15-سبتمبر-2022

احتجاجات أمام مبنى التلفزيون العمومي (صورة أرشيفية/ رياض قرامدي/أ.ف.ب)

تعود مسألة الحريات في الإعلام الجزائري للواجهة مع تجدد اعتقالات الصحفيين، إذ يتردّد النِّقاش بين المهنيين في القطاع حول مدى توفر مناخ يتيح للصحفي تأدية مهامه المهنية بكامل واجِباته وحُقُوقه، وهو نقاش لابدّ منه خصوصًا في الظّرف الراهن عقب قضية الحبس لتي تعرض لها أحد الصحفيين بسبب مقال حول توقيف تصدير التمور الجزائرية إلى الخارج لأسباب تتعلق حسب ما جاء في التقرير لمشكلة في استخدام المواد الكيميائية في الزراعة.

الدستور الجزائري يمنح العقوبات السّالبة للحرية للصحافيين ومعناه أن الصحافي لا يدخل السجن لأسباب مهنية مهما كان حجم الخطأ

القضية التي أثارت الرأي العام في الجزائر حول مسألة حبس الصحفي، لفتت إلى أسئلة جوهرية مفادها على أي أساس استند القضاء لحبس بلقاسم حوام، خاصّة وأن الدستور الجزائري يمنح العقوبات السّالبة للحرية، والمنع والمصادرة، ومعناه أن الصحافي لا يدخل السجن لأسباب مهنية مهما كان حجم الخطأ.

وهنا يمكن الحديث عن تجاوزات خطيرة في استغلال السلطة القانونية لعدم تنفيذ القانون أو أحد أعمدة الدستور الجزائري، دون الاكتفاء بحقّ الردّ المكفول قانونًا، وفي مقابل ذلك هل يمكن محاسبة الصحف على نقل معلومة في ظلّ حالة الغلق التي تستعملها المؤسسات والدوائر الوزارية على الإعلام إلا البيانات الرّسمية؟

وجب التذكير، بأن وزارة التجارة وترقية الصادرات نفت أن تكون الجزائر قد أوقفت تصدير التمور الجزائرية إلى الخارج، كما رأت أن "هذه الأخبار تؤدي إلى المساس بالاقتصاد الوطني والثّروة التي تزخر بها بلادنا، خاصة أن جودة التمور الجزائرية مطلوبة على كل المستويات الدولية".

أما وزارة الفلاحة بدورها قدّمت روايتها الرّسمية حول الموضوع مشدِّدة على أن المبيدات المستخدمة لمكافحة الآفات الزراعية في واحات النخيل خلال مراحل إنتاج التمور "مصادق عليها وتزول من المنتج بالتحلل، وهي مسجلة في سجل مواد الصحة النباتية ذات الاستعمال الفلاحي المعتمدة من طرف اللجنة الوطنية للتصديق المتعددة القطاعات".

وأضافت أن الجزائر عضو في الاتفاقية الدولية للصحة النباتية، ولم تتلق أي إبلاغ أو إشعار رسمي من طرف الممثلين الرسميين للصحة النباتية للدول المستوردة يرفض تمورنا لسبب متعلق بالصحة النباتية، وهو ما يؤكد أنّ التمور لم تعرف أي إشكال للدخول إلى الأسواق الخارجية".

حَلَقَة مُفرغة

تعيد مسألة سلب الحرية للصحفي المنافية للدستور الحديث عن المزج بين الحرية والمهنية، إذ تتطلب الأولى قوانين تحمي الصحافيين من التّقييد أو التّضييق على المعلومة، أو ما يطلق عليه إعلاميًا بـ"حقّ النّفاذ إلى المعلومة"، وحرية الصحافيين في تزويد الجمهور بالمعلومات في إطار الخدمة العمومية.

يتحدث البعض من المهنيين وخبراء الإعلام من مختلف الجامعات الجزائرية عن البيئة الإعلامية ومناخ الحريات، إذ اعتبر بعضهم أن الحريات تراجعت كثيرًا رغم وجود التشريعات والقوانين التي تحمي هذه الحريات بينما في الممارسة فهي مقيدة.

وقال أستاذ الإعلام بجامعة وهران السعيد بونويرة أن المسألة الأكثر تعقيدًا في الإعلام في الجزائر هي المفارقات بين القوانين الداعمة للحرّيات والقيود المفروضة على طرق الحصول على المعلومة، ناهيك عن المعلومة الرسمية التي باتت هي " الخبر الأهم"، في غياب صحافة التحري والتحقيق والبيانات أيضًا.

وشدد بونويرة في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن تكييف القوانين مع الواقع بات صعبًا في مثل هذه الظروف، خصوصًا وأننا نخرج من سياق حركي تفاعلي بعد الحراك الشّعبي وارتفاع منسوب الشّائعات على حساب المعلومة الموثوقة والأخبار المغلوطة أو المضلِّلة دون المصادر الموثوقة".

وفي المضمار تحدث أستاذ الإعلام عن الصعوبات التي يجدها الصحافي عمومًا في الوصول إلى المعلومة أمام حالة "الليونة الشبكة العنكبوتية"، وبروز "الصحافة الاجتماعية أو الصحافة الإلكترونية التي باتت وسائل التواصل الاجتماعي توفرها على حساب المصداقية".

في طرح آخر، تعتبر ثنائية الحرية والمهنية أو ما يعرف بـ" القواعد المهنية" أو " المعايير المهنية" مهمة جدًا، إذ يستوجب على الصحافيين الاقتداء بها أو وضعها كخطّ فاصل بين حرية نقل وسرد معلومة في إطار السبق الصحافي والتحقيق والتحري من أجل أخلاقيات تستوجبها المهنة.

وتعتقد الإعلامية حسينة بو الشيخ أن هناك ما يشبه عمليات تمييع تخصص الإعلام والاتصال على مستوى الكليات بالجامعات الجزائرية، إذ أهملت الجامعة الاهتمام بمستوى الطلبة، على حسب قولها، معلنة عن فشل المهنة لما أسمته جيل جديد من نوع من الصحافيين تصدروا المشهد العام.

وقالت بو الشيخ التي تشتغل منصب أستاذة جامعية بكلية الإعلام والاتصال بجامعة عنابة شرق الجزائر، إن ظهور الصحافيين في المواقع الإلكترونية بـ"مواضيع تافهة وبلغة رديئة"، دون أن يعرف هؤلاء الصحفيون حقوقهم وواجباتهم ومعنى حرية الإعلام والرأي والنقد ووظائف الصحافة عمومًا، بل يعتقدون أن الصحافة قول ما جاء في البيانات الرسمية دون تحري.

 وفي هذا السياق، فإن مناخ حرية الإعلام يستقيم عند المزج بين الحرية والمهنية فالبيئة الداعمة للحرية في الممارسة المهنية تتطلب الاهتمام بمبادئ وقواعد مهنية تحترم حرية الآخر، وحقّ الجمهور في المعلومة أيضًا.

ويرى الأمين العام لنقابة ناشري الإعلام الجزائرية، الصحفي رياض هويلي بأن مستوى الإعلام عموما مرتبط بمنظومة متكاملة العناصر، أولها التكوين الأكاديمي، وثانيها آليات تأطير المهنة وقوانين تجنب ممارسيها الانحراف والسقوط في المحظور، لافتا في تصريح لـ "الترا جزائر" مهنة الصحافة ليست ولن تكون جريمة، ولا بدّ الاحتكام للقانون   وللدستور إذ لا توجد مادة تفيد بجنحة سالبة للحرية".

تقلّص مساحة الحرية

في غياب المعلومة، وغياب طرح الأسئلة الكبرى في وسائل الإعلام، وفتح نوافذ الإعلام بمختلف محامله الورقية التلفزيونية والإذاعية والإلكترونية، أمام القضايا التي تهمّ المواطن بالدرجة الأولى وتُساءِل المسؤول بالدرجة نفسها وتنتظر الإجابات التي من شأنها أن تنير الرأي العام.

ويفيد الصحافي الهادي بن حملة، إلى أن الإعلام برمته يشهد ما أسماه بــ "التضييق" على العمل الصحفي على خلفية حبس الصحفي بلقاسم حوام وتوقيف نشر جريدة "الشروق اليومي"، داعيًا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التدخل.

وأضاف بن حملة الذي يشغل منصب رئيس تحرير في قناة" الشروق نيوز" المحلية، بأن "ما يحدث اليوم محاولات إلغاء الرأي الآخر وتغييب صحافة الانتقاد وتسيير قاعات التحرير وفق التوجه الأحادي" وذلك "ما يثير قلقًا كبيرًا لتكميم أفواه الصحافيين".

التضييق على الصحفيين في الجزائر ترك انطباعًا بأن المؤسسات الإعلامية أصبحت أداة من أدوات السلطة 

تشهد الجزائر حالة تقلص الحريات الإعلامية منذ الحراك الشعبي في الـ22 شباط/ فبراير 2019، وهذا ما يؤشر عليه نوع من الغلق الإعلامي المهني من جهة، وترك انطباع  يرسم صورة واحدة للإعلام بأنه بات أداة من أدوات السلطة، ما أثّر على ممارسة المهنة، ومن مساحات الاجتهاد لتقديم مادة إعلامية دسِمة من شأنِها أن تهتم بشُؤُون المتلقّي وتجذبه، وتحدث تفاعلًا دائمًا بين المؤسسة الرسمية والمؤسسات العمومية والمواطن في إطار الخدمة العمومية.