11-نوفمبر-2019

حسني عبيدي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي بجنيف (جريدة الخبر)

يرى رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسّط بجنيف، حُسني عبيدي، أنّ مطلب المبعوث الأفريقي هو فرصة الجزائر الوحيدة، من أجل استعادة ملفّ ليبيا بعد إقصائها من المشاركة في مؤتمر برلين، المُزمع عقده قبل نهاية السنة الجارية.

حسني عبيدي: الليبيون استغربوا إقصاء الجزائر من  المشاورات الدبلوماسية حول أزمة بلادهم

ويربط عبيدي، سبب إبعاد الجزائر من اللقاء الدولي الهام، بالأحداث التي تعيشها داخليًا، منذ بداية حراك 22 شباط/فيفري 2019، وهو ما تستغلّه أطراف دولية أخرى لمحاولة رسم خارطة جديدة بالإقليم.

إقرأ/ي أيضًا: الجيش الجزائري.. عين على ليبيا وأخرى على تونس

يفسّر عبيدي أيضًا، إقصاء الجزائر من الملّف الليبي، بتراجع دورها في المنطقة سياسيًا، وهو ما استغلّته فرنسا وألمانيا لصالحها، ويستشهد في إجابته على سؤال "الترا جزائر"، بالمؤتمر غير المعلن، الذي عقده مبعوث الأمم المتّحدة غسّان سلامة، القريب جدًا من الموقف الفرنسي بالتوافق مع الحكومة الألمانية، أجمعوا فيه على استبعاد الجزائر وتونس وتركيا من المحادثات.

  • بداية، لماذا لم تُشرَك الجزائر في لقاء برلين حول ليبيا المزمع عقده قبل نهاية السنة؟

لأوّل مرّة منذ بدأ المشاورات الدبلوماسية حول الأزمة الليبية يتمّ إقصاء إقصاء الجزائر، الأمر الذي أثار دهشة العديد من الدول المهتمّة بالملفّ الليبي، ناهيك عن الليبيين أنفسهم الذين لم يستسيغوا عدم إشراك الجزائر في الجولات المتعدّدة التحضيرية التى عقدت في أيلول/سبتمبر، وتشرين الأوّل/ أكتوبر، إضافة إلى مؤتمر غير معلن عقده، في مدينة مونترو السويسرية بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، مبعوث الأمم المتّحدة غسان سلامة القريب جدًا من الموقف الفرنسي وبالتوافق مع الحكومة الألمانية، اتفقا على استبعاد الجزائر وتونس وتركيا من المحادثات، هذا السلوك يحمل تناقضًا كبيرًا.

الدولة الراعية ألمانيا، تقول إنّ مؤتمر برلين يهدف لوضع حدٍ لخلافات الدول الكبرى حول الأزمة الليبية، في حين أن دولًا أخرى تمت دعوتها لجميع اللقاءات التمهيدية، هذا الإقصاء ينمّ عن قناعة بعض الأطراف بأن دور الجزائر في ليبيا لم يعد محوريًا وتأثيرها أصبح محدودًا وهو ما استغلته دول إقليمية أخرى.  

  • هل تعتقد أن الوضع الداخلي في الجزائر وراء تحييدها من قبل برلين من المشاركة في هذه القمّة؟

السياسة الخارجية هي مرآة للسياسة الداخلية، والوضع الذي تعيشه الجزائر ساهم في تحييدها من العديد من الملفّات الدولية وأعطى ذريعة لدول عدّة لتتخلّص من الجزائر باعتبار أنها كانت تعمل على منع الدول الأجنبية من بناء استقطابات تؤثر سلبًا على استقرار منطقة جنوب المتوسط.

لكن السبب الحقيقي؛ يكمن في التقهقر الذي تعاني منه السياسة الخارجية منذ وصول بوتفليقة الذي كان المسؤول الفعلي والوحيد في السياسة الخارجية وجعلها رهينة حساباته الخاصّة. بوتفليقة يرفض بروز شخصية وطنية في الخارج يمكن أن يُنظر إليها كخليفة محتمل ولذا عمل على جعل الوزارة ملحقة للرئاسة والوزير مجرّد موظف سام لا أكثر؛ مما أفقد الوزارة هامش الحركة والقدرة على بلورة عقيدة جديدة في الخارجية. ومنذ مرض الرئيس لم تستطع الدبلوماسية الجزائرية إيجاد نفسٍ جديد ولا رؤيا في مستوى حجم ومصالح الدولة.

أستثني هنا، فترة وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة الذي كان دبلوماسيًا محنّكًا ومحترمًا من الجميع؛ فالخارجية أسندت لرجال بعيدين كل البعد عن أبجديات الدبلوماسية وانتهت المهمة إلى الوزير عبد القادر مساهل، الذي فشل فشلًا ذريعًا في إدارة الخارجية الجزائرية، إذ كان ينظر لها كمدرسة في العالم الثالث وكان صوت الجزائر يُسمع في جلّ المحافل الدولية وجهودها في الوساطة يشهد لها الجميع بالمهنية والرصانة.

من جهة أخرى، الملفّ الليبي ملفّ حساس وله أبعاد أمنية خطيرة وهو ما فرض مشاركة الدوائر الأمنية مع الدبلوماسيين، الأعباء السياسية والأمنية التي تتحمّلها المؤسّسة العسكرية حاليًا، إذ أثّرت على الأداء السياسي الخارجي منذ 22 شباط/ فبراير ؛ في حين أنه كان من الأجدر تسيير مسارين؛ الأوّل للسياسة الداخلية والمسار الثاني للسياسة الخارجية، بإدارة مهنية مما يجنّب أي تصدّع في السلوك الخارجي عندما تكون الدولة عرضة لتقلّبات داخلية.

أكثر من ذلك، كان بالإمكان أن توظّف الدبلوماسية الجزائرية الحراك الشعبي في سياستها الخارجية كمؤشّر على حيوية المجتمع المدني وقدرة الجزائر على التغيير السياسي السلس وبدون تكلفة.

  • كيف تقرأ نوايا برلين من الملف الليبي وهل تعمّدت اسقاط الجزائر من أجندة وزير خارجيتها الذي أجرى جولة إقليمية للجوار مؤخّرًا؟

المستشارة ميركل تُراهن على هذا المؤتمر لإعادة ألمانيا للساحة الدولية، وإذا فشلت ستكون صفعة لها وورقة في يد المعارضة التي ستُجبر ألمانيا على العودة إلى حيادها المعهود؛ لذا فإن المقاربة الألمانية تعتمد على واشنطن التي قامت بإيفاد سفيرها في طرابلس للجزائر، وأنقرة وموسكو أي أن ألمانيا لا تريد إعطاء ثقة كاملة للثنائي سلامة - لودريان. 

أعتقد أيضًا أن إقصاء هايكو ماس وزير الخارجية الألماني لزيارة الجزائر في جولته الإقليمية الأخيرة، خطأ استراتيجيٌّ لأنّه يعزل ألمانيا من المحيط الطبيعي لليبيا، ويُضعف الموقف الألماني أمام أطماع دول غربية متنافسة فيما بينها على مناطق نفوذ داخل ليبيا، كما أن الخبرة المنقوصة لدى وزير الخارجية الألماني عامل سلبيٌ يؤثّر حتمًا على التحضير للمؤتمر وبدأ بخلل إبعاد دول مهمّة كالجزائر من الاجتماعات التمهيدية.  

  • ألمانيا في مؤتمرها الليبي منحت تقديرًا كبيرًا لكل من فرنسا ومصر والإمارات ودعتها للقاء.. لماذا؟ وهل هناك محاولة لإعلاء كفّة قوى إقليمية على حساب أخرى في الملف الليبي؟

قرار الأمم المتحدة وألمانيا وفرنسا عقاب لدول الجوار التي تعاني من تبعات الأزمة في ليبيا، وتتحمل جهدًا إنسانيا وأمنيًا يرهق اقتصادياتها وهي الدول الوحيدة التي وقفت على مسافة واحدة من كل الأطراف وتكريم للدول التي ساهمت في تمديد عمر الأزمة. نحن أمام مشهد جديد لاعبه الأساسي هو المحور المقبول فرنسيًا. أي أن مؤتمر برلين إذا لم يتم تصويب مساره فإنه سيفضي إلى مزيد من التشنّج والانقسام داخل المجتمع الدولي.

الملفت للانتباه أن المقاربة الفرنسية حيال الأزمة الليبية والتي أثبتت فشلها مرارًا يتمّ تدويرها في ألمانيا، ونظرًا لعدم خبرة الألمان في معالجة أزمات المنطقة العربية وخاصة ليبيا من الصعب عليهم مقاومة ضغط رجل الأمم المتحدة التي فقدت حيادها وكذا فرنسا. إذا استمرّ هذا السيناريو فإن محرّكات مؤتمر برلين لن تختلف عن اللقاءات السابقة، والتي باعت الحلم لليبيين دون تقدُّم ملحوظ. 

  • كيف تتصوّر نتائج قمة برلين في غياب الجزائر وأيضًا تونس اللتين شاركتا مطولًا في عدّة قمم ثلاثية بإضافة مصر حول الملف الليبي؟

صحيحٌ أن القمم الثلاثية لم تحقّق ما كان مرجوًا منها ما عدا التركيز على أهميّة دول الجوار، لكن الدور المصري مشكوك في نزاهته وحياديته من قبل حكومة طرابلس.

المقاربة الجديدة لألمانيا ومبعوث الأمم المتّحدة تنسف كل ما سبقها من محاولات لإيجاد مخرج ولا تريد البناء عليها، معتبرة إياها غير صالحة للاستعمال في حين أن الاجتماعات الثلاثية وحتى ما قامت به الجزائر قبل اتفاق الصخيرات من حوار للقبائل والمكوّنات المحليّة، كان يمكن أن يؤدّي إلى نتيجة لولا تعثر الأمم المتحدة وتسرّعها وكذا الصراع الحاد بين الأطراف الإقليمية.

واستمرار تجاهل ألمانيا الجزائر وتونس إضافة لممثلي الشعب الليبي سيصعب من مهمّة الأمم المتحدة والدبلوماسية الألمانية ولن يختلف عن المبادرات السابقة، فألمانيا تعول كثيرًا على تحقيق اختراق في الملف الليبي خلافًا لاجتماعات باريس وباليرمو التي نظمت من قبل باريس وروما.

كما أن اجتماع برلين يعتبر تحديًا كبيرًا للسياسة الألمانية التي تخرج عن حيادها الإيجابي وترمي بكل ثقلها في الأزمة الأكثر تعقيدًا في  أفريقيا، بالنظر لنقص الخبرة لدى وزير الخارجية الألماني، فإن غسّان سلامة وخلفه فرنسا يعملان بقوّة من أجل توجيه برلين في الاتجاه الذي يتفق مع مصالحها، وهو الأمر الذي يفسّر استعانة ألمانيا بواشنطن التي يمكن أن تساعد في الملفّ لكن بما يضمن مصالحها الأمنية والاقتصادية.

  • إيطاليا وتركيا استنكرتا إقصاء الجزائر ودول جوارٍ أخرى، وطالبتا بضرورة إشراكهم في القمّة كيف نقرأ ردة فعل هذه الدول إستراتيجيًا؟

ليس حبًا في الجزائر، وإنما مردّه تقارب الموقف الجزائري مع موقف أنقرة وروما في محورية الحل السياسي؛ ولأن الجزائر غير راضية عن الموقف الفرنسي ورغبة باريس بالانفراد بالملف الليبي، فإنّها تلتقي مع إيطاليا وتركيا.

كما أن لإيطاليا مصالح نفطية كبيرة في ليبيا، وتربط تركيا بمصراته وطرابلس علاقات وثيقة ولا تريد التفريط في مصالحها، وغياب الجزائر سيرجّح بالضرورة كفّة مخرجات مؤتمر برلين لصالح باريس.

زيارة وزير الخارجية التركي للجزائر هي رسالة لألمانيا وفرنسا، بقدرة تفعيل محور جديد في المعادلة الليبية وهي كذلك رسالة للجزائر من أجل أن تستعيد زمام المبادرة في أزمة تُعتبر في صميم العمق الاستراتيجي للأمن الجزائري.  

  • الجزائر لم تصدر لحد الساعة رداً واضحا بخصوص قرارات برلين، عدا كلمة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في القمة الـ 18 لرؤساء حركة عدم الانحياز بأذربيجان نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، كيف يمكن قراءة الدور الدبلوماسي للجزائر ولماذا هذا الصمت؟

انتكاسة كبيرة تعيشها الدبلوماسية الجزائرية على كل الأصعدة بعد الزمن الذهبي، الذي ساهم فيه محمد الصديق بن يحيى، محمد الصالح دمبري، والأخضر الإبراهيمي، وساهم في فشل الجهاز الدبلوماسي الرئيس السابق بوتفليقة وطبيعة النظام السياسي السلطوي الذي طوّق العمل السياسي داخليًا وخارجيًا، وأدّى إلى تراجع الأداء الدبلوماسي منذ سنوات عربيًا و أفريقيا ودوليًا، رغم وجود دبلوماسيين أكفاء يقاومون من أجل الدفاع عن مصالح الوطن في  أفريقيا القارة الوحيدة التي عرفت أكثر من خمسة مبعوثين أمميين، مثل محمد سحنون وسعيد جنيت، وليلى زروقي، ورمطان لعمامرة، ومفوّض الأمن في الاتحاد الأفريقي إسماعيل شرقي.

الرداءة في التكوين والمحسوبية والجهوية نخرت أيضًا قطاعًا كان جوهرة الجزائر، وتلك نتائج حتمية للاختطاف الذي تعرّضت له الخارجية من قبل جهات لها علاقة بالمهنة ولا بالعلاقات الدولية.

للجزائر فرصة في التأثير بقوّة في الأزمة الليبية، من خلال المطالبة بمبعوث أفريقي وحتمية أن يكون الحلّ  أفريقيا لأنّ القارّة السمراء هي أوّل ضحية لاستمرار الأزمة في ليبيا. على دول الساحل ودول شمال  أفريقيا الاستعانة بالمؤسّسات الأفريقية على هشاشتها لأنّ ذلك منفذٌ مهمّ وبناء للخروج من النفق.

حسني عبيدي: هدف مؤتمر برلين هو إيجاد توافق دولي ينتقل إلى توافق إقليمي من شأنه توقيف الدعم العسكري  للأطراف المتصارعة

  • هل ستكون نتائج قمة برلين، ملزمة للأطراف الفاعلة في ليبيا وهل الأخيرة ستقبل بالنتائج سيما إن تضمّنت بعض الإملاءات؟

هدف مؤتمر برلين، هو إيجاد توافق دولي ينتقل إلى توافق إقليمي من شأنه توقيف الدعم العسكري وتصدير السلاح للأطراف المتصارعة، أيّ أنه يبحث عن تأثير دولي على الأطراف المحليّة.

هذا التوافق يريده غسان سلامة شرطًا للوصول إلى قرار أممي من مجلس الأمن يكون ملزمًا لجميع الأطراف، على أن يلي مؤتمر برلين أو ميونيخ مؤتمرات أخرى في تونس وسويسرا وليبيا، لإيجاد أرضية مشتركة بين الليبيين وإحياء مشروع مؤتمر جامع لليبيين في مدينة غدامس. الفرضية الغائبة في هذه المقارنة هي هامش الحرّية والاستقلال الذي وصل إليه أطراف الخلاف في ليبيا، وقدرتهم على الاستمرار في الخلاف حتّى دون تأثير دول الإقليم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر خارج حسابات الأزمة الليبية

هل طلب السراج من الجزائر مساعدات عسكرية حقًا؟