24-أبريل-2023
حمدان خوجة (صورة تعبيرية)

حمدان بن عثمان خوجة (صورة تعبيرية)

يعد حمدان بن عثمان خوجة أول شخصية دبلوماسية في تاريخ الجزائر، مباشرة بعد سقوط إيالة الجزائر سنة 1830، ورغم أن حمدان خوجة شخصية تاريخية وسياسية، لكنها لم تحظَ بعناية كافية في مجال الدراسة والبحث، إذ يعد نضاله السياسي من أجل القضية الوطنية سَابقة في تاريخ الحركة الوطنية، والتي عادة ما تؤرّخ ما بين سنتي 1914و1918.

يعتبر كتابه "المرآة" الذي ألفه سنة 1833 وثيقة تاريخية هامّة، سجّل فيه شهادات جزائريين في تلك الحقبة

يعتبر كتابه "المرآة" الذي ألفه سنة 1833 وثيقة تاريخية هامّة، سجّل فيه شهادات جزائريين في تلك الحقبة، وتقصى أهمّ المحطات التاريخية غداة الاحتلال الفرنسي، كما عايش عن كثب تدهور أوضاع الأهالي ومآسيها بعد الاحتلال.

من هو حمدان خوجة؟

ينحدر حمدان خوجة من عائلة عريقة من أصول عثمانية، حيث ولد سنة بالتقريب بين سنتي 1775و1773، وتزامنت فترة ميلاده مع مقاومة محمد عثمان باشا (1766-1791) للحملة العسكرية الإسبانية على خليج الجزائر سنة 1775.

تَدرّج والد حمدان خوجة في دواليب الحكم العثماني، من منصب في دار القضاء إلى إدارة خزينة المال إلى تسيير شؤون الخدم وأعوان الدولة، ورث حمدان عن والده شَغف القراءة والعلم والمطالعة، بَعد حفظ القرآن الكريم في سن الـ 17 كرمه والده برحلة رفقة عمه محمد الحاج إلى مدينة إسطنبول. هناك تركت الأجواء في إسطنبول بصماتها على مستقبل شخصيته، حيث تَفرغ إلى دراسة الفلسفة والعلوم الدينية، واهتم بجد في مجال تعلم الطب.

كتاب حول حمدان خوجة

في بداية مساره المهني اشتغل في حقل التعليم، بَعدها تولى الشؤون التجارية لعائلة خوجة، ونتيجة نشاطه التجاري سافر إلى مدن عديدة كتونس والقاهرة وإسطنبول، وانتقل إلى مدن أوروبية كمرسيليا وباريس ولندن، إذ ساهمت تناقلت حمدان خوجة إلى العديد من العواصم العربية والأوروبية في اتقان لغات عالمية، وإضافة إلى اللغتين العربية والتركية، أجاد اللغة الفرنسية والإنجليزية.

مَكنته راحلته ونشاطه التجاري من ربط علاقات بشخصيات سياسية وعسكرية أوروبية، ونسج روابط مع المحيط السياسي والثقافي بالمتروبول الفرنسي بباريس.

القاهرة

رغم تردده على عواصم أوروبية كثيرة، لم ينبهر حمدان خوجة إلا بتجربة محمد علي باشا (1805/1848)، مؤسّس الدولة المصرية الحديثة، إذ أعجب حمدان بسلسلة الإصلاحات التي أدرجها علي باشا على مصر، على غرار إعادة بناء مؤسسة الجيش وفق المعايير العصرية آنذاك، وتطوير الصناعة الحربية والعسكرية، وإنشاء مدارس ومعاهد خاصة بالعمران والهندسة والطب، ومحاول توسيع التعليم، وتطوير الزراعة وبناء الطرقات، كما استلهم حمدان خوجة كثيرًا من التجربة المصرية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.

ونتيجة مشاهدته واحتكاكه بالتجربة المصرية تَوسعت أفق ورؤية حمدان حول مستقبل إيالة الجزائر، خصوصًا أنه كان مُقربًا من حاشية الداي حسين آخر حكام العهد العثماني بالجزائر، غير أن تسارع مجريات الأحداث التي أفضت إلى الاجتياح الفرنسي للجزائر سنة 1830، أسقط كل طموحات حمدان خوجة في الإصلاح والنهضة والتقدم.

بداية المتاعب

كغيرها من الأهالي الجزائرية، تعرضت عائلة حمدان خوجة إلى كثير من المضايقات والسلب والنهب من طرف المستعمر الفرنسي الجديد، وسُلبت أملاك وأصول عائلته من طرف عساكر فرنسا، رغم أن اتفاقية الاستسلام التي وقعها كل من الداي حسين والجنرال الفرنسي دي بورمن، تنصّ على احترام مشاعر وممارسات الدين الإسلامي، وعدم الاعتداء أو الاعتراض على ممتلكات وأعمال السكان واحترام التقاليد والمرأة.

لكن في شهر أيلول/سبتمبر سنة 1830، يُوقع الجنرال كلوزيل مرسومًا ينص على حجر كافة ممتلكات وعقارات وأصول الدايات والبايات والعائلات العثمانية المرحّلة قسرًا، مع إسناد جميع عائدات الأوقاف إلى الإدارة الاستعمارية، إضافة إلى مرسوم تحويل المباني الإسلامية إلى كاتدرائيات مسيحية، وهو الأمر الذي أثار سُخط وغضب المسلمين الجزائريين.

المقاومة الدبلوماسية

وأمام انتهاك بنود الاتفاقية الموقعة بين الداي حسين والطرف الفرنسي، والمساس بالمشاعر الإسلامية وحُرمة المساجد، والتعدي وسلب ممتلكات الأهالي والسكان المحليين، لم يختر حمدان خوجة المنفى والمهجر هربًا من الاستعمار، ولم يستسلم أمام الوضع، بل عزم على العمل من أجل تخفيف أضرار ومعاناة الجزائريين والدفاع عن حقوقهم الشرعية.

انضمّ في البداية إلى مجلس إدارة مقاطعة الجزائر، والتي اشتغلت على التعويضات المادية والمالية للجزائريين الذين صودرت ممتلكاته وأراضيهم، وحاول حمدان عبر هذا المنصب المساهمة في الدفاع عن حقوق الجزائريين والمحافظة على ممتلكاتهم، بعدها سافر إلى باريس، وهناك اشتغل رفقة إبراهيم مصطفى باشا، على تدويل القضية الجزائرية أمام البرلمان الفرنسي، مرافعًا لصالح الجزائريين، منتقدًا ومبرزًا اعتداءات وممارسات القوات الفرنسية.

في هذه الفترة، أجرى حمدان خوجة سلسلة من الحوارات والمداخلات في وسط الإعلام الفرنسي، قصد تعريف الرأي العام الفرنسي والأوروبي بالوضع المأساوي والكارثي نتيجة الاجتياح الفرنسي، كاشفًا عن المجازر التي أقدمت القوات الفرنسية على ارتكابها في حقّ الأهالي والسكان على غرار المارشال كلوزيل، ودوق دي رفيقو.     

كتاب المرآة

أمام التحرّكات السياسية والنشاط الدبلوماسي التي قادها حمدان خوجة، وحملة كشف الحقيقة ضد عساكر فرنسا، تقرر سنة 1833 نفي حمدان خوجة خارج التراب الجزائري، وأمام هذا الوضع بعث برسالة إلى الملك لويس فليب طالب فيها بإنشاء لجنة تقصي الحقائق، وضرورة احترام ما جاء في اتفاقية الاستسلام، كما حاول اللجوء إلى القضاء الفرنسي من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة للجزائريين.

كتاب المرآة

وأمام الحالة الانسداد وتغول التيار الاستيطاني بفرنسا، نشر حمدان خوجة سنة 1833 كتابه "المرآة" والذي يعتبر صرخة في وجه الاستعمار الفرنسي، مبرزًا الخيانات والغدر في حق الأهالي، وعمليات السلب والنهب المبرمجة في حق الجزائريين.

يحدد الكتاب كرونولوجيا تاريخ ما قبل وبعد الاحتلال الفرنسي، أظهر فيها الوجه القبيح لسياسة الاستيطان الفرنسي، وبعد نشره الكتاب، قاد المارشال كلوزيل حملة مضايقات قضائية وترهيب قضائي ضد نشاطات حمدان خوجة، فقرر الهجرة إلى باريس سنة 1836 من أجل مواصلة نضاله السياسي والحقوقي، وأمام توسع التيار الاستيطاني بفرنسا، قرر الرحيل والاستقرار في مدينة إسطنبول رفقة ابنه إسماعيل، إلى غاية وفاته سنة 1840.

يمكن أن نعتبر حمدان خوجة وفق السياق التاريخي آنذاك أنه كان من طليعة الشخصيات التي دافعت عن حقوق الشعب الجزائري

في النهاية، يمكن أن نعتبر حمدان خوجة وفق السياق التاريخي آنذاك أنه كان من طليعة الشخصيات التي دافعت عن حقوق الشعب الجزائري، حيث كرس حياته في أصعب مراحل تاريخ الجزائر من أجل تدويل القضية الجزائرية، وقاوم الوجود الاستعماري وفق الأدوات الدبلوماسية والسياسية من أجل اسماع صوت وطنه، مذيعًا قُبح وبَشاعة الاستعمار، وموثّقًا لتجاوزاته وجرائمه في حقّ الجزائريين.