19-أغسطس-2021

من قرية آيت داود بولاية تيزي وزو (تصوير: رياض قرامدي/ أ.ف.ب)

أليس غريبًا ومثيرًا ومدهشًا ومزعجًا ومبكيًا ومضحكًا ولافتًا ألّا تظهر الوزيرة الجديدة للبيئة في حكومة أيمن بن عبد الرّحمن؛ فلا نسمع لها صوتًا أو نرى لها ملمحًا، كأنّ الغابات التّي احترقت في معظم ولايات الشّمال الجزائريّ بعضها على أعتاب عاصمة البلاد، بكلّ ما ترتّب عنها من خسائر بشريّة وحيوانيّة ونباتيّة، شاهدناها في ألعاب فيديو لا في الواقع!

إنّ الحريق الأخطر من الحرائق التّي عرفها شمالنا، وقد يعرفها جنوبنا أيضًا، هو ألّا نخرج من هذه التّجربة بدروس حاسمة على مستوى التّفكير والسّلوك والتّسيير والتّخطيط البيئيّ

 على الأقلّ كانت تظهر لتقول إنّ وزارتها واضعة في بالها ضرورة بعث مخطّط وطنيّ استعجاليّ وومدروس لأحل تعويض ما يجب أن يُعوَّض من ثروات نباتيّة وحيوانيّة فقدتها البلاد، ولأجل وضع "واقٍ من الصّدمات" لبيئتنا التّي لا شكّ في كونها ستعرف اختلالات كثيرة ومخيفة ومؤثّة تمسّ الإنسان والمكان.

اقرأ/ي أيضًا: طائرة جزائرية الصنع لمجابهة حرائق الغابات

لكنّ اللّوم الكبير لا يقع عليها هي، بل يقع على من أتى بها وهو يعلم أنّ علاقتها بالبيئة صفريّة؛ فلا هي خبيرة ولا ناشطة فيها ولا دارسة لها. ربمّا العلاقة الوحيدة التّي تربطها بالبيئة هي أنها قادمة من مكان جميل بيئيًّا فيه الغابة والبحر والجبل والوادي والهضبة هو بجاية. وحتّى هذه أصبحت هي ذاتها في خبر كان بعد هذ الحرائق الأخيرة. بجاية الخضراء أصبحت رمادًا هي والولايات التّي تجاورها مثل جيجل وتيزي وزّو وسطيف. إذن بقيت لها علاقة وحيدة تربطها بالبيئة هي أنّها لا تملك علاقة بالبيئة. كانت محامية ترشّحت في بجاية. انتخبها بضعة أشخاص، في ظلّ مقاطعة شعبيّة صارخة، باسم حزب لم يعطِ أبدًا اعتبارًا للثّقافة البيئيّة، فوجدت نفسها وزيرة لقطاع خطير وحسّاس ومصيريّ.

لكن يا هل يوحد إدراك حكوميّ وشعبيّ، إذ علينا عندما نقارب المخاطر الكبرى أن نتحدّث عن مسؤوليّة الحكومة والشّعب كلتيهما، لهذه الأبعاد الخطيرة والحسّاسة والمصيريّة المتعلّقة بموضوع البيئة في بلادنا، مثلما نجده في الدّول التّي لها علاقة بالكوكب والمجرّات، إلى الدّرجة التّي أصبحت معها الثّقافة البيئيّة الموجودة في الشّارع الغربّ توصل الأحزاب الخضراء إلى برلمانات وتفرض فيها القوانين التّي يجب أن تُسنّ لصالح البيئة والمحيط والإنسان؟

هنا علينا أن نصارح أنفسنا وبعضنا بكون اهتمامنا بالثّقافة والرّهانات البيئيّة في بلادنا معدومًا. ما عدا بعض الجمعيات المدنيّة التّطوّعيّة التّي حصرت الأغلبيّة منها نشاطها في التّشجير المحدود، سواء بسبب قلّة الإمكانيات أو بسبب قلّة الوعي. أمّا على مستوى البحث العلميّ في مجال البيئة والتّخطيط لتجنّب المشاكل والاختلالات البيئيّة والتّنسيق بين مختلف المنظومات، منها المنظومة التّربويّة والثّقافيّة، لتجذير الحسّ البيئيّ لدى المواطن، فقد يكون موجودًا على مستوى الأوراق، لكنّه ليس موجودًا على مستوى الميدان.

إنّ الحريق الأخطر من الحرائق التّي عرفها شمالنا، وقد يعرفها جنوبنا أيضًا، هو ألّا نخرج من هذه التّجربة بدروس حاسمة على مستوى التّفكير والسّلوك والتّسيير والتّخطيط البيئيّ، فنشرع في تدارك ما فات، بعيدًا عن التّظاهر والإهمال والارتجال، وإلّا سنعيش الكارثة سنويًّا، مثلما حصل ويحصل لنا في مجال الفياضانات. حيث نتضرّر كلَّ خريف وشتاء، لكنّنا لم نتحرّك حتّى على مستوى تنظيف المجاري.

هل من فنّان مبدع يرسم لوحة لغابة محروقة، ثمّ ينسخها ويهدي منها نسخًا للرّئيس ووزرائه ونوابه البرلمانيين؟

هل من فنّان مبدع يرسم لوحة لغابة محروقة، ثمّ ينسخها ويهدي منها نسخًا للرّئيس ووزرائه ونوابه البرلمانيين؟ هل هم نوّابه أم نوّاب الشّعب إذ لم نلمس لهم حضورًا يذكر منذ صعودهم إلى القبّة التّشريعيّة، وولّاته ولمدراء البيئة في الولايات ومن والأهم من المسؤولين المعنيّين، ليعلّقوها في مكاتبهم؟ لأنّ الحرائق الموجودة في الواقع هي ثمرة لتقاعس هذه المكاتب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية