28-فبراير-2020

قلوب الأوريغامي التي يستخدمها النشطاء الديمقراطيون في الصين (تصوير: محمد رصفان/أ.ف.ب)

كان "الميمز" وما يزال في شكله الحالي، شكلًا من أشكال الترفيه والتسلية بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي لسنوات، وهو يعني اصطلاحًا حسب ريتشارد دوكينز الذي استحدث كلمة "ميم" لأول مرّة،  في كتابه "الجين الأناني" سنة 1974، "مفهومًا لنقاش الأسس التطوّرية في شرح انتشار الأفكار والظواهر الثقافية"، وسرعان ما تحوّل مع الوقت والظروف إلى ثقافة فرضت نفسها، وإلى سلاح قويّ يستعمل في الدعاية السياسية، خاصّة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يستغلّها السياسيون إلى الآن في حروبهم الانتخابية، وبرامجهم ومشاريعهم الموجّهة للشعب، إضافة إلى أن هذا النوع من الشعارات الساخرة، "المؤلمة والحقيقية غالبًا"، هو سلاح قويّ للنضال الإلكتروني، في مواجهة التغيرات السياسية التي أحدثتها الثورات والاحتجاجات في العالم.

يعدّ "الميم" الآن جزءًا مهمًا من الثقافة الشعبية المنتشرة بين أبناء الجيل الحالي، الذين ابتكروا لغاتهم الخاصّة للتواصل

يعدّ "الميم" الآن جزءًا مهمًا من الثقافة الشعبية المنتشرة بين أبناء الجيل الحالي، الذين ابتكروا لغاتهم الخاصّة للتواصل، التعبير عن آرائهم، وللاحتجاج والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية بطرقهم الخاصّة، التي تجاوزت زمن الكهول وأرباب السياسة.

اقرأ/ي أيضًا: حوار | أحسن خلاص: الحراك الشعبي لن يتوقّف

وحسب ما صرحت به وكالة "Box1824 "، المختصّة في التوجّهات والاستراتيجيات الثقافية، والتي تنشط في نيويورك في تقرير"GenExit"، الذي صدر سنة 2017، فإن العالم قد دخل عصرًا جديدًا أطلقت عليه تسمية "الميم ثينك"، وهو ما يعني الطريقة التي يفهم بها الناس اليوم سياق موادّ ثقافية محدّدة ضمنيًا.

الميمز في ملعب السياسة

يعتبر "الميم" في السنوات الأخيرة أيضًا، وسيلة جدّ ناجعة في رفع مستوى الدعاية في قلب الممارسات السياسية، حيث ينتهج الأسلوب الساخر الذي استطاع أن يجمع تحت جناحه شتات مختلف فئات المجتمعات في العالم، حيث يتلقّاه الناس بشكل يسيرٍ وبتقبّل كبير، عكس الآراء السياسية المعقّدة المطروحة عبر وسائل الإعلام، والتي تمنح نوعًا من التشنّج في ردود الأفعال، وعكس كلّ ذلك، تمتلك "الميمز" قدرة كبيرة على الانتشار السريع، كما أنها قادرة أيضًا وبشكلٍ فعّال على بعث الوعي السياسي بين الأفراد بشكلٍ أسهل وأكثر سلاسة.

أمّا في الجزائر، حيث انتشرت "الميمز" في السنوات الأخيرة بشكلٍ ملفت، وزاد انتشارها وتطوّرها بعد انطلاق الحراك الشعبي، ذاع سيط هذه الصور والفيديوهات اللاذعة، التي سمحت للعديد من النشطاء ولفئات مختلفةٍ تنتمي إلى الأوساط الثقافية والإعلامية وعموم الفئات الأخرى، باستغلال هذه الثقافة الشعبية كلغة احتجاج وسخرية من الأوضاع السياسية التي تمرّ بها البلاد، إذ يتسابق الجميع الآن إلى إتقان وتصميم هذه اللغة العصيّة على الانصياع لتيّارٍ معين، ولتوجّه قارّ بذاته.

من بين الصفحات والمجموعات التي تعدّ على كثرتها متنفسًا لروّاد مواقع التواصل في الجزائر، برزت مجموعة "حراك ميمز"، التي انفردت بجمع العديد من التيّارات المختلفة في المشهد السياسي والإعلامي والثقافي في الجزائر.  فكيف برزت فكرة "ميمز الحراك" هذه؟

سرعة الوصول إلى الفكرة

يقول صاحب مجموعة "حراك ميمز" الشاب وليد كشيدة في تصريح لـ "الترا جزائر"، إن فكرة المجموعة جاءت على بساطتها كدفعةٍ قويّةٍ بعد أن فتح العديدَ من الصفحات والمجموعات الخاصّة بهذا النوع من اللغة الشعبية ذات الطابع الساخر، حيث كانت صور "الميمز" الخاصّة بالحراك الشعبي وأحداثه، متداولة جدًا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها، كانت مشتّتة بين أنواع أخرى مشابهة، لهذا قرّر وليد حسب قوله، إنشاء مجموعة خاصة بـ "ميمز الحراك"، لتبادل الأفكار والآراء التي تخصّ هذه الثورة السلمية عن طريق صور وفيديوهات مدروسة تنتهج أسلوبًا ساخرًا وضاحكًا، واعتبر المتحدّث أن هذه الطريقة هي الأكثر تأثيرًا، وإيصالًا للمغزى المبتغى منها، على حدّ تعبيره.

الميمز في مواجهة الاختلاف والخلاف

في السياق ذاته، يضيف وليد كشيدة، أنّ هناك الكثير من الأشخاص على اختلاف رؤاهم وأيديولوجياتهم وتوجّهاتهم منذ بداية الحراك الشعبي على مواقع التواصل، وكلٌّ منهم ينزوي بفكره وأهدافه عن من يُخالفه، لهذا حاول على حدّ قوله أن يجمع كل هؤلاء في المجموعة الفيسبوكية "حراك ميمز"، ليكون أغلب أطراف هذا الصراع السياسي والأيديولوجي والمجتمعي، من شباب ونشطاء مؤيّدين ومعارضين لهذه الثورة السلمية، والمختلفين في طريقة الطرح وأسلوب النضال، داخل فضاءٍ رحب يجمعهم بلا خلفيات.

وأضاف المتحدّث، أنّ الأسلوب الساخر هو ما جمع كل هؤلاء في هذه المجموعة، وقد جعلوا منه، حسبه، وسيلة تواصل ناجعة لكسر وإذابة ذلك الحاجز الجليدي، الذي ازداد صلابة مع مرور الوقت بين هؤلاء، بما أن ثقافة "الميمز" تمنح نوعًا من الراحة النفسية، وتزيل التشنّجات التي تحصل بسبب النقاشات الفيسبوكية الحادّة والجادة، والتي تنتهي دائمًا بالعداوات وتزيد من تطرف الخلافات الفكرية.

تمنح هذه المجموعة حسب صاحبها، فرصة هذا التواصل بغية تفادي التعصّب، وهي الفكرة الأساسية التي قامت عليها، وقد تمنّى الشاب وليد، أن تنجح هذه المبادرة مع مرور الوقت في تحقيق هذا التوازن، حيث اعتبر أن البوادر حسبه إيجابية إلى غاية اللحظة.

نقد الحراك ومحاربة التقديس

أهم أهداف "حراك ميمز" بحسب صاحب الصفحة، هو اختراق هالة التقديس والتعصّب الكبير الذي أصبح يحوم بالحراك الشعبي في الجزائر، حيث صرّح أنه صار من الصعب نقد الحراك دون التعرّض إلى مختلف أنواع التخوين، هناك مثلًا كما صرح المتحدّث، ممارسات خاصّة بالنظام خرج الحراك من أجل إيقافها ومحاربتها، لكنها مع الوقت أصبحت تُمارس من طرف بعض الحراكيين أنفسهم، لهذا تُحاول المجموعة خلق تلك البيئة التي يمكن من خلالها التقليل قدر الإمكان من هذا التقديس الممارس، ومنح الفرصة للنقد، وتعرية العيوب التي يتسم بها الحراك بغية تصحيح المسار من خلال مختلف الآراء المطروحة، بما فيها تلك الفئة المناوئة للحراك أيضًا، والتي تخدم رؤى النظام التقديسية.

 يستطرد صاحب الصفحة: "الحراك جاء للتحرّر من هذه الممارسات، وهذا مما ينتمي إلى الرؤية التصوّرية لمستقبل السياسة، حسب طموحات الحراك الشعبي، الذي يبتغي دولة مؤسّسات مبنية على فكر تعددي".

وليد كشيدة: يُساهم "الميمز" في زوال الكراهية والضغائن التي تزرعها الخلافات الأيديولوجية 

من خلال هذا، وضعت المجموعة حسب صاحبها، عددًا من القواعد التي تفرض سيرورة معينة للمنشورات ونوعيتها، ثم قامت بنوع من الاستفتاء، ظهر من خلاله أن أكثر قاعدة اتّفق عليها الأعضاء، هي إمكانية النقد المفتوح لكلّ الآراء المطروحة على الساحة السياسية، سواءً كانت معارضة أو مؤيّدة للثورة الشعبية أو النظام، وهو الشيء الذي سيسمح بتجاوز ثقافة تقديس الأشخاص والأفكار على حدٍّ سواء، في فضاء رحب صحّي يحاول جبر الكسور، وقد يُساهم كما قال المتحدّث، في منح بعض الحركية للساحة السياسية والمجتمعية، وزوال الكراهية والضغائن التي تزرعها الخلافات الأيديولوجية والسياسية بين أبناء الوطن الواحد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل يفرض الحراك الشعبي منطقه على الجيش؟

وسائل إعلامية بعد الحراك.. "مات الملك، عاش الملك"