح له التحكم في مصيره ومخرجات جهده.
كيف يصنع "جيل زاد" اقتصادًا رقمياً مستقلًا رغم غياب التشريعات؟
"جيل زاد لا يرفض العمل، بل يرفض أن يكون مجرّد دور في آلة بيروقراطية بطيئة، لقد تربى على السرعة، المرونة، والإنجاز الفوري، لذلك لم تصبح الوظيفة التقليدية طموحا يليق بإمكاناته، إنه جيل يبحث عن الاستقلال، عن معنى لما يفعل، وعن أثر يتركه في العالم، حتى وإن كان من وراء شاشة حاسوب"، يقول عثامنية.
الخبير الاقتصادي عثمان عثامنية لـ" الترا جزائر": "جيل زاد" لا يرفض الوظيفة كسلا، بل لأنه يؤمن بأن المستقبل يصنع الآن، والوظيفة التقليدية لم تعد تكفي لتحقيق طموحاته
ويشرح الخبير الاقتصادي أنّ الفارق بين جيل اليوم وأجيال الثمانينات والتسعينات يكمن في نظرتهم إلى "الأمان".
"كان الأمان بالنسبة لجيل الثمانينات وظيفة دائمة ومعاشا مضمونا، أما لدى جيل زاد فهو يرتبط بامتلاك المهارة لا المنصب، هم يدركون أن العالم يتغير بسرعة، وأن التكنولوجيا تخلق وظائف جديدة كل عام وتلغي أخرى، لذلك يركّزون على تطوير ذواتهم، لا انتظار الترقية" يضيف المتحدث.
الطموحات المهنية لهذا الجيل، حسب المتحدث "لا تختصر في المراتب أو العقود طويلة الأمد، بل تتجه نحو مشاريع صغيرة، مهن حرة، وتجارب رقمية تجمع بين المال والشغف".
وواصل قائلاً: "تجد كثيرا من الشباب الجزائريين اليوم يعملون لحسابهم عبر الإنترنت، سواء في التصميم، التسويق الرقمي، البرمجة، أو حتى في إنشاء محتوى يباع خارج الحدود، لقد أصبحوا مواطنين اقتصاديين عالميين رغم أنهم لم يغادروا مدنهم".
ويرى الخبير أن هذا التحول لا يمكن قراءته بمعزل عن الثورة التكنولوجية وتغير القيم الاجتماعية، فجيل اليوم يعيش في بيئة مفتوحة تعج بالنماذج والقصص الملهمة التي تكسر النمط التقليدي.
ويشير عثامنية إلى أن المؤسسات الجزائرية مطالبة اليوم بفهم عقلية هذا الجيل الجديد بدل محاكمته، موضحا: "جيل زاد لا يمكن قيادته بنفس الأدوات التي كانت تستخدم قبل عشرين عاما، يريد أن يشعر بالثقة والتقدير، وأن تكون بيئة العمل مرنة وملهمة، الشركات التي تفهم هذا المنطق ستكسب أفضل الطاقات، أما التي تصر على الهرمية والانغلاق فستفقدهم لصالح العالم الرقمي" .
ويختم عثامنية قائلا: "جيل زاد في الجزائر ليس جيل الرفض، بل جيل البحث عن معنى جديد للنجاح، إنه يبتعد عن الوظيفة لا كسلا، بل طموحاً. يختار طرقاً غير مألوفة لأنه يؤمن أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع. وهذا هو التحدي الحقيقي للمجتمع والاقتصاد في المرحلة المقبلة".
الكلمات المفتاحية

سعر الأورو يتجاوز 274 دينارًا .. السوق الموازية تشتعل والطلب يواصل الصعود
تجاوز سعر صرف الأورو حاجز 274 دينارًا، في رقم قياسي جديد يسلط الضوء على التحديات العميقة التي تواجه النظام المالي الوطني.

صندوق ضبط الإيرادات برصيد صفري...وضعية مالية مفاجئة أم منتظرة؟
كشف مشروع قانون المالية لسنة 2026 تآكل رصيد صندوق ضبط الإيرادات نهاية 2024 إلى مستوى شبه صفري يقدر بـ 0.01 دينار، مما يضع الحكومة في امتحان مالي صعب، وبالخصوص فيما يتعلق بالآلية التي تغطي العجز المسجل في ميزانية البلاد.

الحافلات الجديدة على الطريق.. ماذا ينتظر الجزائريون؟
مع تسليم الحافلات الجديدة في الجزائر بعد شهرين، هل ستنجح الحكومة في تحويل وعود النقل الحديث إلى واقع يومي يضمن سلامة الركاب وينعش وسائل النقل الجماعي، أم ستظل الأزمة أعمق من مجرّد تجديد المركبات؟

احتجاز سفينة فرنسية في ميناء الجزائر.. ما السبب؟
احتُجزت السفينة الفرنسية "جان نيكولي" التابعة لشركة "كورسيكا" في ميناء الجزائر منذ وصولها صباح 12 نوفمبر، وفق ما نقلته الصحيفة البحرية المتخصصة "لومارين" وتتولى مصالح الملاحة البحرية الجزائرية إجراءات الاحتفاظ بالسفينة، دون الكشف عن أسباب القرار حتى الآن.

انهيار بناية في حسين داي.. السلطات توجّه أصابع الاتهام لصاحب ترقية عقارية
وجهت مصالح ولاية الجزائر أصابع الاتهام نحو صاحب ترقية عقارية خاصة ببلدية حسين داي، بعد انهيار نصف بناية مكونة من طابق أرضي وأربعة طوابق حيث انهارت أربعة طوابق من الجزء الأيمن للبناية بشكل كامل.

وزارة الفلاحة توقف نهائيًا عمليات قتل الحيوانات الضالة في الجزائر
أعلنت وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، عن الوقف الفوري والنهائي لجميع حملات قتل الحيوانات الضالة عبر بلديات الوطن، مؤكدة أن هذا القرار يأتي في إطار صلاحياتها القانونية ومسؤوليتها المباشرة عن صحة الحيوانات ورفاهيتها، وفق التشريعات والتنظيمات المعمول بها.

أدين في عدة قضايا.. ترحيل جزائري ملاحق منذ 15 سنة في كندا وأميركا
رحّلت السلطات الكندية، مساء الخميس، الجزائري يحيى مداح إلى الجزائر بعد أن خسر آخر محاولة قانونية لمنع ترحيله، في قضية تمتد جذورها لأكثر من 15 سنة وتخللتها ملاحقات قضائية واتهامات أمنية وسياسية معقدة.

