01-ديسمبر-2021

رياض بلقاسم (الترا جزائر)

تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تداعيات أزمة كورونا وإغلاق الحدود الذي دام طويلًا، طفرة كبيرة في مجال الترويج الإلكتروني الخاص بالسياحة والتراث الداخلي، حيث يقوم به العديد من صناع المحتوى كل في اختصاصه وكلٌّ في مجاله الذي يتقنه.

رياض بلقاسم: تمكنتُ شخصيًا في كثير من الأحيان من تغيير بعض الأفكار السائدة والنظرات المغلوطةعن بلدي بفضل نشاطي في مواقع التواصل الاجتماعي

 هذا الزمن الرقمي المجنون الذي صارت فيه منصات التواصل منبرًا لنشر محتوى احترافي ضخم لا تلجمه البيروقراطية والعواقب الرسمية، يخدم صورة السياحة في المشهد العالمي، ومن خلاله يفضل الكثير من هؤلاء الشباب الاعتماد الكلي على خدمات المنصات المتاحة بأريحية، للعمل والمشاركة في التعريف بخبايا التراث الوطني والمناطق السياحية الخبيئة، بعيدًا عن كل العوائق التي قد تصادفهم في الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: حاج أحمد يحيى زكريّا.. راقصٌ على أنقاض الجنون والموت

وبغض النظر عن فشل الجهات الوصية التي تعاني من عجز كبير في تسيير المجال الترويجي، والتي كشف عن عيوبها الكثير من صناع المحتوى الشباب الموهوبين الذين فرضوا أنفسهم بإمكانيات بسيطة وأخرى مهمة من خلال نشاطهم الإلكتروني الملفت بعد تلك العودة  إلى تسليط الضوء على الثروات الداخلية والإرث الوطني اقتصاديًا وسياحيًا.

من بين هؤلاء، نكتشف اليوم الشاب رياض بلقاسم، مهندس معماري شاب وصانع محتوى بارز من مدينة وهران، حيث اقتحم مواقع التواصل من خلال نشاطه الترويجي للسياحة في الجزائر، واعتمد في ذلك على تقديم صور وفيديوهات محترفة تُعرّف بخبايا هذا البلد الذي يوصف بالقارة.

كما ركز على  تقديم شرح وافٍ لهذا الوصف من خلال سفره عبر كل التراب الوطني، وعرّف بالكثير من التراث المادي واللامادي بأسلوب تأريخي مصوّر ومتسلسل، إضافة إلى تسليط الضوء على التراث البشري الذي يؤثث المشهد العمراني في الشمال والجنوب، وركز على إبراز جمال الفوارق المناخية والعمرانية التي صنعت فرادة هذا البلد الذي بدأ يتخلص شيئًا فشيئا من آثار التعتيم والتشويه الإعلامي بصورته الحقيقية، اعتمادًا على ثروة شبابية حقيقية تريد أن تخرج به إلى النور.

  خصّنا الشاب رياض بلقاسم بهذا الحوار الذي يحدثنا فيه بشغف وحب عن مشواره الذي بدأ للتو وسيستمر في مجال الترويج السياحي وخدمة التراث والحفاظ على التاريخ والإرث الحضاري للبلد، لعل هذا الوطن ينهض بأبنائه الذين هم بحاجة فقط إلى مساحة أمان ودعم للعمل على خدمة البلد كلٌّ بطريقته وإمكانياته الخاصة، لعل الدعم يأتيهم قريبًا.

  • تعرفنا على رياض بلقاسم من خلال نشاطه الملفت كصانع محتوى ورحالة جزائري عبر مواقع التواصل الاجتماعي. احك لنا كرونولوجيا مشوارك الدراسي والمهني قبل ولوجك إلى صناعة المحتوى؟

لقد كنت نشيطًا جدًا في صغري، وحينما ولجت جامعة العلوم والتكنولوجيا في وهران، اندمجتُ سريعًا في جمعيات عديدة، زاد نشاطي في المجتمع المدني وخضتُ بحماسٍ عدة مجالات، فانخرطت مثلًا في جمعية "بيل أوريزون"، التي تروج لتراث مدينة وهران وتعمل على حمايته، إضافة إلى "سوق وهران" نادي علمي يُعنى ( بمساعدة الأطفال المحتاجين)، كما ينظم مؤتمرات علمية.

لقد ساعدتني هذه المرحلة كثيرًا في حياتي، وقد أوتيت من خلالها روحَ المسؤولية والتنظيم وحُسنَ التبادل، لأنني استطعت الاحتكاك من خلال الوسط الجمعوي بمجالات عديدة تعلمت منها الكثير، كالمسرح، السينما، التصوير، التدريب الذاتي وتنظيم التظاهرات.

مع ذلك، لم يقف أي من ذلك عائقًا أمام تقدمي ونجاحي في مجال دراستي للهندسة المعمارية، على العكس تمامًا، لقد كان قيمةً مُضافة.

  • قُمتَ بصناعة تدوينة مطولة صورتَ فيها مختلف المناطق السياحية والتاريخية في الجزائر قصد الترويج لها. ما الدافع الذي حثّكم على إنجاز هذه المادة البصرية المهمة؟

أجزم أن أولى الأسباب لهذا، كانت نوعية التربية التي تلقيتها من والديّ، والتي قربتني من الاهتمام بتاريخ أصولي وأهميته الكبيرة في حياتي، هنالك مثل صيني يقول: "نسيان الأجداد يجعلُكَ جدول ماءٍ بلا نبع، شجرةً بلا جذور".

لقد ساعدني هذا الشعار دائمًا خلال أوقات الشك والحيرة، ما دفعني إلى اتباع نفس نهج أجدادي مع التأقلم طبعًا مع حِقبتنا الحالية.

في الحقيقة، يعدّ ماضي أسلافي متأصلًا جدًا في تاريخ بلادنا، لأن أصولي تعود إلى سيدي قادة بن مختار، الجد الرابع للأمير عبد القادر، إضافة إلى أصول أخرى تعود إلى الباي مصطفى بومرزق، وهو رجل سياسة وقائد عسكري لإيالة الجزائر، باي تيتري بين سنتي 1819 و1830، ضف إلى ذلك الأصول التي تعود إلى الشيخ الميسوم، العالم الصوفي لقصر البخاري، دون إغفال أسماء ورموز أخرى أنحدر من نسلها، وعاشت عبر التراب الوطني وأبعد من ذلك أيضًا.

لهذا، يعود الفضل إلى كل هذا الإرث العائلي في إثراء ثقافتي، وتقوية حبي واحترامي لتاريخ بلادي، كما أنني أحاول تخليد ما فعله أجدادي من أجل مجد الجزائر بطريقتي الخاصة،  فقد تتغير الأسلحة، أما المعركة فتبقى هي ذاتها: معركة (هويتنا).

  • ما هدفك من تسليط الضوء على السياحة والمعمار في الجزائر من خلال الإحاطة بالمعلومات التاريخية في محتواك المقدم؟

أعتقد أن السبب بسيط، لأن الجزائر تعاني من موجات الكراهية والشكّ والاستخفاف بماضينا التراثي من طرف بعض الدول، باستغلال العديد من المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر تلك الصورة المغلوطة.

لهذا نحن ندرك جيدًا من خلال ما نفعله أن الشهادات الأكثر وضوحًا، والدالة على قوة كل حضارة، تكمن في عمرانها وعظمة مبانيها، كما أن العمران يحكي تلك الشهادات (بلغةٍ عالمية).

  • في اعتقادك، هل تعدُّ ظروف الترويج للسياحة في الجزائر ملائمة لكم كصناع محتوى أم أن هنالك عواقب تتمنون إزالتها للعمل بأريحية وفي جو إيجابي؟

في الحقيقة، لا أجد أي صعوبات تذكر في عملي على الترويج للسياحة في الجزائر، لأنني أعتمد بالأصل في كل ما أقوم به على مواردي الخاصّة، كما أنني دائم الاستعداد للتعاون والتنسيق مع مديريات وإدارات القطاع السياحي في البلد.

  • هل يتقاطع مجال عملك في الواقع مع نشاطك كصانع محتوى، أم أن هنالك فوارق تعمل على إزالتها للتوفيق بين النشاطين؟

أجزم أن الهندسة المعمارية مهنة تشجع التضافر بين كل الميادين والقطاعات وتضمّها، وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، فإن دراستي لهذا الاختصاص ساعدتني كثيرًا على صناعة محتوى احترافي نوعيّ ومُتقَن ومدروس.

  • ما الذي تحتاجه الجزائر لتنتقل إلى مستوى "أفضل" في المجال السياحي إعلاميا وعلى أرض الواقع؟

أظنّ أن الوقت قد حان لتغنم الجزائر منصتها الخاصة، (قناة تلفزيونية) تهتم بالسفر بنسبة 100%، ويتم الاعتماد من خلالها على صناع محتوى شبابٍ واعدين، مختصين في الترويج للسفر والسياحة في البلد، إضافة إلى ضرورة تكوين صحافيين محترفين في هذا المجال، لأنني مثلًا عملت كثيرًا على إنتاج محتوى نوعي لكنه استُغل إعلاميًا بشكلٍ سيء للأسف.

  • هل ترى بأن صناع المحتوى الجزائريين يساهمون بشكل عام "حاليا" في الترويج للصورة الحقيقية للجزائر، عكس تلك التي طغت في العالم بعد الظروف الأمنية التي عاشتها طيلة عشرية كاملة؟

لقد تمكنتُ شخصيًا في كثير من الأحيان من تغيير بعض الأفكار السائدة والنظرات المغلوطةعن بلدي بفضل نشاطي في مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال مشاريعي في الترويج للسياحة المحلية والتعريف بتراث الجزائر المادي واللامادي الغني، فبعيدًا عن الجزئية الأمنية التي صارت مبتذلة، يعتقد الكثير من الناس أن الجزائر عبارة فقط عن صحراء شاسعة، تمتد رمالها وكثبانها من الشمال إلى الجنوب.

  أعمل جاهدًا كوني مهندسًا معماريًا على أن تغدو مشاريعنا المعمارية ذات مستوى عالمي يمثل الجزائر الحديثة، ومن منبري هذا، أتمنى أن يتبع صناع المحتوى الجزائريون نفس المسعى، لأن هذا المنهج قد أتى ثماره في العديد من البلدان الأخرى.

  • حدثنا عن مشاريع مماثلة في المستقبل القريب؟

 أخوض حاليًّا بحماس شديد تحديات جديدة، وأهتم كثيرًا بإنتاج الأفلام الوثائقية التي توثق أهمية وجمال الإرث السياحي في الجزائر. أنا الآن بصدد تصميم سلسلتين، الأولى بعنوان "باب وهران" مصنع النّاس المُبتهجين، والثانية تحمل اسم "زينب" المرأة الغامضة ذات الحايك.

رياض بلقاسم: أعمل على تصوير وإنتاج أطول مدونة فيديو خاصة عمودية تحمل  اسم " الطريق إلى الجزائر" 

من جهة أخرى، أعمل على تصوير وإنتاج أطول مدونة فيديو خاصة عمودية، vertical Vlog) ) والتي تحمل  اسم " الطريق إلى الجزائر" ( ROAD TO DJAZAI) اعتمادًا على توثيقِ أرشيفيّ مدته خمس سنوات، صوّرتُه خلال سفرياتي العديدة عبر كل التراب الوطني، والذي أشارك مقتطفات منه على المنصات الإلكترونية الخاصة بي في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنوي المشاركة بهذا العمل في المسابقات الدولية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دون مبررات.. الجزائر تسحب فيلم "هيليوبوليس" من الأوسكار

فيلم "هيليوبوليس" للمخرج جعفر قاسم في قاعات العرض هذا الشهر