22-نوفمبر-2022
المخرج الجزائري حميد بن عمرة (الترا جزائر)

المخرج الجزائري حميد بن عمرة (الترا جزائر)

"أعرف أن ذكره يمرّ صمتًا عند بعض النقاد الذين أحترمهم، ويزعج العديد الذين بالكاد يفرّقون بين الألف ورأس المئذنة، مخرج يتجاوز الجميع، مشبع بالأفكار ومليئ بالمعرفة، الإنسان عنده مناسبة للسينما والسينما لا تعني شيئا إذا لم تكن مبدعة".. كلمات قالها الناقد السينمائي اللبناني محمد رضا في حق المخرج الجزائري حميد بن عمرة، المقيم في المهجر، الذي أخرج أول فيلم عام 1981، وله عدّة أعمال من بينها "حزام"، "شيء من الحلم، شيء من الحياة"،.. وغيرها.

المخرج حميد بن عمرة:  السينما التي أمارسها لا يدعمها لوبي فرنكوفوني أو حاشية معينة فقط لأنّي لا أصور الخرفان والإبل والحجاب والختان والشاورمة

المخرج حميد بن عمرة في هذا الحوار مع "الترا جزائر" يتحدث عن فيلمه الجديد "موسم حصاد الأحلامّ" وعن موعد عرضه، إضافة إلى تطرقه لموضوع "منع" أفلامه في المهرجانات، وواقع السينما الجزائرية ورؤيته الإخراجية وفلسفته في معالجة الأفلام.. وغيرها من النقاط.

  • بداية حدثنا حول قصة فيلمك الجديد "موسم حصاد الأحلام" والممثلين المشاركين به

اليابان والجزائر يلامسان نفس خطوط العرض وبالتالي يستقبلان نفس النور، أول شيء لاحظته عام 2009، تاريخ أول اللقطات بطوكيو هو تقارب انعكاس الشمس على الوجوه مع ما نشأة عليه بالجزائر، ذهبت مع فنانة تشكيلية لتصوير موضوع حول رجوعها الى الوطن بعد غياب دام عقود، لكن النية الأولى تغيرت عندما وطأت قدمي هذا البلد، أول شيء حيرني هو وقوف الدراجات دون رباط، أي أن هناك ثقة تامّة، لا يمكن أن تُسرق دراجتك لأنك دخلت محلًا أو دخلت مطعمًا، هذه اللحظة المفصلية كانت حاسمة، شعرت براحة البال فورًا".

مشهد من فيلم

و"موسم حصاد الأحلام" هو نسيج عنكبوتي حول خياطةورسامة يابانية "كيوكو ساكا زاكي" في السبعين، تعيش في باريس وتحلم ببلدها البعيد، ترافقها راقصة يابانية في الثلاثين "سنائي داردان" تحاول ربط حركة الرقص بالخط الياباني وإيجاد سبيل للكتابة في الفضاء، بينهما موسيقي يتنقل بقيثارة "رودريغ بيرفيوي"ويغني بلغة مجهولة.

الفيلم مبني على وزن شعر الهايكو الياباني، أي أنك أمام قصيدة وجيزة مرصوصة بعيدة عن القافية وعن الزخرفة، موسيقى مارسال خليفة ورامي خليفة تكونان جزءًا من السرد، حيث النوطة ليست حاضرة لتزيين المشهد بل شخصية تملا الصمت وتداعبه، ليس هناك قصة كلاسيكية ببداية ونهاية بل الفيلم عبارة عن رحلة وجدانية بين شخصيات تبحث ماهية الحب والعشق.

متى سيعرض الفيلم.. وهل سيعرض في الجزائر؟

يسعدني دومًا عرض أفلامي بالجزائر وتخصيص العرض العالمي الأول لها لكن كل المهرجانات مسدولة الشاشات،أنت لا تعرض فيلمًا أنجز في ظرف سنوات من العناء وديون متراكمة عبثًا في أي مكان، إذ أن الفلمين الأخيرين "حزام" و"تايم لايف" عرضا كلاهما في مهرجانين مصنفين "أ " وكما تعرف هناك 14 مهرجانًا بهذا التصنيف فقط.

مشهد من فيلم موسم حصاد الأحلام

  • على حسابك بفايسبوك عادة ما تنتقد في منشوراتك مهرجانات سينمائية لعدم عرضها أفلامك؟ ما هو السبب؟.. وهل لذلك علاقة بأنك سينمائي مستقل؟

أنا لا أنتقد بل أفتح النقاش وأتساءل علنًا، ليس فقط بخصوص عملي بل أفكر في الأجيال القادمة، السبب جليّ في منشور الأستاذ محمد رضا عندما يقول "إن الناس عندما لا يفهمون أو غير قادرين على تقييم عمل ما فإنهم يتجاهلونه لإخفاء جهلهم". ويضيف "إنهم كانوا يتجاهلون أفلام برغمان و تاركوفسكي لانهم لا يفقهون فيها شيئًا".

ثم عندما تصارح الآخرين يعتبرون هذا شتمًا وبالتالي يجدون في قراءة خاطئة عمدًا، عذرًا وسببًا لمقاطعتك، كمن يتهم كلبه بالكلب كي يقتله، فقط هم لا ينتبهون من هم الكلاب فعلًا؟ لا علاقة للسينما الحرة المستقلة بالمنع لأن السينما التي أمارسها لا يدعمها لوبي فرنكوفوني أو حاشية معينة فقط لأنّي لا أصور الخرفان والإبل والحجاب والختان والشاورمة، إنّه حقد عنصري يرفض أن يكون للسنيمائي الجزائري تفكير مستقل عن تخميناتهم المتخمة بالدسمة وبالفولكلور.

العنصرية هي أن ترفض أن يفكر الآخر بشكلٍ مختلف عنك، فالعنصرية ليست فقط تجاه بشرة ما أو دين ما، طبعًا لست يهوديًا ولا مسيحيًا حتى يرضى عني مهرجان "كان" أو "البندقية " ولست مثليًا ولا منخرطًا في جمعية نسوية مضادة لموسكو أو إيران، هناك تعليمات تنقل بين بعض الأشخاص الذين يمثل حضوري عندهم كشفًا لصغرهم.

المهرجانات العربية حاليًا، طبعًا هناك استثناءات، عبارة عن تجمعات تجد أغلبية الحاضرين فيها مدراء المهرجانات الموازية وبالتالي يتبادلون الدعوات على مرّ السنين، إنه نادي يتجول فيه المدراء باستمرار ويحلّون ضيوفًا كل مرة هذا عند الآخر، لقد تحولت هذه الأماكن الى نوادي غسيل أموال، الخاسر في هذه القضية هو جمهور هذه المهرجانات لأني شخصيًا شاهدت الفيلم.

  • تشارك في مهرجانات الفيلم الاسلامي بـ"قازان" الروسية، بشكل مستمر، كعضو لجنة تحكيم، حدّثنا عن هذه التجربة وهذا المهرجان؟   

مدينة "كازان" هي أول مكان دخله الإسلام بروسيا وبالشرق الأوروبي، أي أنك بمكان تاريخي هام. المهرجان مفتوح للسينما القادمة من البلاد الإسلامية، لكن ليس شرطًا أن تكون أفلامًا دينية، هناك تواؤم رائع بين الأرثوذوكسية والإسلام في كل مرافق الحياة، أن تكون بالتحكيم مع شخصيات من مصر وتركيا وروسيا وكازاخستان والهند والإمارات شيء يفتح عندك شهية الرأي والتأويل المختلف عن ثقافتك الشخصية، فتكتشف قراءات متعددة لنفس المشهد وتتأكد أن السينما فن الأنا والآخر.

ما هو ثمين هو أنك تدافع عن رؤيا شخصية تسقطها على فيلم تريده أن يتوج وتحاول اقناع غيرك بضرورة اختياراتك، التحكيم ليس حسم مثلما يفعل القاضي بالمحكمة بل تقييم تقني وفني لعمل ما حسب تجربتك وحساسيتك، تقييم يبقى دومًا قابلًا للطعن، لذا قد تجد تقاربًا بين ميولك الفنية بينك وبين الهندي أكثر مما تجده بينك وبين المصري أو التركي، التقارب اللغوي والديني لا يكفي في عملية القراءة الفيلمية.

مشهد من فيلم موسم حصاد الأحلام

ما غمر قلبي بالسعادة هو استقبال وزيرة الثقافة التتارية للجنة التحكيم في مأدبة عشاء دون بروتوكولات أو رسميات،  فتذكرت أنى"لم ألتق أي وزير ثقافة جزائري منذ تاريخ أول فيلم أخرجته عام 1981، وأنني مثلت الجزائر في كل قارة أكثر من كل وزراء الثقافة الجزائرية جميعهم، فغمرني بعضًا من الحزن، مدينة قازان بها راحة بال وطيبة تشبه جزائر السبعينات فألقيت كلمة أمام الضيوف والوزيرة وأكدت على أنّ الشارع التاتاري قريب جدًا للشارع الجزائري الذي أحن إليه.

  • قال عنك الناقد والكاتب محمد رضا إنكّ مخرج ضد التيار؟.. هل أنت كذلك وأيّ تيار أنت ضده؟

بالفيلم "موسم حصاد الأحلام" هناك مقولة تلخص سؤالك، أنت لا تسبح ضد التيار إلا إذا كان الماء جارفًا ويقودك إلى شلال لا تعرف عمقه ولا خطورته، لذا أنت تحاول الفرار من سيل لا يتجه نحو مصيرك.

  • من يشاهد أفلام يكتشف الفلسفة والسيميولوجية التي توظفها في سياق روائي أو وثائقي مثل فيلمك"حزام" و"هواجس الممثل المنفرد بنفسه".. لماذا تعتمد هذا الأسلوب أو هذا النوع من السرد السينمائي؟

الأسلوب ليس تقنية تتعلمها أو نهجًا تسلكه بل هوية مثل طريقتك في المشي أو الحديث أو مشط الشعر، السينما التي لا تطرح أسئلة ولا تدفع الى طرح أسئلة هي ترفيهية استهلاكية تنويمية ومخدرة، من لا يعرف السينما يحاول دوما تصنيف وتعليب عمل الآخر حتى يحصره في دولاب ويضيق عليه الفضاء، السينما التي أمارسها حليفة الممثل، تجعل منه أيقونة العدسة، أي أن عدستي لا تتعامل مع الوجوه بشكل تلفزيوني تقريري ولا تحاول الاستفسار أو النظر اليه من زاوية موضوعية؟ لا أصور الحياة لأنها تعاش ولا أصور الواقع لأن التلفزيون يقوم بهذا أحسن مني.

 السرد السينمائي روائي دومًا لأنك تنتقي من الحياة ما لا يتوقف عنده الكثير وتوظفه في قالب شاعري، ليس هناك أي توثيق بأفلامي رغم أن بعض المهرجانات حاولت من تقليل قيمة أعمالي بوضعها بخانة "الوثائقي" مثلما حدث بمهرجان وهران مع فيلم "هواجس الممثل المنفرد بنفسه"،  ألا تتعمد وتعتمد على أسلوب ما لأن الأسلوب هو حساسية متناهية وذوق مصقول ورؤيا مشرقة وحاسة سابعة ليست في متناول أي مخرج، الأسلوب تمكن من أدوات السرد وليس حزمة من التعليمات أو مجموعة من النظريات التي يجب استعمالها في ظرف أو أخر، هناك مخرجين صوروا طوال حياتهم ولم يكن لديهم أي أسلوب، إذا أردت التقرب من مفهوم "الأسلوب" شاهد أعمال هتشكوك أو سرجيو ليوني أو سام باكينبا أو أفلامي طبعًا.

  • أكيد أنت متابع للانتاج السينمائي في الجزائر في السنوات الأخيرة، كيف ترى وضعه؟ وبماذا تفسّر حصول بعض الأفلام على عدّة جوائز دولية ومثال ذلك فيلم "سولا" لصلاح إسعاد؟

هناك أفلام أكبر من أيّة لجنة تحكيم وهناك أفلام أكبر من أي شاشة وهناك سرد لا تحتويه أية لغة. كوبريك لم ينل أي أوسكار لا هو ولا هتشكوك، الجوائز لا تعني شيئًا،  السعفات الذهبية الأخيرة بمهرجان "كان" لا تساوي شيئًا، بل من أقبح ما شاهدت في حياتي، يجب الرجوع فورًا إلى شركة وطنية للصناعة السينمائية، كما يجب إنجاز أستوديوهات للسينما وليس استوديو واحد، يجب عقد اتفاقيات مع بلدان تنتج بغزارة أفلامًا تجارية مع الصين والهند وروسيا، كما يجب فتح المجال أمام الأفلام الأميركية والأوروبية للتصوير بالجزائر، أمّا الأفلام الفرنسية المقنعة بستار جزائري؛ أي الممولة من طرف فرنسا خاصة فلا اعتبرها جزائرية إطلاقًا، لابد من الخروج من دوامة الحرب والأفلام الثورية، كل السينما الجزائرية الرسمية تحوم حول هذا الموضوع،  هذا لا يعني أني ضد هذا النوع، لكنه يطغى ويخفي مواضيع آنية نحتاج التوقف عندها، وحتى الأفلام الثورية لابد من أن تخرج من مفهوم الشهيد البطل "النبي" الذي ليس له أي عيوب، بالثورة لم يكن الجميع مثاليًا.

  • الكاراتيه كرياضة تمارسها بشغف..هل هو من دفعك لإنجاز فيلم "حزام" عن بطلة الكاراتيه آسيا قمرة، أمّا وراءه قصة أخرى؟

الكاراتيه فن وليس رياضة ويتحول بالممارسة اليومية إلى طريقة في العيش، لقد تخلصت بعد 50 عامًا كاملة من التدريب من مصطلح القتال، لأن الكلمة أساسًا "فنون القتال" واكتفيت بفن الحركة، لا يستعمل العنف إلا العاجز عن إقناعك بالرأي المخالف والرافض لرأي لا يصب في ممره، لذا يحوّل بعض "النكاد" وبعض الطفيليين بالسينما تساؤلاتي إلى شتم فقط لأنهم يحملون في ذهنياتهم "فلترات" عاتمة ولا يقدرون على الانتباه إلى مدى اتساع خط الأفق.

أنت لا تنجز فيلما لأنك قريب من ممارسة أو عاشق للعبة ما، أنت تخرج فيلمًا لأن الموضوع ضروري لحياتك ولحياة من حولك، الأولوية لقيمة الموضوع وليس لكونك منخرط في نادي للفروسية أو تابع لحركة نقابية ما،، ثم هناك ترابط ومنطق في تسلسل المواضيع لأنك لا تغيير عبثًا الموضوع لأنك استفقت بعد حلم ما، أو الهمتك أغنية عابرة بمذياع بسيارة أجرة، إنّها رسالة وأطروحة تواصل البحث فيها، الممثل هو الشخصية الأولى والأهم بالسينما التي أمارسها.

المخرج حميد بن عمرة:  "حزام" فيلم أنثوي وليس نسوي، المرأة فيه هي مصدر الحياة والحب

الممثل ليس دومًا من يقف على الخشبة أو العدسة بل الشخص الذي يجعل من حياته حدوثه ثمينة الشكل والمضمون، الدوافع كثيرة لكن معظمها أني لا أريد إنجاز سينما المناسبات والأعياد، لأن ما يستقطبني أهم مما يدفعني، أفضل الجاذبية عن الاندفاع،  فيلم "حزام" ليس حول الكاراتيه ولا حتى حول الرقص وإنمّا حول الحياة والموت، أحيانًا قد يكون الموضوع طعمًا فقط وليس الموضوع المحوري، "حزام" فيلم أنثوي وليس نسوي، المرأة فيه هي مصدر الحياة والحب.