مجتمع

حماية الأطفال من الاغتصاب.. من الصدمة إلى التعافي.. من المسؤول؟

16 مايو 2025
حماية الأطفال من الاغتصاب.. من الصدمة إلى التعافي.. من المسؤول؟
حماية الأطفال من الاغتصاب.. من الصدمة إلى التعافي.. من المسؤول؟ (صورة: أرشيف)
دليلة بلغربي
دليلة بلغربيكاتبة من الجزائر

في الجزائر، حيث عادت  جرائم الاغتصاب لتتصدر المشهد، يُواجه الطفل ضحية الجريمة  تحديًا مضاعفًا: كيف يتعافى من صدمة الاعتداء، وكيف يواجه نظرة مجتمع قد يفضّل الصمت على المواجهة؟

 

الاعتداء الجنسي على الأطفال من أبشع الجرائم  لما تسببه من آثار نفسية مدمّرة على الطفل و أسرته، ومحيطه الاجتماعي

خلال أيام قليلة شهِدت الجزائر جرائم مأساوية هزّت المجتمع، تمثّلت في اغتصاب طفلين، أحدهما في ولاية الشلف والآخر في وهران. هذه الوقائع الصادمة فجّرت موجة من الغضب والاستياء، عبّر عنها المواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين بتطبيق عقوبة الإعدام في حقّ الجناة.

لكن خلف هذه الكارثة، يبرز سؤال: كيف يعيش الطفل الذي يتعرض للاعتداء، وهو يحمِل آثارًا نفسية؛ وفي مجتمع تهيمن عليه ثقافة العيب والخوف من الفضيحة؟ هل تجد الضحية احتضانًا ودعمًا نفسيًا حقيقيًا، أم تُحمّل فوق صدمتها عبء نظرة المجتمع وصمت العائلة؟

 أبعاد نفسية ومعاناة مستمرة

في حديث لــ"الترا جزائر" حول الآثار النفسية للاعتداء الجنسي على الطفل، قالت الاستشارية الأسرية والتربوية إيمان بلمداني، إنّ الاعتداء على الطفل هو حدث صادم يكسر استقراره ويثير ارتباكًا وحيرة عميقة. 

كما يُعاني الطفل من رعب وخوف شديدين قد يؤديان إلى ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، ما يؤثر على حياته الاجتماعية والنفسية والجسدية، وحتى على تحصيله الدراسي. 

ويترك هذا الاعتداء أثرًا عميقًا على تطور شخصية الطفل ومستقبله، وقد يدفعه في وقت لاحق إلى الإدمان كوسيلة للهروب من الألم. كما ترافق الصدمة مشاعر قلق واكتئاب واضطرابات في الشخصية، مع شعور متزايد بالذنب وجلد الذات.

كما يتأثر الجهاز العصبي للطفل بشكل دائم، مما يجعله في حالة توتر مستمر، ما يؤدي إلى ظهور غضب داخلي وانفعالات شديدة مثل نوبات الغضب، العناد، والسلوك العدواني. قد تظهر أيضًا سلوكيات طفولية قديمة كالتشبث الزائد بالأهل أو التبول اللاإرادي. 

بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني الطفل من أعراض جسدية غير مبررة مثل آلام البطن والصداع، كما تتكرّر ذكريات الصدمة، وقد يعبر عنها من خلال اللعب أو سلوكه مع الآخرين. 

الاستشارية الأسرية والتربوية إيمان بلمداني لـ"الترا جزائر": الأسر التي تواجه هذه الجرائم لا تعاني فقط من الألم النفسي، بل تضطر أحيانًا إلى مغادرة حيّها أو مدينتها هربًا من نظرات الشفقة والاحتقار

يؤثر ذلك أيضًا على تركيزه وذاكرته، ويُفسد نمط نومه، الذي يصبح متقطعًا ومليئًا بالكوابيس. يعاني الطفل من قلق وخوف مستمرين من أي مثير يُذكره بالحادثة.

فيما يخص الاستجابة النفسية للاعتداء الجنسي من طفل إلى آخر، أكدت المختصة أن كل حالة تتمتع بخصوصيتها. فالطفل الذي تعرض لاعتداء متكرر على مدار سنوات يعاني من أعراض أشد، وقد يصل إلى مرحلة تطبيع الأذى. هذا يختلف تمامًا عن الطفل الذي تعرض لحدث صادم مفاجئ، حيث يظهر اضطراب الصدمة المركب في الحالة الأولى مقابل اضطراب ما بعد الصدمة الناجم عن حادث مفاجئ.

 الضحية والأسرة

على الرغم من أنّ طبيعة الاستجابة النفسية بشكل عام لا تختلف كثيرًا، فإن شدة التأثير تتزايد حسب عمق الموقف، قرب المعتدي من الطفل، ومستوى وعي الطفل بما حدث له. فالطفل الذي لم يتجاوز سن السادسة يفتقر إلى الفهم الكامل وغالبًا ما يلجأ إلى سلوكيات طفولية. 

وبخصوص الأطفال في سنّ التمدرس يعانون من تراجع في تحصيلهم الدراسي، ويعبرون بوضوح عن مشاعر الخوف والغضب أو الخجل.

أما المراهقون فيشعرون غالبًا بالعار واللوم على أنفسهم، ويكونون أكثر عرضة للاكتئاب، الأفكار الانتحارية، والإدمان.

فيما يخص الفروق بين الجنسين، يميل الذكور إلى الإنكار حفاظًا على صورتهم الرجولية، بينما تعاني الإناث بشكل أكبر من مشاعر اللوم والذنب.

يهدف العلاج النفسي للأطفال ضحايا الاغتصاب، كما توضحه الاستشارية بلمداني، إلى استعادة شعورهم بالأمان وتوضيح أن ردود أفعالهم في تلك اللحظات كانت استجابات فطرية يفرضها الجهاز العصبي في مواجهة الخطر. 

قد يلجأ الطفل إلى سلوكيات مثل الانفصال عن الواقع (كالإغماء أو التبلد العاطفي)، أو الخُضوع والاستسلام، خاصة إذا رافق الاعتداء تهديد بالقتل، كآلية حماية تمنعه من الانهيار النفسي.

يرتكز العلاج على شرح هذه الاستجابات للطفل وفهمها، ثم إعادة بناء تصوراته وأفكاره عن نفسه والعالم والآخرين من خلال العلاج المعرفي السلوكي. 

كما يُستخدم العلاج باللعب وقصص السرد لإعادة تمثيل المواقف الصادمة بطريقة تمكن الطفل من التعبير عن مشاعره.

كما يُدرّب الطفل على مهارات إدارة القلق والخوف ونوبات الهلع. بعد ذلك، تُجرى جلسات تعريض تخيلي تدريجي للمواقف الصادمة بهدف تقليل الحساسية تجاهها. يتم أيضًا استخدام تقنية EMDR (إزالة التحسس وإعادة معالجة الحركات العينية)، التي ثبت فعاليتها في علاج الصدمات النفسية. 

عادةً ما تستغرق العلاجات الحديثة فترة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر كحد أقصى، لكن العامل الأهم في نجاح العلاج هو التدخل المبكر بعد وقوع الحدث. يمتلك الجهاز النفسي قدرة كبيرة على التعافي، خاصة مع تطور التقنيات العلاجية في مجال الصحة النفسية.

تقديم الجاني للعدالة

من جانبه، يصف  أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الجزائر العاصمة، أحمد قوراية الاعتداء الجنسي على الأطفال بأنه "ظاهرة قديمة متجددة"، ويعتبره جريمة من أبشع الجرائم التي ترفضها جميع الأديان وتدينها التشريعات القانونية كافة، كما تُجرّمه الفطرة والعقيدة الإنسانية، لما له من آثار نفسية مدمّرة على الطفل، وأسرته، ومحيطه الاجتماعي.

الأستاذ أحمد قوراية لـ" الترا جزائر:" من غير المقبول أن يُعتدى على طفل ويُقابل ذلك بالصمت. العار ليس في كشف الجريمة، بل في التواطؤ بالصمت وترك الجاني حرًا دون محاسبة

وأشار البروفيسور في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أن العديد من الأسر في الجزائر التي تتعرض لهذا النوع من المآسي تُصاب بصدمة مضاعفة، حيث لا تقتصر معاناتها على الألم النفسي الناتج عن الجريمة، بل تُجبر أيضًا على مواجهة نظرات المجتمع القاسية. 

وفي بعض الحالات، وبدل أن يحظى الطفل بالتعاطف والدعم، يُقابل بنظرات شفقة ممزوجة بالاحتقار، مما يضطر أولياء الأمور إلى مغادرة حيّهم أو مدينتهم إلى وجهة مجهولة، هربًا من الوصمة المجتمعية، في محاولة لمنح الطفل وأسرته فرصة لبداية جديدة بعيدًا عن الألم النفسي المتجدد.

وبخصوص عدم تقديم شكوى إلى السلطات، اعتبر البروفيسور أن التستر على هذه الجريمة يُعد جريمة بحد ذاته، مشددًا على أنه من غير المقبول أن يُعتدى على طفل ثم يُقابل ذلك بالصمت، مما يفتح المجال أمام إفلات الجاني من العقاب القانوني.

وأضاف: "العار الحقيقي ليس في فضح الجريمة، بل في التواطؤ بالصمت، وطمس آثار الفعل الشنيع، وترك المعتدي حرًّا دون مساءلة، بينما تظل الضحية وأسرتها رهينة للألم والوصمة".

وأكد المختص أنّ الكشف عن الجريمة ومحاسبة الجاني هو التصرف الصحيح والعقلاني، بل يجب أن يُنظر إليه كخطوة شجاعة لحماية باقي الأطفال، وردع كل من تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذه الأفعال. 

وبخصوص أسباب التستر في بعض الحالات، أوضح أن بعض الأولياء لا يُدركون تمامًا تبعات هذا الفعل على نفسية الطفل ومستقبله، كما تمنعهم العادات والتقاليد البالية من التبليغ، خوفًا من "العار الاجتماعي" الذي قد يلحق بهم.

كما يرى البروفيسور أنّ "قانون الصمت" لم يعُد السائد كما كان في السابق، إذ باتت العديد من الأسر التي يتعرض أطفالها للاعتداء تسارع إلى التبليغ عن الجاني، وتلجأ أولًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة لإثارة الرأي العام وتحريك الملف. 

ومع تطور التكنولوجيا وتزايد الوعي، أصبحت مواقع السوشيال ميديا أول باب تطرقه العائلات لطلب الإنصاف، ونقل صوتها إلى المسؤولين، على أمل دفع الجهات المعنية إلى التحرك.

آليات وطنية لحماية الطفولة

ورغم اتخاذ جملة من التدابير التي تندرج ضمن السياسة الوطنية لحماية الطفولة، إلا أنّ الحاجة لا تزال قائمة لتوسيع هذا الدعم، وتوفير مرافقة نفسية متخصصة ومستمرة.

من الناحية القانونية؛ انخرطت الجزائر في المنظومة الدولية لحماية حقوق الطفل، إذ صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز حماية الطفولة، أبرزها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة سنة 1989، ما يعكِس التزامًا سياسيًا وتشريعيًا واضحًا تجاه هذه الفئة الهشّة.

كما انضمّت الجزائر إلى عدة اتفاقيات دولية مهمة في هذا المجال، من بينها الاتفاقية رقم 3 بشأن حماية الأمومة (1919)، واتفاقية القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال (1999)، إلى جانب مواثيق إقليمية متعلقة بحماية الطفولة والأسرة.

وفي هذا السياق، أنشأت الحكومة آليات وطنية لحماية الطفل، من أبرزها المفوضية الوطنية لحماية الطفولة، التي تلعب دورًا محوريًا في التبليغ عن الانتهاكات ومتابعة قضايا الأطفال المعرّضين للخطر. إضافة إلى شبكة "ندى" التي تُعنى بالأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة وتوفر لهم المرافقة والدعم.

على المستوى القانوني، كرّس المشرع الجزائري حماية الطفل من خلال مجموعة من التشريعات، يأتي في مقدّمتها قانون حماية الطفل رقم 15-12، الذي يُعد من أهم القوانين التي تضمن للطفل حقوقه الأساسية، بما يتماشى مع بنود الاتفاقيات الدولية المصادق عليها. كما يُوفّر القانون الجنائي الجزائري حماية خاصة للطفل، عبر نصوص تجرّم الاستغلال والاعتداء وكل أشكال العنف الموجهة ضد هذه الفئة.

 

الكلمات المفتاحية

الابيار

فحص "الأبيار" بالعاصمة الجزائرية.. قصور موريسكية تحتضن القادة والسفراء والقناصلة منذ مئات السنين

على بعد ثلاثة كيلومترات من مرتفعات شمال الساحل المتوسطي لمدينة الجزائر، هناك تجمع سكاني يسمى "فحص الأبيار" (جمع بئر) لأنه يجثم على آبار مياه كثيرة، أتاحت له خضرة كثيرة فكان إلى وقت قريب بوابة ريف العاصمة، وذا جاذبية للأجانب، حتى سمي "حي القناصلة".


الجزائر والبكالوريا

من سلاح ضدّ الاستعمار إلى ضغط على العائلة .. هذه حكاية البكالوريا في الجزائر

في الجزائر، لا تُعدّ شهادة البكالوريا مجرّد امتحان تعليمي يُنهي مرحلة ويفتح أبواب مرحلة أخرى، بل تحوّلت إلى رمز مركزي في الوعي الجمعي، يحمل أبعادًا تتجاوز الفصل الدراسي والدرجات النهائية.


حجز ذخيرة

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.


أطفال الجزائر

بلا حُدود.. تمرُّد الأطفال في الجزائر يسبِق أوانه

لم يعد تمرّد الأطفال في الجزائر مجرّد سلوك عابر في سن المراهقة، بل أصبح "ظاهرة" مُقلقة تتغلغل في البيوت والمدارس، وتطرح أسئلة جادّة حول دور الأسرة والمجتمع، فهل فقدت مؤسسات التنشئة في الجزائر قبضتها على الجيل الجديد؟

باخرة غراندي نافي فيلوتشي
أخبار

خط بحري جديد للمسافرين بين بجاية وميناء فرنسي.. هل تنخفض الأسعار؟

دخل خط بحري جديد حيز الخدمة بين ميناء بجاية وميناء سات الفرنسي، بعد أن أشرفت الشركة الإيطالية "غراندي نافي فيلوتشي" على التدشين الرسمي له اليوم الاثنين، تزامنا مع وصول السفينة "إكسلنت" إلى ميناء بجاية وعلى متنها 257 مسافرا و181 مركبة.

السيدة
أخبار

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر

عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.


بوعلام صنصال (الصورة:فيسبوك)
أخبار

لجنة الدفاع عن بوعلام صنصال تنتقد "تقاعس" مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الدفاع عنه

يُكمل الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، في 16 جوان الجاري، شهره السابع خلف القضبان في سجن القليعة، حيث أعلنت لجنة دعمه عن خطوة جديدة للضغط من أجل إطلاق سراحه.

حجز ذخيرة
مجتمع

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟

تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

نواب يخطرون المحكمة الدستورية حول تهميش دور المعارضة البرلمانية


2
راصد

دعوة نائب لإلغاء الفلسفة من التعليم تثير استهجانا واسعا.. ومعلقون: كيف يجهل أهمية أم العلوم؟


3
أخبار

جامعة سيدي بلعباس الأولى مغاربيا في تصنيف دولي مرموق.. هل هي ثمار الإنجليزية؟


4
أخبار

التهمت هكتارات من الأراضي الفلاحية.. كيف تُواجه الحكومة "الأحواش"؟


5
ثقافة وفنون

حوار| عبد القادر عفّاق: التّقمص غير المُغازِل عنصرٌ أساسي للخَلقِ في السينما