حبل سرّي.. من قال إنّ الأمومة تبدأ من الرّحم؟
20 يونيو 2025
في كل بيت طفلٌ ينام ويصحو ويمشي ويدرس ويلعب، هناك من يسهر عليه؛ لكن من قال إنّ هذه المسؤولية يجب أن تكون مُرتبطة بحبلٍ سرّي؟
خلاصة بعض التجارب: الأمومة ليست دومًا قدرًا بيولوجيًا، بل في كثير من الأحيان قرارًا إنسانيًا
على ضوء التجربة؛ وبعيدًا عن القوالب البيولوجية الضيّقة تُطرح عدة أسئلة بعضها يهزّ أعماق المفاهيم التقليدية: هل الأمومة تبدأ بالرّحم؟ هل تُختزل الأمومة فقط في القُدرة على الإنجاب؟ من قال إن الأمومة تبدأ بالرّحم؟
التجربة لا الجينات
يُواجه ربع الأزواج تقريبًا (25%) في الجزائر؛ مشكلة العقم ونقص الخُصوبة، ما يُسلّط الضوء على تحديات صحية واجتماعية كبيرة.
لكن الأمومة ليست مجرّد ميلاد أطفال، بل هي قصة حب ورعاية وتضحيات تتجاوز الرّحم، كما يؤكد مثل شعبي معروف في المخيال الاجتماعي: "الأم اللي ربّت مش اللي ولدت."
يجيب بعض الأزواج بالكثير من التأمل والوعي، إذ تحمل الإجابات تحدّيًا لفكرة متجذّرة في المجتمع؛ تلك التي تحصر الأمومة في الإنجاب البيولوجي وتختزلها في وظيفة جسدية لا غير.
لكن ماذا عن النساء اللواتي قدّمن الحنان والرعاية والتربية دون أن يحملن يومًا جنينًا في أحشائهن؟ ماذا عن الأمهات اللواتي صنعتهن التجربة، لا الجينات؟
لا تزال النظرة التقليدية تهيمن على المفاهيم الاجتماعية في هذه المسألة، إذ تعيش كثيرات على هامش الاعتراف، فقط لأن أرحامهن لم تُنجب. ومع ذلك، فإن قصصًا إنسانية مؤثرة تُعيد تعريف الأمومة بشكل يتجاوز المفهوم البيولوجي، ليصل إلى عمق العاطفة والمسؤولية.
تُعطي الأرقام حتى وإن كانت تقريبية؛ زاوية من زوايا الحقيقة، لكن التجارب الإنسانية وحدها من تفسح المجال للقول إنّ الأمومة ليست دومًا قدرًا بيولوجيًا، بل في كثير من الأحيان قرارًا إنسانيًا.
تجربة الأمومة خارج نطاق الإنجاب البيولوجي
أكثر من سبعة عقود من العيش في منطقة "عزابة لطفي" بولاية ميلة، على بعد 490 كلم من الجزائر العاصمة، تبدأ قصة امرأة تُسمى "الحاجة" أو "ابنة جبال الأوراس".
"الأم اللي ربّات مش اللي ولدت".. مثل شعبي جزائري يعكس وعيًا مجتمعيًا متجذرًا بعمق الأمومة غير البيولوجية
هاجرت هذه المرأة في عمر السابعة عشر إلى هذه المنطقة، لتبدأ رحلة حياة استمرت أكثر من سبعين عامًا في بيت عائلة لم تُرزق فيه بأولادها.
عاشت "الحاجة" في مجتمع ذي طابع ذكوري يضع جميع المسؤوليات والأعباء على عاتق المرأة في حال عدم إنجابها، بالرغم من أنّ الكثيرون، تصريحات رجال أكدوا لـ" الترا جزائر" أنّ هذه الذهنية تغيرت، إلا أنّ سهام "التُّهمة" توجه للمؤنث أي المرأة.
تروي الحاجة لـ"الترا جزائر" كيف كانت تمثل دور الأم وهي تحمل دمية كطفلة، تحنو عليها وتلاعبها، لكنها في المقابل تعاني من نظرات المجتمع التي تصفها بأنها "عاقر"، الأمر الذي كان يؤلمها كثيرًا.
رغم كل ذلك، لم تستسلم، فقد توفيت أختها الكبرى وتركت ولدين، فتولت الحاجة رعايتهما وتربيتهما، محققةً بذلك معنى الأمومة الحقيقي الذي يتجاوز الرحم.
الأمومة..علاقة إنسانية
تؤكد المختصة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة نزيهة آيت حمي، في حديثها لـ"الترا جزائر" أنّ الأمومة ليست وظيفة بيولوجية فقط، بل هي علاقة إنسانية تتشكل عبر تفاصيل الحياة اليومية، من دعم ورعاية وحنان.
كما تقول الدكتورة لـ" الترا جزائر": "هناك علاقة أكبر من الإنجاب عنوانها الاهتمام والانسجام والرعاية، قد تكون في بعض الأحيان أهم من الرابط البيولوجي."
وتُضيف أنّ هذا الفهم الموسع للأمومة مهم في مجتمع مثل الجزائر، حيث لا تزال النظرة التقليدية تجعل من الإنجاب معيارًا وحيدًا لاعتبار المرأة أمًا، ما يحرم الكثيرات من الاعتراف بهنّ كأمهات بحق.
الرحم ليس وحده من يُنجب
يعاني نحو 25% من الأزواج في الجزائر من مشاكل العقم ونقص الخصوبة، وفق تقديرات طبية غير رسمية، بسبب وجود حالات غير مصرح بها أو مرفوضة للعلاج.
هذه الأرقام التي تكشف عن ظاهرة صحية واجتماعية عميقة، تفتح الباب واسعًا للنقاش حول مفهوم الأمومة الذي كثيرًا ما يُختزل في القدرة البيولوجية على الإنجاب، متجاهلين الجانب الإنساني الذي يحمل في طياته الحب والرعاية والتضحيات.
العقم في الجزائر.. تحديات
تُشير تقديرات طبية إلى أنّ نسبة العقم ونقص الخصوبة بين الأزواج في الجزائر تصل إلى 25%، وهو معدل مرتفع نسبيًا مقارنة ببعض البلدان.
نسبة النجاح في علاج العقم تصل إلى 35%، لكن الأرقام غير رسمية بسبب رفض بعض الأزواج للفحص وعدم التصريح بالحالات
ومع ذلك، يُحذر الأطباء من أنّ هذه الأرقام ليست رسمية ولا تعكس الواقع بدقة بسبب وجود العديد من الحالات التي ترفض التقدم للفحص أو العلاج، فضلًا عن حالات غير معلنة، مما يجعل من الصعب تحديد مدى انتشار الظاهرة بدقة.
المُختصة في أمراض النساء والتوليد الدكتورة آسيا عبود، تؤكد أنّ العقم وحالات بطانة الرحم المهاجرة هما من أكبر التحديات الصحية التي تواجه المرأة الجزائرية اليوم.
كما أوضحت في إفادتها لـ" الترا جزائر" أنّ هذه الحالات في تزايد مستمر وتحتاج إلى تكفل طبي مبكر.
بحسب تصريحات خبراء؛ شهدت الجزائر خلال العقدين الأخيرين ارتفاعًا ملحوظًا في حالات العقم، ليس فقط بين النساء بل أصبح يشمل الرجال بنسب متزايدة.
العلاج والتقنيات الحديثة
على الرغم من التحديات، شهد قطاع الصحة الإنجابية في الجزائر تقدمًا كبيرًا في مجال تشخيص وعلاج العقم.
المختصة في علم النفس الاجتماعي، الدكتورة نزيهة آيت حمي لـ" الترا جزائر": هناك علاقة أكبر من الإنجاب، عنوانها الاهتمام والانسجام والرعاية، قد تكون في بعض الأحيان أهم من الرابط البيولوجي
ووفق ما أشار إليه الأطباء، تمكّن الطب الحديث من تطوير علاجات ناجحة تتيح استعادة القدرة على الإنجاب لدى ما يقارب 35% من الحالات التي تلقت المتابعة الطبية.
يشرح أطباء متخصصون كيف ساعدت التقنيات الحديثة مثل التلقيح الاصطناعي والحقن المجهري في تحسين فرص الإنجاب، مشيرين إلى أن نسب النجاح تختلف بين الحالات وتتراوح بين 30 و100% حسب الظروف الصحية لكل زوجين.
اللافت في الجزائر توسّع مراكز علاج العقم في الجزائر، حيث انتقل القطاع الخاص ليكمّل الدور الذي يقوم به القطاع العام (مراكز استشفائية في علاج العقم مدعومة من قبل الحكومة)، ما وفّر فرصًا أكبر للعلاج والدعم الطبي، وأدى إلى رفع كفاءة الخدمات المقدمة.
الأمومة ليست حكراً على الأمهات البيولوجيات
تؤكد التجارب الطبية الحديثة أنّ العلاج والتقدم متاحان، وأن الأمل لا يزال قائمًا، إذ يواجه الكثيرون في الجزائر تحديات الخصوبة والعقم.
المختصة في أمراض النساء والتوليد الدكتورة آسيا عبود لـ" الترا جزائر": العقم وحالات بطانة الرحم المهاجرة هما من أكبر التحديات الصحية التي تواجه المرأة
لكن في مقابل ذلك؛ تعكس العديد من القصص واقعًا إنسانيًا عميقًا يحث على إعادة النظر في مفهوم الأمومة.
لا يزال المجتمع الجزائري يحمِل الكثير من الصور النمطية المرتبطة بالإنجاب، يبقى من الضروري رفع الوعي وتغيير النظرة المجتمعية لتشمل كل من يقدم الدعم والرعاية للأطفال، حتى وإن لم يكن قد أنجبهم بيولوجيًا.
"..الرحم ليس وحده من يُنجب"، وهذه الحقيقة يجب أن تظل راسخة في وعي المجتمع، لتمنح كل امرأة كل رجل حقهم في الاعتراف والاحترام، بعيدًا عن الأحكام المسبقة والوصم الاجتماعي.
الكلمات المفتاحية

رفع سنوات تكوين الأساتذة..تحسين للمستوى أم تمطيط بلا جدوى؟
أثار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رفع مدة التكوين بالمدارس العليا للأساتذة التي يتخرج منها رجال التدريس في الأطوار التعليمية الثلاثة جدلًا وسط المتابعين للشأن التربوي، بين من رأى في ذلك تمطيطًا لا فائدة منه كون مشكل ضعف مستوى المتخرجين لا علاقة له بمدة التكوين، وبين من رحّب بهذا القرار الذي سيزيد من التراكم المعرفي للأساتذة قبل دخول عالم الشغل.

بعد دخوله حيّز التنفيذ.. 20 معلومة تهمّك حول القانون الجديد لمكافحة المخدرات
دخل قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية المعدّل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، حاملاً جملة من التعديلات التي تعكس توجه السلطات نحو تشديد الرقابة على تعاطي وترويج هذه المواد، في ظل ما تصفه الجهات الرسمية بتنامي التحديات المرتبطة بهذه الظاهرة.

تسعير الولادة حسب جنس المولود .. جدل يغزو مواقع التواصل ومختصون يوضحون
أثار فيديو لطبيبة نساء وتوليد تداولته مواقع التواصل الاجتماعي موجة جدل واسعة في الجزائر، بعد أن روت فيه أنها سمعت من إحدى مريضاتها عن وجود تسعيرة مختلفة للولادة في بعض العيادات الخاصة، تُحدّد حسب جنس المولود، حيث يُطلب مبلغ أعلى عند ولادة الذكور مقارنة بالإناث.

غلاء الفنادق يعيق السياحة الداخلية.. حلم العائلة الجزائرية يصطدم بحسابات الجيب
في كل صيف، ومع ارتفاع درجات الحرارة، تتحوّل المدن الساحلية الجزائرية إلى حلم جماعي يتسلل إلى مخيلة الكثير من العائلات، خاصة القاطنة في الهضاب والجنوب. لكن ما إن يبدأ التخطيط لرحلة سياحية داخلية، حتى تصطدم العائلة الجزائرية بسؤال واقعي بسيط: "هل نقدر على كلفة عطلة صيفية؟".

محمد بوضياف.. رئيس يرفض أن يرحل من ذاكرة الجزائريين
في ذكرى اغتياله الثالثة والثلاثين، لا يزال الرئيس الراحل محمد بوضياف يثير مشاعر الحنين والأسى لدى الجزائريين، الذين يتذكرونه كأحد أكثر الشخصيات السياسية التي جمعت بين التاريخ الثوري والرغبة في إصلاح الدولة.

وفاة الصحفي علي ذراع بعد صراع مع المرض
توفي مساء أمس الثلاثاء بالجزائر العاصمة الإعلامي علي ذراع عن عمر ناهز 78 سنة بعد صراع مع المرض، حسب ما أفاد به أقاربه.

طقس الجزائر: حرّ شديد ورعد وضباب
توقعت مصالح الأرصاد الجوية، اليوم الأربعاء 16 تموز/جويلية 2025، تسجيل موجة حر وتساقط أمطار رعدية معتبرة محليا على عدة ولايات من الوطن.

"الإسلاميون استحوذوا على مفاصل الدولة".. الأرسيدي يشعل مواقع التواصل وشخصيات من حمس تنتفض
أثار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) جدلاً واسعاً مجدداً في الساحة السياسية الجزائرية، بعدما أورد في لائحته الأخيرة، الصادرة عن المجلس الوطني، اتهامات مباشرة لما وصفه بـ"تيار الإسلام السياسي" بالاستحواذ على مفاصل الدولة والسعي لطمس أسس الهوية الوطنية.