30-أبريل-2021

رئيس الجمهورية قام بحل البرلمان وأعلن انتخابات مسبقة (فاروق باتيش/Getty)

"لم يدقّ أحد باب بيتي ليطلُب خدماتي، فما الذي ينقصني حتى أصبح نائبا في البرلمان؟" هي دُعابة سياسية مغلّفة بالتفاصيل الاجتماعية العميقة كتبها الأستاذ الباحث في علم الاجتماع من جامعة سطيف البروفيسور عبد الرزاق أمقران على حسابه الفيسبوكي، طرح فيها تساؤلًا جوهريًا، ثم راح يُعدِّدُ مختلف الصّفات التي يملكها مما تُخوِّل له الترشّح والفوز بعضوية المجلس الوطني الشعبي.

أسالت التغييرات التي أحدثتها السلطة في قانون الانتخابات لعاب كثيرين لخوض غمار المنافسة التشريعية

لماذا لم يترشّح البروفيسور للانتخابات التشريعية؟  لماذا لم تغره الشروط ولا الظروف المتاحة أمام قامة من قامات الجزائر، خاصّة أنه أستاذ تعلّم على يدِه العشرات بل المئات من طلبة العلوم الاجتماعية والانسانية في الجزائر، سؤال يحتمل وجهان لعملة واحدة، ويفتح الباب لعدة أوجه وزوايا نظر. 

اقرأ/ي أيضًا: التشريعيات في الجزائر.. موعِد الهجرة من الجامعة إلى البرلمان

 

من الطّرافة أن تتّصف الوجوه التي قرّرت الترشّح للبرلمان المنتظر تشكيله عقب انتخابات 12 حزيران/جوان المقبل، حسب البروفيسور أمقران: بـ "خِفّة الظِلّ مع رجاحة العقل، إضافة إلى الشهادة الجامعية العليا في مرتبة البروفيسور مع شبكة علائقية انتقاها بحذر، علاوة على أهمية الانحياز إلى صفّ الضعفاء من "الغلابى والزوالية"، كما قال، إذ يستهدف السير إلى طريق المؤسسة التشريعية التضحية لأجلهم. 

ليس هذا فقط، ما يجب أن يتوفّر في شخص نائب الشّعب، فمن منظور الأستاذ أمقران أن المترشح للبرلمان ليس بالضرورة أن يمتلِك المال فهو مسلّح بالكفاءة العلمية العليا، كما تعهد بالانتصار لنفسِه، إذ قال إنه "لا يقحم نفسه في التحالفات المشبوهة التي تعلي من مقام هذا وتمرّغ في الوحل سمعة هذا"، وهي من صفات البطولة السياسية ولكنها ليست لعبة السياسة.

البطولة السياسية 

وقد لاحت من وراء هذه الدّعابة السياسية، العديد من التساؤلات حاولت "الترا جزائر" طرحها على عدد من المتقدّمين للترشح للانتخابات التشريعية، سواء من الأحزاب أو المنخرطين في أحزاب سياسية تنشط في الساحة، أهم هذه الأسئلة:" لماذا ترشحت؟ 

أسالت التغييرات التي أحدثتها السلطة بإحداث قطيعة من المنظومة القديمة، لعاب كثيرين لخوض غمار المنافسة التشريعية، إذ سمحت الظروف السياسية الجديدة حسب المرشح عن قائمة حزب "جبهة المستقبل" لولاية البويرة، الصحفي حمزة جقبوب، "الدخول لهذا المعترك" كمال قال، لافتا في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الخطوات التي أقدمت عليها السلطة برجالها وبشبابها بإطاراتها، تسمح لتجريب العملية السياسية والانتخابية من بوابة التقدم لتمثل الشعب. 

وأضاف قائلا:" نحن كشباب أردنا أن تكون لنا بصمة بعدما أحسسنا أن هناك نية في العمل وأردنا أيضا قطع الطريق من أمام من هم ليسوا بأهل لتمثيل الشعب".

وعكس الكثير من الكفاءات الجزائرية التي قررت خوض التجربة الانتخابية بقوائم حرة، اختار الصحفي جقبوب الدخول في قائمة حزب "جبهة المستقبل"، وهو حسب رأيه حزب " نظيف مقارنة بأقرانه من الأحزاب التي كانت تنشط في الساحة لسنوات طويلة، مشددا على أنه يستهدف تكريس "الإرادة والحماس الايجابي للشباب في الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري".

تجربة للكفاءات   

قانون الانتخابات الجديد أسهم في تكسير حاجز العزوف عن الترشح لسباق البرلمان، حيث يتوفّر على حد أدنى من  ضمان تكافؤ الفرص بين المترشحين بإلغاء رأس القائمة، و إقصاء النواب الذين انتخبوا لعهدتين، كما أنه يضمن المناصفة للمرأة  والشباب في القوائم ويفرض تواجد الجامعيين بنسبة لا تقلّ عن الثلث، مثلما قالت المرشحة المستقلة الأستاذة في علم النفس بجامعة بوزريعة بالعاصمة والصحافية بالإذاعة الوطنية فتيحة خومس، إذ أكدت في تصريح لـ"الترا جزائر" أن تشريعيات 12 حزيران/جوان هي "فرصة حقيقية للراغبين في إحداث التغيير وتحسين أداء المؤسسة التشريعية  من قبل الكفاءات الوطنية في كل المجالات، وهي الفئة التي كان يتم إقصاؤها في الانتخابات السابقة تحت ضغط أصحاب الشكارة و ذوي النفوذ".

واختارت المترشحة القائمة الحرة "الحصن المتين" نظرًا لـ "المشروع الوطني الجامع الذي يحمله هذا التجمع وبروزه كقوة حقيقية من حيث الهيكلة والانتشار عبر كل الوطن في ظرف قياسي لاعتماده على عنصر الكفاءة دون غيرها في شروط الانخراط".

أما عن عدم الانخراط في أحزاب سياسية مهيكلة، فردت الأستاذة خومس أن آداء هذه الأخيرة وممارساتها خلال كل السنوات الماضية كفيل بالنفور منها، إذ فقدت كل مصداقيتها، والأمر يتعلق هنا بأحزاب الموالاة والمعارضة على حد سواء، على حدّ تعبيرها

تطلعات التغيير

وذهب الأستاذ بلال لحول في نفس الطرح المتعلق بقانون الانتخابات الذي كان بالنسبة له " حافزا مهما له لما "تضمّنه من قطع للطريق أمام الانتهازيين والمال الفاسد ومنح الفرصة للشباب والكفاءات من أجل تبوأ المناصب السياسية وبالتالي المساهمة في صنع القرار في أعلى هرم السلطة إلى جانب نظام القائمة المفتوحة لوضع حد لما يعرف سياسيًا ولدى العامة بالشكارة من شراء وبيع لرؤوس القوائم".

وعبر في تصريح لـ "الترا جزائر" عن تمسكه بالأمل في التغيير، رغم كلّ المثبطات التي تحيط بالظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، إذ اتخذ قرار الترشح في قائمة حرة وُسِمت بـ"صناع الأمل والمستقبل"، تضمّ إطارات شابة بمستوى تعليمي جامعي ذوو سمعة طيبة وماض نظيف، على حدّ قوله.

وتبتغي هذه القائمة بولاية تيبازة، "تمثيل الشعب والعمل على حل قضايا المواطنين ومشاكلهم ونقل همومهم الى السلطة الحاكمة بكل عقلانية والانشغال بالقضايا الرئيسية للأمة وبذل الجهد للدفاع عنها، وتحمّل المسؤولية في التعبير عن انشغالات الشعب والانحياز لمصالحه وكذا متابعة العمل الحكومي ومساءلة اعضاء الحكومة ومدارسة مشاريع ومقترحات القوانين وتقديم التعديلات عليها وتقديم مقترحات القوانين".

إتمام مسار

إقدام البعض على الترشّح للانتخابات البرلمانية هو استكمال لمسار نضالي، بحسب تصريحات البعض، إذ يرى المرشح عن حركة مجتمع السلم بولاية البويرة، سعيد يحياوي أن الانتخابات القادمة هي خطوة في طريق العودة إلى الشرعية الكاملة.

وأضاف يحياوي في تصريح لـ" لترا جزائر" أن الحركة عرضت عليه الترشح لأنه مناضل في صفوها منذ الصغر، لافتا إلى أن التغيير لا يمكن أن يتمّ إلا عن طريق الانتخابات، كما أن قوة التغيير تكون بالالتفاف حول حزب يمتلك برنامجا حقيقيا لتحقيق النهضة، كما قال. 

وواصل في هذا السياق أن انتظار توفر كل شروط النزاهة يؤخر التغيير من وجهة نظره، مضيفًا أن من يكون مهيكل في أطر حزبية يعني أنه ّ" مدرب على الفعل السياسي وتراكم تجارب الحزب في شخص المترشح أيضا، والانتصار معها هو انتصار جماعي وليس شخصي".

أرقام المتقدّمين للترشّح في الانتخابات التّشريعية المُقبِلة تُظهِر أن امتيازات الدخول للبرلمان أغرت الكثيرين للتطلع للفوز بمقعد نيابي

من الواضح جدًّا أن أرقام المتقدّمين للترشّح في الانتخابات التّشريعية المُقبِلة، تُظهِر أن امتيازات الدخول للبرلمان أغرت الكثيرين للتطلع للفوز بمقعد نيابي، وتمكّنت من استقطاب الكفاءات والكوادر الجزائرية للترشّح وخوص التجربة السياسية، خصوصًا عقب تعديل قانون الانتخابات وفتح الفضاء الانتخابي لترشّح الشباب وإحداث القطيعة مع الممارسات السياسية السابقة وإبعاد المال عن الفعل السياسي. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي