حملة "صوريه واشكي".. تفاعل نسائي وجدل قانوني حول إجراءات مكافحة التحرش الجنسي
14 مايو 2025
يُشارك ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر هذه الأيام في حملة تدعو للتنديد بـالتحرش ضد النساء وعدم السكوت عن هذا الجرم، وذلك بتصوير مرتكب هذا السلوك غير السوي وفضحه عبر الانترنت ومتابعته قضائيًا، وهو ما أعاد النقاش حول حجم انتشار هذه الآفة في المجتمع الجزائري، وأنجع الطرق والوسائل للحد منها ومعاقبة مرتكبيها.
الناشطة النسوية آمال حجاج: حان الوقت لتغيير القوانين وتشديدها وتطبيقها وتسهيل التبليغ عن المتحرشين جنسيًا في الفضاءات العمومية لأن التشريع الحالي يصعّب عملية التبليغ وتقديم الأدلة
ورغم معالجة المشرع الجزائري لهذا السلوك قانونيًا واستهجانه، إلا أنه يبقى موجودًا في المجتمع وربما ازدادت حالاته حسب البعض جرّاء إحجام أغلب الضحايا عن التبليغ عنه لأسباب مختلفة، الأمر الذي يتطلب تسليط الضوء على هذه الأفعال والتحدث عنها حتى لا تمس ضحايا جدد.
استمرار
بلا أي تردد أو انقطاع، تواصل مبادرة "لغد أفضل" (Tomorrowis a betterday) بث مختلف الفيديوهات والمنشورات على حسابها في "انستغرام" والمتعلقة بتوثيق حالات تحرش بالنساء عبر مناطق مختلفة من البلاد، والتي تم رصدها من قبل ضحايا أو مراقبين في وسائل النقل أو الأماكن العامة أو أمام الجامعات والثانويات، ، مثلما تقول لينا فرح المشرفة على حساب "لغد أفضل" لـ"الترا جزائر".
وأشارت فرح إلى أن نشر هذه الفيديوهات هي مشاركة من المبادرة في حملة "صوريه واشكي" (صوريه واشتكي) التي انطلقت بنشر فتاة لفيديو تفضح فيه أحد المتحرشين على تطبيق تيك توك، والذي حظي بمشاهدات مليونية في مدة قصيرة، مما شجّع ساهم في أن تنضم إلى هذه الحملة فتيات كثيرات عبر مختلف الولايات.
وذكّرت فرح بأن هذه الحملة ليست الأولى في الجزائر، بالنظر إلى أن مبادرة "لغد أفضل" كانت قد أطلقت حملة في 2021 تحت شعار "افضح المتحرش" التي تشجع النساء على تصوير المتحرشين ثم تقوم المبادرة بنشر صوره على حساباتها الإلكترونية، لكي تستطيع السلطات من الوصول إليهم، بالنظر إلى أن "أغلب النساء لعدة اعتبارات يخجلن من التوجه للمصالح الأمنية وتقديم شكوى ضد المتحرشين، فحاولنا من خلال هذه الحملة مساعدتهن".
وتلقى هذه الحملة حتى اليوم دعما من قبل عدة نساء، وبالخصوص من الناشطات في المجال النسوي، وبالتحديد بعد الصدى الإعلامي الذي حققته، وهو ما حفز كثيرات من ضحايا التحرش على القيام بهذه الخطوة بتوثيق جرم المتحرش وبثه على الانترنت لإظهار مدى فظاعة ما يرتكب ضد كثيرات.
مشكلة حقيقية
بالنسبة للناشطة النسوية آمال حجاج مؤسسة جمعية "الجريدة النسوية الجزائرية" لا تتعلق هذه الحملة فقط بمحاولة توثيق جرم التحرش فقط، إنما تعدّ في الوقت ذاته دليلًا صارخًا على وجود مشكلة التحرش في المساحات العمومية الجزائرية، والتي يجب التصدي لها، وفق ما أوضحت لـ"الترا جزائر".
ولا تتوفر أرقام دقيقة حول عدد حالات التحرش التي تسجل بالجزائر، إلا أن استطلاعا حول التحرش الجنسي الجسدي نشرت نتائجه في 2019 أجراه "الباروميتر العربي" الذي يصدر عن شبكة أبحاث مقرها جامعة برنستون الأميركية، أشار إلى أن نسبة التحرش الجسدي في الجزائر بلغت 23 في المئة، ويستهدف ثلثها فئة الإناث.
لكن هذه الدراسات تبقى في الغالب لا تعبّر عن الواقع الحقيقي سواء كانت النسبة أقل أو أكثر، لأنها تجرى من قبل مراكز بحث أجنبية تجهل في الغالب الواقع المجتمعي للجزائر، حسب البعض.
وترى حجاج أن انتظام عدة نساء مجهولات أو معروفات في حملة مشتركة مفاده وجود رفض ووعي تامين بأن التحرش جريمة، وأن الوعي ارتفع، حيث لا يمكن لأي أحد التحرش بالنساء لأي سبب كان حتى ولو كان اللباس الذي يتحجج به البعض.
وتعتبر الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء كنزة خاطو أن هذا "الترند أو الحملة كما يسميها الإعلام، لم يأت صدفة كما لم يأت عن ظاهرة شاذة أو معزولة ولا يُعتبر مجرد رد فعل لحظي، بل جاء بعد أن لم يعد في الإمكان تجاهل الظاهرة أو السكوت عنها، فالتحرش هو شكل من أشكال العنف الذي تتعرض له النساء يومياً، لذلك هذه الحملة هي صرخة من النساء ضحايا التحرش، للتحدث دون خوف أو خجل، حيث أنّ الخوف غيّر اليوم معسكره".
جدل
لم تمر هذه الحملة مرور الكرام لدى المتابعين، بالنظر إلى أنها فتحت النقاش حول مدى قانونية نشر وجوه المتحرشين على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذر البعض من إمكانية أن تتحول الضحية إلى متهمة جراء هذا النشر الالكتروني.
وترى أمال حجاج أن هده الحملة تحمل في طياتها شجاعة خاصة، لأنها فتحت نقاشًا حول مدى أحقية تصوير أي شخص عندما يكون مجرما وفضحه من قبل الضحية إن لم تجد أي طريقة للدفاع عن نفسها والتبليغ عنه، مشيرة إلى أن الهدف من هذا التصوير هو فضح المجرم لكي يغير الخجل من التحرش مكانه، ولكي لا يبقى الصمت والقيود المجتمعية الموجودة شريكًا في هذه الجريمة.
وقال المحامي يوسف بودينة في حديثه لـ"الترا جزائر" إنه "في سياق تزايد حالات التحرش الجنسي بالنساء في الأماكن العامة، لجأت بعض الضحايا إلى تصوير المتحرشين بهن ونشر الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي كنوع من الردع والفضح. ورغم أن هذا السلوك قد يبدو مبررًا أخلاقيًا أو مجتمعيًا، إلا أن القانون الجزائري يضع حدودًا واضحة في هذا المجال".
المحامي يوسف بودينة: التصوير في حد ذاته لا يمنح الحق في النشر ، لأن القانون الجزائري يعتبر نشر صور أو فيديوهات لأشخاص دون موافقتهم، تشهيرًا، حتى لو كانوا فعليًا مرتكبين لفعل مخالف".
وبيّن أنه "إذا وقع التحرش في مكان عام، فالقانون لا يُجرّم التصوير في الأماكن العامة ما لم يتضمن انتهاكًا صارخًا للحياة الخاصة، خاصة إذا كان الهدف من التصوير هو جمع دليل على ارتكاب جريمة (مثل التحرش)، لأن ذلك قد يُعتبر مبررًا قانونيًا، خاصة في ظل غياب وسائل إثبات أخرى".
وأضاف بودينة " لكن التصوير في حد ذاته لا يمنح الحق في النشر ، لأن القانون الجزائري يعتبر نشر صور أو فيديوهات لأشخاص دون موافقتهم، خاصة في سياق فضحهم، يُعدّ تشهيرًا، حتى لو كانوا فعليًا مرتكبين لفعل مخالف".
وذكّر المحامي ذاته أن المادة 296 من قانون العقوبات تنص أنه "يعاقب على القذف إذا نُشر ادعاء بارتكاب جريمة دون حكم قضائي"، فيما جاء في المادة 298 من القانون نفسه أن "نشر اتهامات علنية ضد شخص، دون اللجوء إلى القضاء، يعتبر تشهيرًا."
وجاء في المادة 303 مكرر أنه "يعاقب من ينتهك حرمة الحياة الخاصة عن طريق تسجيل أو نشر صور دون رضا الشخص المعني، حتى في الأماكن العامة".
ولفت بودينة إلى أن المسار القانوني الصحيح يتمثل في توجه الضحية لمصالح الأمن أو وكيل الجمهورية وتقديم شكوى مرفقة بالفيديو كدليل، لأن القضاء هو الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية إدانة المتحرش أو نشر هويته، لأن النشر الشخصي يعرّض الضحية لمتابعة قانونية حتى لو كانت "ضحية فعل تحرش".
وأشار بودينة إلى "استثناء واحد قد يسمح للضحية بنشر الفيديو الذي سجلته، والمتمثل في حالات التكرار، أو الخطر الجسيم، أو تقاعس الشرطة، حيث من الممكن أن يعتبر القاضي أن النشر كان بدافع الحماية الذاتية أو التنبيه العام، لكن هذه نظل حالات استثنائية".
مراجعة
لمواجهة هذا المانع القانوي لنشر فيديوهات المتحرشين، تأمل آمال حجاج أن تفهم العدالة الأسباب التي جعلت الضحايا يفضحن المتحرش، مبيّنة أنه حان الوقت لتغيير "القوانين وتشديدها وتطبيقها وتسهيل التبليغ لأن التشريع الحالي يصعّب عملية التبليغ وتقديم الأدلة"
وأوضحت الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء كنزة خاطو أن "القانون الجزائري يجرّم التحرش، كما أنّ تعديل قانون العقوبات الأخير وضع آليات جديدة لحماية النساء من العنف".
وأقرت خاطو بأن "هناك نية صريحة من رئاسة الجمهورية على حماية المرأة، إذ كلّفت مؤخرًا مختلف القطاعات الوزارية لإيجاد آليات قانونية إضافية لحماية المرأة إلى أقصى حد"
وأردفت خاطو " لكن، ورغم هذه الجهود، لا تزال هناك حاجة ماسة لتعديل التشريع بشكل أوسع، الذي يعدّ في بعض الأحيان منقوصًا في مواجهة التحرش، بالإضافة إلى ذلك، يجب تعزيز آليات التنفيذ والمتابعة لضمان حصول الضحايا على العدالة التي يستحقونها".
وتبيّن خاطو أن التشريعات وحدها لا تكفي، لأنه رغم وجود قانون يجرم التحرش، إلا أن أغلب المتحرشين لا يتابعون قضائيًا من قبل الضحايا.
الناشطة كنزة خاطو لـ"الترا جزائر": لجوء النساء لمنصات التواصل الاجتماعي لكشف حجم مشكلة التحرش الجنسي دليل على ضعف آليات التبليغ والخوف من المجتمع
وأوضحت هنا بأن "هذا يعود إلى مجموعة من العوامل في مجتمع لا يزال يتعامل مع التحرش كأمر عابر وعادي، فضعف آليات التبليغ ضدّ المتحرشين والخوف من نظرة المجتمع التي غالبًا ما تلوم الضحية، والخوف أيضًا من ألّا نصدّق الضحايا والإفلات من العقاب، كلّها عوامل جعلت الضحايا يستنجدن بمواقع التواصل الاجتماعي لكشف حجم المشكلة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر بحسب رأيي، هو تعزيز الثقافة القانونية والاجتماعية التي تشجع على محاسبة الجناة وتعطي الدعم الكامل للضحايا."
في ظل غياب أرقام دقيقة حول حالات التحرش في الجزائر، تظل الآراء تختلف بشأن هذه الحملات بين من يراها تضخيما لعادات دخيلة على المجتمع الجزائري لا تقوم بها إلا قلة معينة، وهو رأي ترى فيه كنزة خاطو أنه "محاولة أخرى لإسكات النساء والتغطية على جرائم التحرش، فحين تخرج النساء عن صمتهن ويتحدثن عن معاناتهن، لا يكون الهدف تشويه صورة أحد، بل المطالبة بالكرامة، والحماية، والعدالة".
الكلمات المفتاحية

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

بلا حُدود.. تمرُّد الأطفال في الجزائر يسبِق أوانه
لم يعد تمرّد الأطفال في الجزائر مجرّد سلوك عابر في سن المراهقة، بل أصبح "ظاهرة" مُقلقة تتغلغل في البيوت والمدارس، وتطرح أسئلة جادّة حول دور الأسرة والمجتمع، فهل فقدت مؤسسات التنشئة في الجزائر قبضتها على الجيل الجديد؟

رحيل بعد عودة.. كفاءات جزائرية على أبواب الهجرة مُجدّداً
ترددٌ، فعودة، فرحيل؛ مشهد مقتطع من رحلة متعثّرة عاشتها بعض الكفاءات الجزائرية بين الهجرة والعودة. هي رحلة لا تخلو من التحديات، حيث اصطدمت الآمال العريضة بواقع محبط ومعقّد.

6 أشخاص في قبضة العدالة بشبهة الاعتداء على السيدة المتهمة ظلما بالسحر
عرفت قضية سيدة العلمة المتهمة ظلمًا بممارسة السحر تطورات جديدة، حيث أعلن عن توقيف ستة أشخاص يُشتبه في تورطهم المباشر في حادثة الاعتداء التي تعرّضت لها، بعد تحليل محتوى الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي وثّقت لحظة محاصرة السيدة وتوجيه اتهامات علنية لها، من دون أي دليل مادي أو قانوني.

تزايد لافت لاستعمال السلاح في تهريب المخدرات.. هل نتجّه لعسكرة الجريمة؟
تأتي العملية التي أعلنت عنها وزارة الدفاع بتوقيف ثلاثة أجانب مسلحين يوم الجمعة 13 حزيران/جوان الجاري في منطقة عين أمناس الحدودية مع ليبيا، في سياق تحول واضح في سلوك الجماعات الإجرامية التي باتت تلجأ لاستعمال العنف المسلح في تنفيذ عملياتها، بعد أن كانت تعتمد لسنوات على شبكات تهريب سرية محدودة الإمكانيات.

بعد أن طُرد من مسكنه.. وفاة مأساوية لمواطن جزائري في إسبانيا
مأساة هزّت أحد أحياء وسط مدينة برشلونة في إسبانيا، بعدما أقدم رجل جزائري يبلغ من العمر 73 عامًا على وضع حدٍّ لحياته، عقب ساعات فقط من تنفيذ قرار طرده من الشقة التي كان يقيم فيها.

الهجوم الإسرائيلي على إيران.. الجزائر تدعو لتدخل أممي وأحزاب تحمل أميركا المسؤولية
أجمعت ردود الفعل الرسمية والحزبية في الجزائر على إدانة الهجوم الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع دعوة الهيئات الأممية وعلى رأسها مجلس الأمن لتحمل مسؤولياتهم إزاء هذا "العدوان".