19-أكتوبر-2020

صورة الفنّان حسين عمّاري

تشترك صور الفنّان حسين عمّاري (1969)، التّي عادةً ما تكون من منطقة الأوراس في الشّرق الجزائريّ؛ في القبض على لحظة شرود واعٍ؛ بما يجعله شرودَ تفكير لا شرود بؤس؛ انسجامًا مع فلسفة الإنسان الجزائريّ في منطقة الأوراس القائمة على التّأقلم مع المكان لا الصّراع معه. 

يبرّر "دّا الحسين" كما يناديه محيطه الصّغير هذا الخيار بكونه تثمينًا منه لعبقريّة الإنسان

إنّها صور تُنسينا في أصحابها وتذكِّرنا بأنفسنا، فنباشر من غير أن نشعر تأملاتٍ وجوديّة تنقل الصّور إلى مقام هو أكبر من مقام التّوثيق.

يبرّر حسين أو "دّا الحسين" كما يناديه محيطه الصّغير، هذا الخيار بكونه تثمينًا منه لعبقريّة الإنسان الذّي ورث حاسّة التّفكير والتّأمّل لأجل التّكيّف مع مكانه، عوضًا عن الاستسلام لإكراهاته المختلفة، فهو يمارس فعل المقاومة لا فعل الشّكوى. وهو معطًى لا يُمكن أن نفهم خلفية وجود منطقة الأوراس في طليعة التّصدّي للاحتلال، من غير مراعاته. 

ملامحُ تحدّق في الأفق أو في ما حولها، وقد تعانقت فيها ثنائيّات الحزن والفرح والحيرة واليقين والقلق والهدوء والتّشاؤم والتّفاؤل والابتسامة والعبوس؛ فكأنّ الوجه الواحد يحمل وجهين معًا؛ إنّها ليست ازدواجيّة في الموقف، فالإنسان الأوراسيّ معروف بالانسجام والوضوح في هذا الباب؛ بل هي ازدواجيّة في الشّعور تنتجها اللّحظة المعيشة ممزوجةً باللّحظة المأمولة. فإذا أردنا أن ننسب الإنسان الذّي يصوّره حسين عمّاري إلى قيمة معيّنة، فلن نجد أفضل من نسبته إلى الصّبر. 

وهو الصّبر الذي طبع/يطبع حياته الشخصية أيضًا؛ "فقد ولدت في قرية نائيّة ومنسيّة تسمّى تفلفال، كنّا نستعين فيها على تسيير أيّامنا وليالينا بالطّبيعة وحدها، فهي خصمنا ومُعيلنا في الوقت نفسِه!". يتساءل: "أليس مقامًا وجوديًّا مدهشًا وخالقًا لبذور الفنّ والإبداع؟ وهو ما يزال مستمرًّا إلى غاية اليوم، بعد ستّين سنة من الاستقلال الوطنيّ، في قرًى أوراسيّة كثيرة، حيث يمكنك أن تجد الحيوانات وسيلةً للنّقل عوضًا عن المراكب الحديثة، والحطبَ وسيلةً للطهي والتّدفئة عوضًا عن غاز المدينة". 

انتمائي إلى هذه البيئة ووفائي لها، يقول محدّث "الترا جزائر"، جعلني أضع نفسي من خلال صوري في خدمة أوجاعها وأحلامها وتمظهرات روح المقاومة والإنسانيّة فيها. فالصّورة التّي لا تكون في خدمة المكان والإنسان تفقد قيمتها الحضاريّة، حتّى وإن توفّرت على جرعة كبيرة من الجمال، ذلك أنّ الجمال يصبح مضاعفًا، حين يكون ملتزمًا بهواجس الإنسانيّة.

من هنا، نتعثّر في ألبومات "دّا الحسين" ببورتريهات لأطفال وشباب وكهول وشيوخ ونساء وعجائز، تشترك كلّها في محاولة استخراج الرّوح الإيجابيّة والمقاومة والحالمة والصّبورة لإنسان الأوراس الذّي راكم تجربة مديدة في صناعة الملاحم، مع زهد واضح في المتاجرة بها سياسيًّا، رغم حاجاته إلى واقع تنمويّ حقيقيّ هو جدير به، إن لم يكن من باب المواطنة، فمن باب باعِه في الشّرعيّة الثّوريّة التّي يستمدّ منها النّظام الحاكم جدارته بالاستمرار.

حملت روح التمرّد حسين عمّاري على مغادرة مقاعد الدّراسة عند المرحلة النّهائيّة. فهو لم يجد ذاته في منظومة تربويّة تقوم على التّلقين. وتقدّس الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، "بما خلق مفارقةّ صارخة في حياة الإنسان الجزائريّ الذّي يُواجه يوميًّا شعاراتٍ تقول له إنّك حفيد لجدٍّ عظيم، من غير أن تأخذ بيده إلى أن يعيش لحظته ويكون امتدادًا خلّاقًا لأجيال قادمة، فعوّضتُ من خلال فنّ التّصوير ما فاتني في الجامعة". 

قول عمّاري إنّه لا يلمس الجدّيّة لدى المؤسّسة الثّقافيّة الجزائريّة في التّعامل مع الفنّ والفنّان

وعن سبب عدم انخراطه في المنظومة الفنّية، إذ لم يشارك إلّا في معرضين محلّيين، يقول عمّاري إنّه لا يلمس الجدّيّة لدى المؤسّسة الثّقافيّة الجزائريّة في التّعامل مع الفنّ والفنّان، "فهي تعمل على أن تُؤثّث به الفضاء، من غير أن تسمح له بأن يقوم هو بتأثيث هذا الفضاء الذّي يعرفه أفضل منها لأنّه طلع منه، وأنا لا أسمح بأن أزكّي واقعًا فنّيًّا مغشوشًا من خلال المشاركة في تظاهراته التّي عادةً ما تكون لتبييض المال العامّ". فكان الأفق الافتراضيّ بديلَه وسبيلَه؛ "فهو غير مزيّف وأكثر فاعليّة وتفاعلًا وربطًا للفنّان مع المتلقّي، بما يوفّر الحرّيّة التّي تعدّ وقود الإبداع".