حملات توعية بالمدارس.. خبيرة نفسانية تُحذّر من العزلة الإلكترونية وتدعو لضوابط رقمية
13 أبريل 2025
يُشكّل الإفراط في استخدام الشاشات والأجهزة الذكية من أكبر التحديات التي تهدد الصحة النفسية والاجتماعية للأطفال والمراهقين، وذلك في ظل الانتشار المتزايد للتكنولوجيا الرقمية التي غيرت ملامح الحياة اليومية.
استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية بشكل مفرِط يؤدي إلى مشاكل في النوم وضعف الانتباه في القسم وتدهور التحصيل الدراسي
ولمواجهة هذه المعضلة، أطلقت وزارة التربية الوطنية، بتعاون وثيق مع وزارة الصحة، حملة توعوية وطنية هادفة ضمن فعاليات أيام الصحة المدرسية والجامعية (من 23 شباط/ فيفري إلى 30 نيسان/ أفريل).
وتركز هذه الحملة على توعية تلاميذ التعليم المتوسط بمخاطر الوقوع في الإدمان على الشاشات وتبيان انعكاساته السلبية على صحتهم الجسدية والنفسية والعقلية، مع التركيز على غرس قيم الاستخدام المسؤول والمتوازن للتكنولوجيا.
في هذا الحوار مع "الترا جزائر"، تُسلّط الأخصائية النفسية آيت خليفة سميرة، الضوء على التداعيات المقلقة للاستخدام المفرط والعشوائي للتكنولوجيا الحديثة، وكيف تتشابك هذه الآثار لتعيد تشكيل صحتنا النفسية وسلوكياتنا الفردية والجماعية.
ما هو تقييمكم الأولي لأهداف الحملة التحسيسية والتوعوية التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية حول مخاطر الإدمان على الشاشات؟
تُعتبر الحملات التحسيسية من بين الوسائل الفعالة في نشر الوعي وتسليط الضوء على قضايا اجتماعية، صحية، بيئية أو تربوية، وتزداد فعالية هذه الحملات عندما تُوجَّه لفئة الشباب، باعتبارهم القوة الحية والطاقة المتجددة للمجتمع.
ويعدّ أكبر التحديات التي تواجه الفاعلين في مجال التوعية هي ضمان الوصول إلى مختلف مناطق الوطن، بما فيها المناطق النائية والمعزولة.
من هذا المنطلق وجب التخطيط المحكم للقيام بحملات إعلامية واسعة النطاق عبر مختلف الوسائط التقليدية والرقمية، لضمان استقطاب أكبر عدد ممكن من المواطنين.
إلى جانب ذلك، لا بدّ من تفعيل دور المربين والمعلمين في الأطوار التعليمية الثلاثة في توعية التلاميذ بشكل يومي ومنهجي.
كيف تؤثر التكنولوجيا عامة على الصحة النفسية للأفراد؟
أصبحت التكنولوجيا من العوامل الرئيسية المساهمة في ارتفاع مستويات القلق والتوتر. ويرجع ذلك إلى الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية والانغماس المستمر في المحتوى الرقمي.
إدمان استخدام الإنترنت يؤدي إلى تراجع التفاعل الاجتماعي لدى الأطفال والمراهقين
يؤدي ذلك إلى اضطرابات النوم نتيجة السهر لساعات طويلة أمام الشاشات، سواء لأغراض العمل أو الترفيه. هذا السلوك يسبب شعورًا دائمًا بالضغط النفسي والخوف من تفويت المعلومات أو عدم القدرة على مواكبة التطورات المتسارعة في مختلف المجالات، وهو ما يُعرف بـ"الخوف من فوات الشيء".
كما يؤثر تراجع جودة النوم الناتج عن هذا النمط الحياتي سلبًا على التركيز والإنتاجية في الحياة اليومية خاصة بالنسبة لتلاميذ المدارس.
بالمحصّلة فإنّ الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يؤدي بالأطفال والمراهقين إلى مشكلات أخرى، من أبرزها الإدمان الرقمي، وتراجع التفاعل الاجتماعي الواقعي، والشعور بالعزلة.
ورغم هذه التأثيرات السلبية، لا يمكن إنكار الإيجابيات التي توفرها التكنولوجيا، حيث أسهمت بشكل كبير في تعزيز وسائل التواصل الاجتماعي والتقريب بين الأفراد، مما سهّل التفاعل مع الأصدقاء والعائلة، حتى عبر المسافات.
كما أتاحت التكنولوجيا فرصًا واسعة للوصول إلى المعرفة والمعلومات في شتى المجالات، الأمر الذي ساهم في إثراء التجربة الشخصية والمهنية للكثير من الأفراد.
ما هي الفئات العمرية الأكثر تأثرًا بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا من حيث التأثيرات النّفسية والاجتماعية؟
يُعدّ الأطفال والمراهقون من أكثر الفئات تأثرًا بالتكنولوجيا نظرًا لحساسية أعمارهم وسرعة تأثرهم بالمحيط الرقمي. حيث يؤدي الإفراط في استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية إلى ضعف التركيز، تراجع الأداء الدراسي، واضطرابات النوم.
كما يؤدي هذا الاستخدام المفرط في قلة النشاط البدني، ضعف مهارات التواصل الواقعي، وزيادة مشاعر العزلة والقلق.
ومن المخاطر الأخرى تعرّضهم لمحتوى غير مناسب يؤثر سلبًا على قيمهم ونمو شخصياتهم.
كما يؤدي الاستخدام المفرط للتكنولوجيا إلى قلة النشاط البدني وزيادة الاعتماد على العالم الرقمي، مما يُساهم في تراجع مهارات التواصل الواقعي ومشاعر العزلة والقلق الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التأثير النّفسي للمحتوى غير المناسب الذي يتعرّض له الأطفال والمراهقون من مشاهد وصور قد تؤثّر على تصوراتهم حول العالم، مما يُهدّد نمو شخصياتهم وتشكيل قيمهم في مرحلة حساسة من حياتهم.
كيف أثّرت التكنولوجيا على دور الأهل في تربية أطفالهم؟
لم يقتصر تأثير التكنولوجيا السلبي على الأطفال والمراهقين فقط، بل امتد ليشمل البالغين أيضًا، حيث انعكس بشكل مباشر على راحتهم النفسية وجودة حياتهم اليومية.
أصبح الآباء أنفسهم غارقين في الشاشات، ما جعلهم يغفلون عن تحذير أبنائهم من مخاطر العالم الرقمي
فقد أصبح العديد من الآباء والأمهات يعانون من التعب الذهني والإرهاق المزمن نتيجة الضغوط المتزايدة الناجمة عن الحياة الرقمية، سواء من خلال العمل المستمر عبر الإنترنت أو الانشغال الدائم بوسائل التواصل الاجتماعي.
هذا الانشغال المستمر أدى إلى تقليص قدرتهم على الصبر والانتباه لتفاصيل الحياة الأسرية، مما أثر بشكل ملموس على دورهم التربوي.
هناك مفارقة كبرى، فبدل أن يشرف الأهل على استخدام الأطفال للتكنولوجيا وتوجيههم نحو الاستخدام الآمن، أصبح الآباء أنفسهم غارقين في الشاشات، ما جعلهم يغفلون عن تحذير أبنائهم من مخاطر العالم الرقمي.
ومع مرور الوقت، بدأت العلاقات الأسرية تتفكك تدريجيًا، حيث أصبح كل فرد في العائلة منعزلًا خلف جهازه الخاص، يعيش في عالمه الافتراضي.
هذا التوجّه أدى إلى ضعف الحوار وفقدان الحميمية والتواصل العاطفي بين أفراد الأسرة.
وبالتالي، تراجعت المهمة الأساسية للأهل في التربية والتوعية، لتحل مكانها التكنولوجيا كمصدر رئيسي للتأثير، في غياب الوعي والرقابة الأسرية الفعّالة.
ما هو تأثير التكنولوجيا على الأسرة والصحة النفسية في المجتمع الجزائري؟
رغم أنّ الجزائر، مقارنة بعديد الدول، لم تبلغ بعد مرحلة التحذير من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا بشكل كبير، إلا أنّ تأثيرها بدأ يظهر بوضوح على عدة مستويات.
على الصعيد الأسري، لوحظ تراجع كبير في التواصل بين أفراد الأسرة، مما أدى إلى ضعف الروابط العاطفية بينهم وتقليص الحوار الأسري المباشر والمفيد.
أمّا على الصعيد الجسدي والنفسي، فقد ظهرت علامات واضحة على تأثير التكنولوجيا. فالإدمان على الشاشات واستخدامها بشكل مفرط ودون رقابة، أدى إلى تراجع النشاط البدني وزيادة انتشار السمنة والمشاكل الصحية المرتبطة بها.
كما أنّ السهر لساعات طويلة أمام الشاشات، خاصة في ساعات الليل المتأخرة، تسبب في اضطرابات النوم، ما يؤثر سلبًا على التركيز وصحة الجسم العامة.
إضافة إلى ذلك، تزايدت معدلات القلق والتوتر، لا سيما بين فئة الشباب الذين يعانون من الضغوط النفسية.
بضغطة زر واحدة يصبح بإمكان الأطفال الاطلاع على معلومات وصور ومقاطع فيديو قد تكون غير لائقة و ضارة نفسيًا وأخلاقيًا
هذا الإفراط في استخدام التكنولوجيا، دون وعي أو توجيه، يساهم في إدمان الشاشات، حيث تصبح الأجهزة مصدرًا رئيسيًا للتسلية والترفيه، مما يقلل من الوقت المخصص للأنشطة الاجتماعية الحقيقية والتفاعل مع الآخرين. هذا النوع من العزلة الرقمية قد يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية للأفراد.
ما هي مخاطر المحتوى غير المراقب على الأطفال والمراهقين؟
يُشكّل غياب الرقابة الصارمة على المحتوى المتاح عبر الإنترنت خطرًا كبيرًا على جميع فئات المجتمع، حيث يمكن للأطفال والمراهقين الوصول بسهولة إلى منصات ومواقع لا تتناسب مع أعمارهم أو مستوى نضجهم الفكري. وبضغطة زر واحدة، يصبح بإمكانهم الاطلاع على معلومات وصور ومقاطع فيديو قد تكون غير لائقة أو حتى ضارة نفسيًا وأخلاقيًا، مثل المحتوى العنيف أو الإباحي أو تلك التي تروّج لأفكار متطرفة وسلوكيات منحرفة.
هذا الانفتاح اللامحدود يُضعف قدرة الأهل والمؤسسات التربوية على التحكم فيما يتعرض له الأبناء من مؤثرات خارجية، مما قد يؤدي إلى تغيّرات مفاجئة في سلوكهم أو تبنيهم لأفكار وقيم دخيلة على بيئتهم ومجتمعهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من هذه المنصات لا تعتمد آليات فعّالة للتحقق من عمر المستخدم، مما يجعل الأطفال عرضة للاستغلال أو التنمّر الإلكتروني.
لذلك، يُعدّ من الضروري أن يُرافق هذا الانفتاح التكنولوجي وعي مجتمعي أكبر، مع وضع ضوابط رقمية صارمة، إلى جانب توجيه الأطفال والمراهقين نحو الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا.
ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية الأطفال والمراهقين من المخاطر المرتبطة بالمحتوى الرقمي غير المراقب؟
يجب أن يتحلّى الأولياء بروح المسؤولية والوعي، وعدم التفريط في استخدام التكنولوجيا الحديثة، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على أطفالهم. فرغم فوائد التكنولوجيا المتعددة، إلا أن استخدامها غير المدروس أو المفرط قد يكون ضارًا.
العديد من هذه المنصات لا تعتمد آليات فعّالة للتحقق من عمر المستخدِم، مما يجعل الأطفال عرضة للاستغلال أو التنمّر الإلكتروني
من هنا، يتحتم على الآباء مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الأطفال، والتأكد من ملاءمته لأعمارهم وقدراتهم العقلية. يجب أن يكون لديهم الصرامة الكافية في ضبط استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية، ووضع حدود واضحة تضمن ألا تؤثر هذه الأجهزة سلبًا على نموهم العقلي والنفسي.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تعزيز آليات التواصل داخل الأسرة من خلال خلق بيئة حوارية بنّاءة بين أفراد العائلة.
فهذا يُعزز الروابط الأسرية ويوفر للأبناء فرصة للاستماع إلى نصائح وتوجيهات آبائهم بشأن كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل آمن. كما أن تخصيص وقت محدد لاستخدام الأجهزة الإلكترونية يُعتبر أمرًا بالغ الأهمية؛ حيث يجب على الأولياء وضع قواعد واضحة للاستخدام في أوقات معينة، وتجنب السماح للأطفال باستخدامها قبل النوم، وذلك لأن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يتسبب في اضطرابات النوم والأرق.
وأيضًا، يُستحسن منع استخدام التكنولوجيا أثناء الوجبات، حيث ينبغي أن تكون هذه الأوقات مخصصة للتواصل والتفاعل الأسري، مما يعزز الروابط بين أفراد العائلة ويساهم في تناول الطعام بشكل صحي ومتوازن.
الكلمات المفتاحية

الخطوة الأولى لبشرة صحية في الربيع.. واقي الشّمس ضرورة
بالرّغم من المخاطر الصحية المترتبة على التعرُّض المُفرِط للأشعة فوق البنفسجية، لا يزال الوعي باستخدام واقي الشمس محدُودًا، ممّا يستدعي تعزيز الثقافة الوقائية لتفادي أضرار الشمس المختلفة.

التبليغ وكسر الصّمت عن التحرّش والاغتصاب.. حِماية لا فضيحة
تُرتكب جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب في الخفاء ويُقابلها في كثير من الأحيان صمت ثقيل ومرعب في الآن نفسه؛ يفرِضه الخوف من الفضيحة أو الوصمة " البصمة التي تلتصق بالضحية مدى الحياة".

حماية الأطفال من الاغتصاب.. من الصدمة إلى التعافي.. من المسؤول؟
في الجزائر، حيث عادت جرائم الاغتصاب لتتصدر المشهد، يُواجه الطفل الضحية تحديًا مضاعفًا: كيف يتعافى من صدمة الاعتداء، وكيف يواجه نظرة مجتمع قد يفضّل الصمت على المواجهة؟

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير
أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء
أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني
انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟
تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.