27-مايو-2022
(الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

بعد عدة أشهر من استقرار جائحة كورونا وعودة الحياة إلى طبيعتها وفكّ قيود السفر في العالم، ظهر فيروس آخر يهدّد الصحة العالمية اسمه "جدري القرود"، ولم يستبعد خبراء انتشار هذا الفيروس في البلاد، حيث أكّد اختصاصي الأمراض المعدية إلياس أخموك، أن الجزائر ليست في منأى عن انتشار حالات جدري القرود، بعد تسجيل عشرات الحالات في عدد من دول العالم.

رئيس عمادة الأطباء: الجزائر لم تسجّل في تاريخها حالات لجدري القردة ووصوله إليها يبقى واردًا

وبحسب خبراء، ينتمي الفيروس لعائلة الجدريات التي سبق للجزائر أن عانت منها في فترة الاستعمار الفرنسي، لكن هذا النوع بالتحديد لم تعرفه البلاد من قبل، فإلى أي مدى يمكنه أن يشكل خطرًا على الصحة العامة؟

ناقوس التحذير أطلقته منظمة الصحة العالمية التي أعلنت  لغاية يوم 21 أيار/ماي 2022 وجود 92 حالة مصابة بجدري القردة و28 حالة مشتبه فيها في 12 دولة عضو فيها، وهي تتوقع زيادة حالات الإصابة كما وسعت نطاق المراقبة في البلدان التي لا يوجد فيها المرض. وأبرزت المنظمة أن العدوى تنتقل من إنسان إلى آخر عن  طريق الاتصال الجسدي الوثيق مع الحالات التي تأكدت إصابتها بهذا الفيروس.

من جانبه، قال الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأحد 22 أيار/ماي الجاري في تصريح له من قاعدة جوية في كوريا الجنوبية متجها إلى اليابان، أن "ظهور هذا الفيروس يجب أن يكون مصدر قلق للجميع وأننا نبذل جهدا كبيرا لمعرفة ما سنفعله".

لكن الرئيس الأمريكي عاد للقول بعد يوم أنه لا يتوقع أن يكون جدري القردة بنفس وتيرة انتشار "كوفيد-19"، بسبب سبق التعامل معه في الماضي، كما توجد حسبه، لقاحات للتعامل معه، في تحول لافت لتصريحاته الأولى.

ما هو جدري القرود وطرق انتشاره؟

ما نعرفه لحد الآن، وفق مذكرة لمعهد باستور الجزائر، أن أول حالة لـ''جدري القرود'' ظهرت في 7 أيار/ماي 2022، لفرد عاد من نيجيريا إلى إنجلترا، وسجلت بعدها السلطات الصحية في المملكة المتحدة تسع حالات لأشخاص لم يسافروا إلى منطقة الخطر (وسط أو غرب إفريقيا).

ويُعتقد أن مهرجان ''ماسبالوماس برايد'' للمثليين في جزر الكناري كان وراء انتشار جدري القرود في العالم، خصوصًا أن الحالات التي ثبتت إصابتها بالفيروس في كل من إيطاليا، فرنسا،  اسبانيا،  المانيا والولايات المتحدة كانت لأشخاص حضروا المهرجان.

وجدري القردة هو مرض فيروسي نادر، ينشأ في الحيوانات البرية مثل القوارض،  وينتقل من الحيوان إلى الإنسان، إذ اكتشفت أول حالة بشرية سنة 1970 لطفل يبلغ تسع سنوات من منطقة نائية في الكونغو. ورغم القضاء على المرض في سنة 1980 إلا أن حالات جدري قرود كانت تظهر في أفريقيا وخارجها. 

وسبق للمرض الظهور سنة 2003 في الولايات المتحدة الأميركية، وسنة 2005 في  السودان وعام 2009 في جمهورية الكونغو مع تسجيل حالتين وفاة وآخر ظهور له كان في جمهورية أفريقيا الوسطى في 2016، أما تسميته بجدري ''القردة''، فتعود إلى عزل الفيروس في محمية قردة كانت تحت التجارب في الدانمارك سنة 1958.

ووفق معهد باستور فإن طرق العدوى من الحيوانات إلى الإنسان تكون  بالعض أو الخدش أو من خلال تناول لحوم الطرائد أو بالاتصال المباشر بسوائل الجسم أو لمس إفرازات حويصلات الطفح الجلدي أو بملامسة مواد ملوثة مثل الفراش الملوث. أما عن انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، فتحدث في المقام الأول من خلال قطرات تنفسية، بعد اتصال طويل وجهًا لوجه لأنها لا تستطيع أن تبقى مدة طويلة في الهواء. هناك أساليب أخرى للانتقال من إنسان إلى إنسان كالاتصال المباشر بسوائل الجسم والاتصال غير المباشر، على سبيل المثال من خلال الملابس الملوثة.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن فترة حضانة الفيروس تتراوح من 5 الى 21 يوم وتنقسم الى فترتين: فترة الغزو تتميز بالحمى والصداع والوهن الشديد وتضخم الغدد اللمفاوية التى تعتبر علامة مميزة لجدري القردة عن جدري الإنسان، وفترة ظهور الطفح الجلدي الذي يبدأ بالوجه عادة ثم ينتقل إلى كامل الجسم.

الصحة في الجزائر

رغم المخاطر المحدقة من انتشار هذا المرض في البلاد، يقول  بقاط بركاني رئيس عمادة الأطباء في تصريح لـ"الترا جزائر"، إنه لا يجب تضخيم الأمر بالنسبة لجدري القردة لأن هذا المرض ليس قاتلًا، وهو معروف بتأثير جغرافي محدود، ووفق بركاني فإنّ "طرق العدوى معروفة سواءً تلك بين الحيوان والإنسان أو بين البشر وأضاف أن الخطورة  تكمن في الندوب التي يخلفها على وجه الإنسان".

ويؤكّد رئيس عمادة الأطباء على وجوب اليقظة خصوصًا بعد فتح الأجواء والحدود ومع اقتراب موسم الحج والعمرة اللذان يعرفان تجمعا للأشخاص من جميع أنحاء العالم  وهذا ما يزيد من سرعة انتشار الفيروس.

وذكر المتحدث أن الجزائر جاهزة لمحاربة هذا الفيروس لأنه مرض بأعراض سريرية معروفة، ولا يحتاج اختبارات مثلما تطلبه الأمر مع فيروس كورونا.

يعتمد تشخيص المرض على فحص بسيط يقوم أساسًا على معاينة تضخم الغدد اللمفاوية وإجراء فحص مخبري لتأكيد وجود الفيروس في الحويصلات، كما يمكن للطبيب ملاحظة أعراض المرة الظاهرة التي تتمثل في طفح جلدي يغطي أجزاء واسعة من الجسم، يضيف بقاط.

وأوضح محمد ملهاق الخبير في علم الفيروسات في تصريح لـ ''الترا جزائر"، أن هذا النوع من الجدريات لم يسبق له أن سُجّل في الجزائر، مشيرا إلى أن أجاددنا خلال فترة الاستعمار الفرنسي عرفوا الجدري البشري وليس جدري القردة الذي موطنه في الغالب وسط وغرب أفريقيا.

وبخصوص العلاج، أكد ملهاق أن المرض يشفى تلقائيًا ولا يحتاج إلى علاج خاص من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع يستحسن فيها عزل المريض، وأبرز الخبير أن الجزائر لديها الإمكانيات والوسائل والتجربة لكي تتصدى لهذا النوع من الأوبئة والأمراض، بوجود الوكالة الوطنية للأمن الصحّي وسلطات صحية متعودة على تسيير الأزمات في وقت الأوبئة خاصة بعد تجربتها مع "كوفيد-19".

ووفق المختص في علم الفيروسات، فإن جدري القردة لا يمكن له أن يتحول إلى جائحة مثل كورونا، لأنه ليس سريع الانتشار مثلها، فهو ينتقل بالتلامس المباشر الوثيق.

مختص في علم الفيروسات:  جدري القردة لا يمكن له أن يتحول إلى جائحة مثل كورونا، لأنه ليس سريع الانتشار مثلها

وللوقاية من فيروس جدري القردة،  يؤكّد المختصون في الأمراض المعدية، أنه يجب تجنب ملامسة الحيوانات التي يمكن أن تحمل الفيروس وتجنب ملامسة أي أدوات لامسها حيوان مريض، بالإضافة إلى عزل المرضى المصابين بالفيروس عن الأشخاص الآخرين المعرضين لخطر الإصابة لمدة ثلاث أسابيع على الأقل واستخدام أدوات الوقاية الشخصية مثل الكمامات والقفازات عند رعاية المرضى، وغسل اليدين بالماء والصابون أو استخدام معقم اليدين المعتمد على الكحول.