22-أغسطس-2022

الصحافي أحسن خلاص (فيسبوك/الترا جزائر)

يتحدّث أحسن خلاص، المحلل السياسي، في حديث إلى “الترا جزائر"،  عن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر ابتداءً من 25 آب/ أوت الحالي، ويتطرق إلى أهداف الزيار وطبيعة العلاقات القائمة حاليًا بين الجزائر وفرنسا وأسباب توترها في السابق،ويجيب من موجهة نظره حول تساؤلات إن هذه الزيارة ستساهم في تعزيز التعاون بين الجزائر وباريس والعمل على المصالحة التاريخية والاعتراف بالجرائم الاستعمارية؟

أحسن خلاص: زيارة ماكرون إلى الجزائر ستركز على مسألة تزود فرنسا بالغاز الجزائري 

  • هل لنا أن نعرف لماذا تشكل زيارة أي رئيس فرنسي إلى الجزائر حدثًا سياسيًا تفتح من خلاله تجاذبات وسجالات سوءً عند الطرف الفرنسي أم الجزائري؟

من الطبيعي أن تكون أي زيارة لرئيس فرنسي إلى الجزائر محل اهتمام من الجانبين، فهي دائمًا تحمل معها أجندة غزيرة ومتنوعة، تنطلق من حضور التاريخ المشترك، وتنتهي بالمجالات الاجتماعية والإنسانية، مرورًا بالعلاقات الاقتصادية والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

لا تخلو أيّة زيارة من الجدل بالنظر إلى تعقد الملفات المطروحة في كل مرة، وتأثرها بالمتغيرات الدولية وبتطور الأجيال وتعاظم المطالب والمتطلبات في الضفتين.

 الجزائر بالنسبة لفرنسا امتداد أمني واقتصادي وثقافي لا يمكن الاستغناء عنه، مهما تخلل العلاقات الثنائية بين الحكومات من مد وجزر ومن فترات الفتور. هناك الكثير من العوامل الايجابية لا يمكن القفز عليها، عادة ما تأتي الزيارات الرئاسية الفرنسية عقب الازمات لتحمل حلولًا أو ردود أفعال وتجيب عن الكثير من التساؤلات العالقة.

  • بعد تجديد العهدة الثانية للرئيس الفرنسي هل تحمل زيارة إيمانويل ماكرون طابع بروتوكولي أم سياسي؟

زيارة ماكرون أبعد ما تكون عن كونها زيارة شكلية أو رمزية، لابد أنها وهي تدوم ثلاثة أيام تحمل أجندة ثقيلة ورغبة فرنسية في دفع العلاقات الثنائية الاقتصادية إلى مستويات أرقى وتمتين التشاور السياسي، وتضييق الهوة في الكثير من المسائل الإقليمية مثل الوضع في مالي وليبيا وحتى الحرب الأوكرانية، وما تحمله من تبعات على البلدين على المديين المتوسط والطويل.

  • كيف يمكن وصف واقع العلاقات الدبلوماسية الحالية بين الجزائر وباريس؟

العلاقات الجزائرية الفرنسية تمر بمرحلة انتقالية بعد الفتور الذي أصابها منذ ما يقرب من سنتين، بعد أن شكلت قضايا الذاكرة والهجرة خاصة تجاذبات عديدة، ثم ما لبث الجانبان أن أدركا أنه من الضروري الحفاظ على المكتسبات المشتركة التي ظل يهددها صعود اليمين المتطرف في فرنسا. الرئيس تبون اغتنم فرصة تجديد ولاية ماكرون لدعوة هذا الأخير لفتح صفحة جديدة في العلاقات على أساس الندية والمصالح المشتركة، وهي الدعوة التي يبدو أن الحكومة الفرنسية تلقتها باهتمام لأنها فرصة سانحة لفرنسا لأن تدعم حضورها في الجزائر في ظلّ سباق أوروبي محموم للبحث عن موارد ومساحات جديدة في جنوب المتوسط.

  • في رأيك لماذا هذا المد والجزر والضبابية في العلاقات الدبلوماسية والسياسية؟

المد والجزر والضبابية ليست ظواهر جديدة، بل تدخل في طبيعة وبنية علاقات الجزائرية الفرنسية منذ الاستقلال، هي علاقات تبحث دائما عن الوضوح والاستقرار بالرغم من ثرائها وتنوعها وتشنجها وفترات الصفاء التي تتخللها أحيانا.

  • هل تعتقد أن الصعود اليمين المتطرف في فرنسا قد يدفع إيمانويل ماكرون إلى احترام توازنات داخلية في مسألة الذاكرة الاستعمارية؟

قضايا الذاكرة تتحكم فيها عوامل متشعبة، وليست مرتبطة فقط باليمين المتطرف في فرنسا. لا ننسى أن هناك ذاكرت تكونت مع مرور الأجيال، وكلما ابتعدنا زمنيا عن فترة الاستعمار كلما عظمت رمزية الذاكرة، هناك ذاكرة الحركى وأبناءهم وأحفادهم، والأقدام السوداء، كذلك وفي الجزائر لا يزال الشعور العدائي تجاه فرنسا قائمًا لدى قطاع هام من الشباب، بالرغم من مرور الأجيال، وليس مقتصرا عندنا على ما يسمى بالأسرة الثورة فقط. وسياسة ماكرون تعرف بعبارة في نفس الوقت ( au même temps) أيّة محاولة إرضاء الجميع.

  • سبق وإن اعترف الرئيس الفرنسي ماكرون بمسؤولية بلاده عن الإبادة الجماعية في روندا سنة 1994، ما الذي يمنع إقرار رسمي فرنسي بأن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي بحق الجزائريين هي جرائم حرب وإبادة جماعية

لا يمكن انتظار الاعتراف بارتكاب جرائم إبادة من الرئيس ماكرون، أقصى ما يمكن انتظاره هو إتاحة الاطلاع على أرشيف الجيش الفرنسي، لتمكين المؤرخين والدارسين من استنتاج وصف لما قام به الجيش الاستعماري في حق المدنيين، في حين أن الاحتلال ذاته جريمة.

 هناك لوبيات استعمارية تبحث عن كل المبررات، وتعتبر العنف الاستعماري دفاعًا عن النفس بل تبحث عما تسميه جرائم جيش التحرير الوطني في حق المدنيين الأوروبيين.

  • ما هي أهم الملفات التي تحملها زيارة ماكرون إلى الجزائر؟

ينتظر أن تتناول الزيارة جميع الملفات المشتركة، فهي زيارة تفتتح نظرة ماكرونية لمستقبل العلاقات الثنائية، لاسيما في الجانب الاقتصادي الذي يهم فرنسا اليوم في ظل تهديد سيادتها الطاقوية بعد الحرب الأوكرانية.

بعد تنويع الشركاء الاقتصاديين بالنسبة إلى الجزائر، ما هو موقع الشركات الفرنسية في النسيج الاقتصادي الجزائري؟

أدركت فرنسا اليوم أنها لابد أن تستعيد المواقع التي فقدتها في السنوات الأخيرة في الجزائر. شركات فرنسية غادرت والطلب على الخدمات الفرنسية في تراجع أمام حضور تركي وصيني وإيطالي متنامي. على الفاعلين الاقتصاديين الفرنسيين اليوم أن يقدموا مزايا أكثر إغراء، ولا شك أنّ ما يحمله قانون الاستثمار الجديد قد يجلب شركاء فرنسيين ويغير نظرتهم من كونهم عارضي خدمات إلى منتجين ويكفوا عن اعتبار الجزائر بازارًا لمنتجاتهم.

  • بعد الانسحاب الفرنسي من شمال مالي، هل ستتحمل الجزائر تبعات القرار والثقل الأمني في منطقة الساحل الافريقي؟

المواقف الجزائرية من الوضع في مالي ليست مرتبطة بظروف طارئة، فالجزائر تنظر إلى مالي من منطلق البلد الشقيق والجار وأنها مصدر تهديد أمني دائم في الوقت ذاته. الجزائر تتحمل تبعات الوضع في مالي منذ عقود. "الطغمة الحاكمة" فضلت تسليم البلد لروسيا بعد انسحاب فرنسا والجزائر ستبقي على سياسة اليقظة.

أحسن خلاص: هناك لوبيات فرنسية تعتبر العنف الاستعماري الفرنسي دفاعًا عن النفس

  • هل ستكون أزمة الطاقة الدولية النقطة المحورية التي سترسم مستقبل العلاقات بين الجزائر وباريس؟

لا شك أن الجزائر صارت تتحسس اليوم لحاجة أوروبا للأمن الطاقوي، وفرنسا ليست استثناء في ذلك، وهذا ما سيجعل مسألة تزود فرنسا بالغاز الجزائري في قلب اهتمامات الزيارة، التخلص من التبعية لروسيا ليس سهلا، لكن الجزائر ستستغل الظرف للتفاوض بأريحية أفضل.