سياسة

حوار| المُؤرّخ كريستوف لافاي: اتُهمت بخيانة فرنسا لكنّي مستمر في توثيق جرائمها بالجزائر

28 أبريل 2025
حوار خاص للمؤرّخ الفرنسي كريستوف لافاي مع "الترا جزائر"
حوار خاص للمؤرّخ الفرنسي كريستوف لافاي مع " الترا جزائر"
طاهر حليسي
طاهر حليسي الجزائر

يستعرِض المؤرخ الفرنسي كريستوف لافاي، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة "بورغون" الفرنسية، تجربته الاستقصائية في البحث التاريخي حول الجرائم الاستعمارية التي ارتُكبت في الجزائر خلال الثورة التحريرية. وقد مرّ لافاي بمسار وتحوّل كبير، إذ ترك خلفه 12 عاماً قضّاها ضابطًا في الجيش الفرنسي، ليكرّس حياته لاحقًا للبحث العلمي الرصين. 

ومن خلال عمله، كشف رفقة المخرجة "كلير بييه" مُنذُ أشهر قليلة عن "قنبلة تاريخية" عبر الوثائقي "الجزائر وحدة الأسلحة الخاصة"، مثبتاً بالوثائق النّادرة كيف استفادت جرائم الحرب في الغازات والكهوف من تنسيق عسكري وسياسي رفيع المستوى.

 كما يُوضّح الدكتور لافاي خلفيات أبحاثه ونظرته إلى العديد من الملفّات المُرتبطة بمختلف قضايا الذاكرة العالقة بين فرنسا والجزائر. كما يعرِض مقاربته الخاصة في بناء ذاكرة مشتركة تهدف إلى المُصالحة، عبر طريق واحد يتمثّل في رواية "الألم الاستعماري" والاعتراف به. 

ويُؤكد في هذا الحوار الخاص مع " الترا جزائر" على ضرورة إعادة الاعتبار للحقيقة كمدخل وحيد يسمحُ للعلاقات الفرنسية الجزائرية بالخُروج من نفق الماضي الذي لا يمضي. الهدف، حسب رؤيته، هو الوصول إلى تطبيع سياسي كامل وواضح، خالٍ من العقد أو الخلفيات أو سوء النّوايا.

 

  • كنتَ مساعد منتج في وثائقي 'الجزائر: وحدات الأسلحة الكيميائية'، وذلك تتويجًا لزيارتك الأولى إلى "غارْ أوشْطُوح" في صيف 2024. ما هو سبب العودة الثانية إلى موقع تلك المِحرقة؟

في الواقع، عُدت مُجدّدًا إلى منطقة الأوراس لاستِكمال الصورة الكاملة لمِحرقة "غار أوشطوح" وللبحث في مغارات أخرى لا تزال تحتفظ بأسرار لم تُكشف على نطاق واسع. كُوني مؤرخًا، كان من واجبي أن أروي هذه القصة. في زيارتنا الصيف الماضي، رافقت المخرجة كلير بييه، التي اعتمدت على أبحاثي لإعداد الريبورتاج حول الوحدات الخاصة والجرائم المرتكبة الحرب الكيميائية. 

كريستوف لافاي: ما دفعني للغوص في ملفّ الإعدامات الجماعية شهادة الجندي الفرنسي "إيف كورنينو"، الذي أصيب بالغاز الكيميائي ورفع دعوى قضائية. في لقائنا عام 2015، أكد لي وجود الوحدات الخاصة المسؤولة عن إدارة هذه الحرب القذِرة

كانت رؤية كلير سينمائية، بينما كنت بحاجة إلى رحلة أخرى لأطرح أسئلة جديدة، ولإلقاء الضوء على النّقاط الغامضة في ذهني، وللتأكد من الحقائق الثابتة.

خلال العودة الثانية للمنطقة، استمعت إلى شهادات جديدة، كما التقيت بشُهود لم أتمكّن من لقاءهم في الزيارة الأولى. هذا سمح لي بفهم التسلسل التاريخي لمحرقة "غار أوشطوح" التي وقعت في يومي 22 و23 آذار/مارس 1959. اكتشفت أيضًا حقائق مؤلمة تتعلق بجرائم حرب حدثت في "غار أقْبَلِّي"، الذي زرته أيضًا، حيث التقيت بناجين وشُهود عيان، وهو ما أضاف بُعدًا جديدًا في فهم هذه الأحداث.

  • هل يعني هذا أنك بصدد إجراء بحثٍ أو تَحقيقٍ تَاريخيٍّ جَديد؟

بغضّ النّظر عن الإضافات التي جمعتها في "غار أوشْطُوحْ"، حيث التقيت بمجموعة من الشّهود من الدرجة الأولى، يُمكِن القول إنني وثّقت بشكل أدق سلوك استعمال المراهقين كقنابل بشرية. فقد روى بعض الجنود الفرنسيين هذه الواقعة في شهادات غير مباشرة، نقلًا عن جنود آخرين، لكنني تمكنت من تثبيت هذه الحقيقة من خلال ثلاثة شهود عيان كانوا حاضرين في الغار. 

كريستوف لافاي: ما حصلتُ عليه من شهادات موثُوقة من النّاجين من محرقة "غار أوشْطُوحْ" ثمّ "غار أقْبَلِّي"، يتطابق تمامًا مع روايات بعض الجُنود الفرنسيين. لهذا سأقدِّمه إلى الفرنسيين الذين يجهلون الكثير من الحقائق التاريخية

وفقًا لرواياتهم، خرج مراهقان من الغار بعد التعرض للغاز، فتم إعدام أحدهما رميًا بالرصاص، بينما تمّ القبض على الآخر، ولُغّم، ثم رُبط بحبل وأُرسل إلى داخل الغار. وعندما حاول فكّ الرباط، تمّ تفجيره عن بُعد، ممّا أدى إلى إصابة بعض الشهود الذين منحوني هذه الشهادة بحُروق في أجسامهم وأطرافهم.

ما حصلت عليه من شهادات موثوقة من النّاجين من محرقة "غار أوشطوح" ثمّ "غار أقْبَلِّي"، يتطابق تمامًا مع روايات بعض الجُنود الفرنسيين. لهذا السبب، أنا بصدد كتابة هذا وتقديمه إلى الفرنسيين الذين يجهلون الكثير من الحقائق التاريخية.

أمّا في "غار أقْبلِّي"، فقد اكتشفتُ قصة أخرى فتحت أمامي تحقيقًا جديدًا. جمعت شهادات حول إعدامات جماعية بأعيرة نارية مباشرة في الرأس، مست 22 شخصًا بعد تسميمهم بالغاز، بالإضافة إلى حالات اغتصاب لنساء وتدمير للمنازل في سلوك انتقامي، حيث أُبيدت عائلات كاملة. 

هذه الوقائع، بلا شك، تعدّ أركانًا لجريمة حرب. ومن واجبي كرسول للحقيقة أن أوثق هذه الأحداث وأرويها. كما أنّني سأعود في زيارة مطولة لتوثيق محرقة "غار أُو كرميش" نواحي "حيدوسة"، غرب باتنة، شرقي الجزائر.

  • لماذا يهتم مُؤرّخ فرنسي بكتابة هذه الأحداث؟ وكيف بدأت عنايتك بحرب الجزائر والحرب الكيميائية على وجه التحديد؟

تعرّفت على حرب الجزائر من خلال الدراسة التاريخية التقليدية، لكنّني تعمّقت في الموضوع حين بدأت أشتغل على دراسات تتعلق بتاريخ الجيش الفرنسي، الذي كتبت عنه عدة أعمال. ما لفت انتباهي أثناء تتبعي لعمليات الجيش الفرنسي في أفغانستان هو وجود سرايا كيميائية ضمن فرق الهندسة العسكرية.

هذا يشير إلى أنّ الجيش الفرنسي عاد إلى الأساليب نفسها التي كان يستخدمها في الجزائر لمجابهة التمرّد الداخلي، ومنها الحرب الكيميائية، التي اكتشفت أنها مستوحاة من حرب الكهوف في الجزائر.

كريستوف لافاي: سمَحت لي بعض الوثائق بالعُثور على دليل على وُجود وحدات خاصة تمّ فيها استخدام الغاز الكيميائي. كما مكّنتني من التأكد أنّ تلك العمليات لم تكُن أحداثًا معزُولة، بل كانت تتمّ بمُوافقة سياسية

من بين ما حفّزني للغوص في ملف الاعدامات الجماعية باستعمال الغاز، كانت شهادة جُندي فرنسي سابق يُدعى "إيف كورنينوّ، الذي أُصيب بآثار الغاز الكيميائي ورفع دعوى قضائية بسبب ذلك. هذا اللقاء في 2015، أكّد لي وُجود الوحدات الخاصة المسؤُولة عن إدارة هذه الحرب القذِرة.

ثم جاء قرار فتح الأرشيف الفرنسي بين عامي 2012 و2019، ما أتاح لي الاطلاع على وثائق تؤكد الوجود العملي لتلك الوحدات الخاصة. يتكون الأرشيف الفرنسي من عدة أنواع: الأرشيف الوطني، والأرشيف الوطني لما وراء البحار، والأرشيف الدبلوماسي، ولكن الأهم بينها هو الأرشيف الذي يوثّق عمليات الحرب الكيميائية. هذا الأرشيف عسكري بحت ويتبع سلطة مصلحة الخدمة التاريخية لوزارة الدفاع الفرنسية في قصر "فانسان".

في عام 2021، أُعيد إغلاق هذا الأرشيف عبر تعليمة وزارية مشتركة، حيث تقرّر إخراج كل الوثائق المتعلّقة بأسرار الدفاع من دائرة الاستغلال. هذا القرار فجّر نزاعات قضائية حكم فيها لصالح المؤرخين الذين عارضوا هذا الإجراء الذي يُعيق أداء مهامهم البحثية.

لاحقًا، واجهتُ صعوبات كبيرة بعد أن أصدرت وزارة الجيوش تعليمة في إطار قانون مكافحة الإرهاب والوقاية من الأعمال التخريبية في تموز/ يوليو 2021، تمنع الاطلاع على الأرشيف المتعلّق ببنود تقنية محضة تخص مكونات صناعة القنابل النووية والكيميائية. 

وقد تمّ تبرير هذا القرار بحجة منع تعميم هذه المعلومات أو تمكين الأفراد من معرفة كيفية تصنيع هذه الأسلحة الخطرة. 

ومن الطبيعي أن تندلع نزاعات قضائية بين المؤرخين ووزارة الجيوش بهدف كسر هذا المانع، الذي يتعارض مع روح القانون الذي صدر لإعادة فتح الأرشيف لفترة خمسين سنة مضت. 

وظيفة المؤرّخ ليست استغلال المعطيات التقنية، بل هي السعي وراء كشف الحقائق التاريخية. وفي النهاية، يبدو أنّ هناك نية مُضمَرة لإخفاء جرائم الحرب التي ارتُكبت باستخدام أسلحة مُحرّمة دوليًا، حيث تتعمّد وزارة الجيوش إخفاء هذه الجرائم تحت ذريعة حِماية سرّ صناعة الأسلحة غير التقليدية.

  • أكدت أبحاثُك أنّ تلك العمليات المُحرّمة كانت تحت تأطير قرارات سياسية. هل يمكِنك توضيح ذلك؟

بالعودة إلى الموضُوع، سمحت لي بعض الوثائق بالعُثور على دليل على وُجود وحدات خاصة تمّ فيها استخدام الغاز الكيميائي. كما مكّنتني وثائق أخرى من التأكد أنّ تلك العمليات لم تكُن أحداثًا معزُولة، بل كانت تتمّ بمُوافقة سياسية. توصّلتُ إلى أنّ قرار إنشاء وحدات خاصة للأسلحة الكيميائية تمّ اتخاذه في بداية عام 1956 خِلال حُكومة "غي موليه" الاشتراكية. 

ففي ذلك الوقت، قرّر وزير الدفاع "موريس بورجيس مونوري" (الذي كان زميلًا لوزير الداخلية "فرانسوا ميتران") إطلاق هذه الخُطة، مُخصصًا عام 1956 للتجارب الأولية في الجزائر.

بعد ذلك، نُقل القرار إلى الجيش الفرنسي، الذي أنشأ قيادة أركان خاصة لتنفيذ العمليات في الجزائر. وتبع ذلك قرار من الحاكم العام للجزائر يسمح باستخدام الغاز السام في المغارات والملاجئ للقضاء على مراكز جيش التحرير الوطني. 

وهذا يُثبت بوضُوح أنّ التغطية السياسية كانت حاضِرة، والمُوافقة على تنفيذ العمليات كانت مُؤكدة.

كريستوف لافاي: تمّ الترويج لفِكرة أنّ الغاز يُستخدم لحفظ الأمن، وليس كأداة قتل. هذه الحملة الدعائية حاولت بطريقة ناعمة، تطبيع الضمير الأخلاقي بغرض التغطية على الاستِخدام القاتِل للأسلحة الكيميائية في الجزائر

حصلتُ على هذه الوثائق من الأرشيف الوطني لما وراء البحار بعد عام 2021، بعدما اطلعت على وثائق الإنشاء في مصلحة الخدمة التاريخية لوزارة الدفاع الفرنسية.

وفي عام 1959، ومع مجيء الجنرال ديغول والجنرال شال، اللذين أطلقا سلسلة العمليات العسكرية الكبرى في الجزائر للقضاء على جيش التحرير، تمّ إعادة هيكلة 119 سرية مُتخصّصة في الحرب الكيميائية. كانت تلك الفرق قد تشكلت ضمن وحدة "السلاح الخاص" التي أُنشئت في الناحية العسكرية العاشرة بالجزائر العاصمة. 

وتمّ توقيع قرار إعادة الهيكلة إلى نحو 30 فرقة من قبل الكولونيل "آلان دوبواسيو"، وهو صهر الجنرال ديغول، الذي تزوج ابنته إليزابيت. ما يعني أن هذا الأخير كان على دراية تامة بما يحدث، وهو أمر بديهي، ممّا يوضّح بجلاء هذه العمليات المُحرّمة دوليًا تلقت الضوء الأخضر من أعلى هرم السلطة. 

بالمُحصّلة، هناك مسؤولية سياسية مُشتركة بين الجمهوريتين الرابعة والخامِسة في تأسيس وتفعيل الأسلِحة الكيميائية.

  •  أُجريت بعض التجارب النّووية الفرنسية في صحراء الجزائر تحت غطاء "التجارب العلمية" لتجنّب المُعارضة، فهل كان هناك تحايُل مُماثِل في موضوع الأسلحة الكيميائية؟

نعم، بالفعل. كان الأمر مشابهًا إلى حدّ بعيد. فقد كانت فرنسا قد وقّعت على "معاهدة جنيف لعام 1925" التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية، إلاّ أنّ المُعاهدة تضمّنت ثغرات قانونية، حيث كانت تركّز على منع استِخدامها في الحُروب بين الدول، دون أن تشمل النزاعات الاستعمارية أو الحروب الداخلية. يبدو أن السلطات الفرنسية استغلت هذه الثّغرات القانونية لتُجيز استخدام الغاز الكيميائي.

كريستوف لافاي: على عكس جرائم النّازية التي حظِيت بمُحاكمة نورمبرغ الشهيرة، لم تخضع الجرائم الاستعمارية لأيّ محاسبة، وذلك بسبب سياسات العفو وطمس الحقائق

في السياق نفسه، شنّت حملات دعائية من قبل عدة شركات منتجة للغازات السامة، خصوصًا من شركات أميركية كانت تتمتّع بنفُوذ كبير. تمّ الترويج لفكرة أنّ الغاز يُستخدم لحفظ الأمن، وليس كأداة قتل. هذه الحملة الدعائية حاولت، بطريقة ناعمة، تطبيع الضمير الأخلاقي بغرض التغطية على الاستخدام القاتل للأسلحة الكيميائية في الجزائر. 

ربّما يكون صحيحًا أنّ تلك المواد الكيميائية كانت تُستخدم لتفريق الحُشود خِلال عمليات حفظ الأمن، لكن المشكلة كانت في استِخدامها المكثف بتركيزات عالية، وبمُكوِّنات سامة مثل "الدي.أن.2.دي"، خُصوصًا في الأماكن المُغلقة. هذا ما جعلها تُصبح مبيدًا للبشر، وهو ما أثبته الخُبراء.

كريستوف لافاي: عدد العمليات التي استُخدِم فيها الغاز الكيميائي في الجزائر ما بين عامي 1956 و1962 يتراوح ما بين 5,000 و10,000 عملية

حالة الجُندي الفرنسي "كارنينو" تُؤكد ذلك. فهو واحد من آخر الجُنود الذين بقي متأثّرين بأمراض مرتبطة بأعراض استخدام الغازات الكيميائية. 

تمكّنتُ من الحصول على أرشيف عائلي من أبناء جُنود فرنسيين توفُّوا بسبب أمراض خطيرة، وأكدت الوثائق أن معظمهم عانى من سرطانات في المعدة والرئتين والمخ نتيجة لتلوث الدم بمادة "الأرسينيك" السامة، التي استُخدمت في تلك العمليات، وهي المادة التي تُصيب تلك الأعضاء بالضّرر الفتاك.

 أمّا القاضية التي حكمت لصالح "كارنينو"، فقد اعترفت أنّ هذه الحالة ليست الوحيدة، بل كانت هناك العديد من الحالات التي لم تصل إلى المحاكم، وأكدت أنّ الغاز المُستخدم كان قاتلًا.

  • هل يُوجد إحصاء دقيق لعدد العمليات التي جَرت وأعداد ضحايا حرب الكُهوف؟

لا توجد إحصائيات دقيقة، بالنّسبة لي، تمكّنت من إحصاء 450 موقعًا. وبحسب تقديراتي الشخصية، ومن خلال تتبعي لعمل فرقتين فقط، فإنّ عدد العمليات التي استُخدِم فيها الغاز الكيميائي في الجزائر ما بين عامي 1956 و1962 يتراوح بين 5,000 و10,000 عملية.

لكن العائق الأكبر في الوصول إلى تقديرات رسمية شاملة مبنية على خريطة دقيقة هو غلق الأرشيف الذي يحتوي على هذه الأسرار تحت طائلة السر العسكري.

كريستوف لافاي: ظهرت المتاعب الحقيقية في باريس عندما حاولتُ الوصول إلى وثائق وُصِفت بأنها "سرية للغاية". وبحُكم عملي الطويل في مجال الدفاع كضابط احتياط، ثمّ في البحث التاريخي بين 2010 و2022، فإنّ البعض ينظُر إليّ على أنّني "فرنسي خائن" 

خلال بحثي، التقيت برعاة في منطقة تيزي وزو (وسط الجزائر)، أكدوا لي أنهم أصيبوا في الثمانينيات، عندما كانوا أطفالًا يلعبون في أتربة المغارات التي كانت تفوح منها روائح غريبة. 

تعرّض بعضهم لالتهاباتٍ حادة، كما في حالة طفل تورّمت ساقه لأنه أخفى حفنة من تلك الأتربة في جيبه، مما استدعى علاجًا دام شهرين كاملين تحت إشراف أطباء روس كانوا يعملون في قطاع الصحة خلال تلك الفترة.

العديد من أهالي تلك المناطق اضطروا إلى غلق المغارات بالحجارة، خشية من تلك الروائح السامة. وهذا يفتح ملفًا آخر بالغ الأهمية، وهو ضرورة جرد وتطهير تلك المواقع من التلوث الكيميائي المتبقي حتى اليوم. 

وبالرّغم من عدم وجود أرقام دقيقة عن أعداد الضحايا، إلا أنّ القضية لم تتفجر إلاّ في وقت متأخر، وتحديدًا منذ عام 2018. وبذلك يتطلب الأمر بحثًا طويلاً وشاقًا.

وفي ختام الأبحاث التي بدأت، وأعتزم توثيقها في كتابٍ سيصدر في عام 2026، سيكون من أولوياتي وضع خريطة دقيقة لجميع العمليات التي تمت في المغارات. 

أرى أنّ هذه العمليات ذات صلة مباشرة بما كان يُعرف بعمليات "التدخين"، كما حدث في بداية الغزو الفرنسي لقبيلة "أولاد رياح" في منطقة الظّهرة. أطمح إلى أن أعرّف الفرنسيين، الذين يجهلون تمامًا جرائم الحرب في الجزائر – كما قال "جون ميشال أباتي" – بهذه الحقائق. 

أطمح لأن أساهم، ولو بشكل بسيط، في إعادة بِناء الذّاكرة التاريخية وتكريس الوقائع بمنهج موضوعي يرتكز على ثلاثة أضلاع: الأرشيف الفرنسي، شهادات الجُنود الفرنسيين، وإفادات شهود العيان الجزائريين. فوظيفتي، قبل كل شيء، هي الكشف عن الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة.

  • هل واجهت صعوبات أو ضغوطًا نتيجة سعيك وراء الحقيقة، خاصةً بسبب خلفيتك العسكرية؟

لم أواجه متاعب تُذكر في الجزائر، بل على العكس، فهنا يُنظر إليّ كباحث في التاريخ بغضّ النّظر عن جنسيتي الفرنسية. 

وعلى هذا الأساس، أنوي التعاون مع "معهد التاريخ بجامعة باتنة" (شرق الجزائر) للمُساهمة في مُعالجة هذا النّوع من الملفات، سواءً من خلال توجيه الطلبة للاستفادة من الأرشيف الفرنسي، أو بالإشراف على أبحاث تاريخية تتعلق بهذه القضايا الحساسة.

كريستوف لافاي: يبدو أنّ هناك نية مُضمَرة لإخفاء جرائم الحرب التي ارتُكبت باستخدام أسلحة مُحرّمة دوليًا، حيث تتعمّد وزارة الجيوش إخفاء هذه الجرائم تحت ذريعة حِماية سرّ صناعة الأسلحة غير التقليدية

المتاعِب الحقيقية ظَهرت في باريس، عندما حاولتُ الوُلوج إلى بعض الوثائق الأرشيفية الموصُوفة بأنّها "سرية للغاية". وبحُكم أنّني اشتغلت كثيرًا في مجال الدفاع، حيث كنت ضابط احتياط مٌؤرّخ بين عامي 2010 و2022، فإنّ البعض ينظر إليّ على أنني "فرنسي خائن".

لا تزال فئة من الفرنسيين تتصرّف كما لو أنّ حرب الجزائر لم تنته بعد، وبأن الموقف يُبنى على تصنيف جائر يُقسِّم الناس إلى فئتين: مع فرنسا أو ضدّ الجزائر، والعكس صحيح. في حين أنّني لستُ مع أحد، ولا ضدّ الجميع.

بالنّسبة لي، الأمر محسوم: الجزائر بلد مستقلّ، وما يهمّني كباحث ومؤرخ هو ما فعلته فرنسا الكولونيالية في الجزائر. وظيفتي هي البحث عن الحقيقة، وتقديم السردية التاريخية بوُضوح وجرأة. كل طاقتي موجّهة لتقديم سردية ذات مصداقية، تستند إلى الحقائق المؤكدة.

المُؤرّخ الفرنسي كريستوف لافاي في مقابلة مع مراسل "الترا جزائر" طاهر حليسي
  • أنشأتْ سُلطات البلدين لجنة لمعالجة قضايا الذاكرة، على أمل التوصّل إلى وفاق يفتح الباب أمام مسائل جدلية مثل الاعتذار. ما رأيك في ذلك؟

تعدّ هذه اللجنة تجسيدًا لقرارات سياسية بين البلدين، بينما تبقى قرارات مثل الاعتراف والاعتذار ذات طبيعة سياسية تتجاوز دوري كمؤرخ. 

أمّا بالنّسبة لي، أعتقد أنّ الأبحاث التي أقوم بها، ولا أعمل وحدي فيها بالطبع، فهناك مجموعة من المؤرخين الفرنسيين مثل رفائيل برانش، وسيلفي تينو، وفابيان ساكريست، الذين عملوا على مواضيع تتعلق بالجيش، والتعذيب، والمحتشدات التعسفية، والعدالة في فترة الاستعمار. 

نحن جميعًا نعمل على كتابة الحقيقة، وأظن أن مشروعنا يسهم بشكل كبير في تأسيس الطريق لما هو قادم، أي إنتاج مصالحة حقيقية بين الذاكرتين.

كريستوف لافاي: لا تزال فئة من الفرنسيين تتصرّف كما لو أنّ حرب الجزائر لم تنته بعد، وبأن الموقف يُبنى على تَصنيفٍ جائِرٍ يُقسِّم الناس إلى فئتين: إمّا مع فرنسا أو ضدّ الجزائر، والعكس صحيح. بينما في الحقيقة، لستُ مع أحد، ولستُ ضد الجميع  

ومن المؤكد أنّ هذا سيؤدّي إلى اتّخاذ قرارات هامة من قبل السياسيين، خاصة وأنّ الكثير من الفرنسيين لا يعرفون حقيقة حجم الجرائم المرتبطة بالكولونيالية. ووظيفتنا هي إبراز هذه الحقائق المُروِّعة المدفُونة تحت الرّكام. فعندما نعرض بعضًا من هذه الحقائق في المُلتقيات، نجدُ أنّ بعض الفرنسيين، بعد أن يسمعوا عنها، يقولون: "هل فعلت فرنسا هذا حقًا؟"

في رأيي، هناك جذور لمعضلة الجهل بالماضي الاستعماري، فالجرائم الاستعمارية – على عكس جرائم النازية التي حظيت بمحاكمة نورمبرغ الشهيرة – لم تحظَ بأية محاسبة، وذلك بسبب سياسات العفو وطمس الحقيقة. كما أنّه، للأسف، لا يوجد في فرنسا اليوم منصب بحثي رسمي أو كرسي جامعي مخصّص لدراسة حرب الجزائر. ولهذا السبب، تبقى العديد من الحقائق مجهُولة أو منسية، أو يتمّ السّكوت عنها.

كريستوف لافاي: ما يهمُّني كباحث ومؤرّخ هو ما فعلته فرنسا الكولونيالية في الجزائر. وظيفتي هي البحث عن الحقيقة، وتقديم سردية تاريخية ذات مصداقية بوُضوح وجُرأة

ما هو مُتاح لي حاليًا هو محاولة نشر هذه المعلومات وتعزيز النقاش حولها. سأقوم بذلك من خلال عرض هذا العمل الوثائقي في عدد من المدارس الفرنسية في مدينة "بوردو "خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. 

كما سأُنظّم لقاء مع طلبة جامعة "ميتز" فور عودتي إلى بلدي، بهدف فتح حوار معمّق مع الأساتذة والجامعيين حول هذا الفصل المسكُوت عنه من التاريخ الفرنسي الجزائري.

  • ما الذي يجب فِعله إذن لتسهيل ما تُسميه مُصالحة تعْقُب الحقيقة والمُصارحة؟

أعتقد أنّ التاريخ الصادق هو الطريق الذي يُمهّد للسياسيين حتى يتخذوا قرارات عملية تفتح باب المصالحة المبنية على الحقيقة والمصارحة. 

لتحقيق ذلك، يجب أن يتم العمل الذي لم يُنجز حتى الآن. إذ يدلّ جهل الفرنسيين بهذه الحقائق على أنّ هناك عملاً لم تقم به بعض النّخب ومنهم المؤرخين على وجه الخصوص. ومن هنا، فإنّني أرى أنه من الضروري اتباع مجموعة من القواعد الأساسية:

أولاً، يجب فتح الأرشيفات بشكل أوسع أمام المؤرخين وتمكينهم من تشكيل الحقائق بحرية وفقًا لمبادئ البحث التاريخي الموضُوعي، الذي يقوم على مواجهة الشهادات وتفكيكها. 

كريستوف لافاي: وظيفتنا هي إبراز هذه الحقائق المُروِّعة المدفُونة تحت الرّكام. فعندما نعرض البعض منها في المُلتقيات، نجدُ أنّ بعض الفرنسيين، بعد أن يسمعوا عنها، يقولون: "هل فعلت فرنسا هذا حقًا؟"

بعد ذلك، ينبغي دعم الجامعات وتوفير الوسائل الضرورية لتدوير الأبحاث التاريخية. على سبيل المثال، توقف العمل في "جامعة باريس واحد السوربون بونتيون" في هذا المجال بسبب غياب الدعم المادي، وهذا يُعدّ خسارة كبيرة للمجال الأكاديمي.

ومن هنا، أُهيب بزملائي الجزائريين إلى نقطة أساسية: العمل الجاد والضروري لجمع الشهادات الشفوية من الأحياء قبل أن يرحلوا، وتوثيق كل ذلك قبل فوات الأوان. فالذاكرة الحقيقية ليست دائمًا محفوظة في الأرشيفات الباريسية، بل رافدها الأساسي لا يزال موجودًا في القرى والمشاتي الجزائرية.

لا أحد ينكِر أهمية الأرشيف الفرنسي، لكن علينا أن نكون صرحاء: هذا الأرشيف لن يكون متاحًا بسهولة. في كثير من جوانبه، هو أرشيفٌ مخفيّ، لأنّه مرتبط بجرائم حرب، ويستحيل غالبًا كشف الغطاء الكامل عنه أو التّعويل عليه وحده في جرد الحقائق التاريخية.

كريستوف لافاي: الأرشيف الفرنسي لن يكُون متاحًا بسُهولة. هو أرشيفٌ مخفيّ، لأنّه مرتبط بجرائم حرب، ويستحيل غالبًا كشف الغِطاء الكامل عنه أو التّعويل عليه وحده في جرد الحقائق التاريخية

أعتقد أنّ دراسة التاريخ بعقلٍ موضوعي ومجرّد هو الجسر الذي يمكِن أن يربط الذاكرتين الجزائرية والفرنسية. وهذا قد يقود، يومًا ما، إلى مصالحة حقيقية للذاكرة. 

علينا أن نعي أنّ نجاح الوثائقي المتعلّق بالأسلحة الكيميائية في الجزائر كان قويا ومؤثّرًا لأنّه جاء ثمرة تعاون بين الطرفين.

  • كيف كانت إفادات الشُّهود الذين التقيتَهم؟ وبماذا شعرتَ تحديدًا كإنسان قبل أن تكون مؤرخًا؟

لقد تأثرتُ كثيرًا. لا يخلُو الأمر من لحظات مُثيرة على الصعيد الإنساني، خاصة عندما كان بعض الشهود على شفير الدموع وهم يروون ما عاشوه من أهوال وآلام. 

شعرتُ بعمق المأساة، لكنني كنتُ أيضًا مبهورًا بشجاعتهم في نقل الحقيقة، وبالكرامة التي تميّز بها سردهم لتلك المآسي. بعضهم لا يزال يحمِل تلك العذابات في أبدانهم المحترقة.

كريستوف لافاي: ما هزّني بعُمق هو قُدرة الشّهود على الفصل بين الأشخاص وبين السياسة. فما جعل شهاداتهم قوية ليس فقط صدقها، بل كونها لم تكن انتِقامية، لم تكن تصفية حسابات مع أحد بل يُحمّلون ما جرى لفرنسا الاستعمارية

ما جعل الشهادات التي جمعتها قوية ليس فقط صدقها، بل كونها لم تكن انتقامية، لم تكن تصفية حسابات مع أحد بل يُحمّلون ما جرى لفرنسا الاستعمارية. كانت مُوجّهة بالأساس نحو إدانة جرائم فرنسا الاستعمارية، وتحديدًا الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي الاستعماري.

ما هزّني بعُمق هو قُدرة الشّهود على الفصل بين الأشخاص وبين السياسة، وهذا موقف أخلاقي وإنساني عظيم، لا بُدّ من تقديره واحتِرامه، ومن ثمّ نقله بأمانة ومسؤُولية في رواية تلك الفجائع، ضمن سردٍ أكاديمي دقيق، يُنصف الحقيقة، ويخلّد أصوات من عانوا، وصمدوا، ثم تكلّموا. 

لذا، يبدُو أنّ نقل شهادتهم للضفّة الأخرى أمانة يجب تحمّلها إلى النهاية، على أمل أن يُواصِل الذين يأتون من بعدِنا التدوين والتأْرِيخ للحقيقة التاريخية.

الكلمات المفتاحية

مجلس الأمة ( صورة: أرشيف)

مجلس الأمة وسُلطة التعديل.. كيف تُعيد الغُرفة الثانية صياغة القوانين؟

جاء مِيلاد مجلس الأمة في الجزائر سنة 1996  في سياق سياسي وأمني بالغ الحساسية، حيث لم يكن مجرّد استكمال لبنية البرلمان الجزائري، بل نتاجًا مباشراً لتحولات عميقة فرضتها ظروف تلك المرحلة.


برونو روتايو، وزير الداخلية الفرنسي (مونت كارلو)

برونو روتايو رئيسًا لحزب "الجمهوريين" على أكتاف "الملف الجزائري".. واحتمالات ترشحه للرئاسة الفرنسية تتعزز

في مشهد سياسي فرنسي سريع التغير، شهدت باريس انتخاب برونو روتايو وزير الداخلية الحالي وصاحب النظرة المتشددة ضد الجزائر، رئيساً لحزب "الجمهوريين"، بنسبة 74.31 بالمائة من الأصوات، في انتصار ساحق على منافسه لوران فوكيي.


(الصورة: فيسبوك)

مرشحٌ وحيد.. عزوز ناصري في طريقه لخلافة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة

أعلن رئيس كتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة، ساعد عروس، ترشيح عزوز ناصري لمنصب رئيس مجلس الأمة.


مجلس الأمة

خليفة صالح قوجيل على رأس مجلس الأمة.. أسماء تنتظر "الضوء الأخضر"

على بُعد أقل من 72 ساعة من موعد انتخاب خليفة رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل، المقرَّر يوم الاثنين الـ19 من الشهر الجاري، في جلسة علنية عامّة ستعرف تنصيب الأعضاء الجُدد لمجلس الأمة بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025، يتواصل الغموض حول هوية خامس رئيس للهيئة التشريعية منذ تأسيسها سنة 1996.

كيليا نمور_0.jpg
رياضة

تغييرات مصيرية في مسار كيليا نمور تحضيراً لأولمبياد 2028.. وخط الرياضة يسير مع الفن والتأثير

أعلنت البطلة الأولمبية الجزائرية كيليا نمور عن مرحلة جديدة في مسيرتها الرياضية، تتمثل في تغيير ناديها ومدربها استعدادًا لدورة الألعاب الأولمبية المقررة في لوس أنجلوس عام 2028، حيث ستخوض هذا التحدي الكبير تحت الراية الجزائرية.

الصحفي رؤوف حرز الله
أخبار

قضية منع الصحفي رؤوف حرز الله من السفر تتفاعل.. منظمات حقوقية تندد ووزير الاتصال يلجأ للقضاء

أكدت منظمة شعاع الحقوقية أن قرار منع الصحفي الجزائري عبد الرؤوف حرز الله من السفر، دون إشعار رسمي أو إجراءات قضائية معلنة، يعدّ انتهاكاً صارخاً للضمانات القانونية والدستورية التي تكفل حرية التنقل وحقوق المواطنين الأساسية.


دومينيك دوفيلبان, رئيس الحكومة الفرنسية سابقا
أخبار

دومينيك دوفيلبان يهاجم "الخطاب الحربي" لبرونو روتايو ضد الجزائر.. ويشيد بجورجيا ميلوني

انتقد رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، بشدة الخطاب العدائي تجاه الجزائر الذي تبناه بعض السياسيين الفرنسيين، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو ريتايو، محذرًا من العواقب الخطيرة لهذا النهج الذي وصفه بـ"الخطاب الحربي" وغير الواقعي.

طلبة الجامعي
أخبار

إصلاح نمط تكوين الدكتوراه.. هل هي خُطوة لتصحيح المسار الأكاديمي؟

تنجه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على إحداث تغيير جوهري في نمط التكوين في طور الدكتوراه، من خلال اعتماد نموذج "مضاف الدكتوراه"، الذي يهدف إلى ربط التكوين بالاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية.

الأكثر قراءة

1
رياضة

مولودية الجزائر تنفرد بالصدارة وتقترب من التتويج بلقب البطولة


2
أخبار

هل خسرت رونو 120 مليون أورو في الجزائر؟ وزير الصناعة الأسبق يكشف معطيات جديدة


3
أخبار

النيجر ستستقبل 4 آلاف مهاجر رُحّلوا من الجزائر دعمًا لبرنامج "الإعادة إلى الوطن"


4
أخبار

تصعيدٌ مستمر بين البلدين.. الجزائر ترد على فرنسا بشأن فرض التأشيرات على حاملي الجوازات الدبلوماسية


5
اقتصاد

مشروع قانون المناجم في طريقه للتمرير.. مخاوف المعارضة تتوسع من "رهن الثروات الوطنية" و"التبعية للخارج"