05-أغسطس-2020

الخبير الاقتصادي سليمان ناصر (فيسبوك/الترا جزائر)

في حوار لـ "التر جزائر" يُفصّل الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، في  تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد الجزائري، ويقترح حلولًا ومخارج لتجاوز أزمة العجز في الموازنة، ويعود الخبير إلى الحديث عن أزمة السيولة التي شهدتها البلاد مؤخّرًا، وما هي سبل القضاء على الطوابير أمام مكاتب البريد، كما يكشف لنا مستقبل التمويل الاسلامي في الجزائر.

تداعيات هذا الوباء جعلت الاقتصاد الوطني يحقّق انكماشًا أو معدل نموّ سلبي بـ 3.9 في المائة

  • ما هي انعكاسات أزمة كورونا على الاقتصاد الوطني؟ 

هذا الموضوع واسع جدًا ولا يمكن تناوله في بضعة أسطر، لكن باختصار يمكن أن نقول بأن الاقتصاد الجزائري تضرّر من أزمة كورونا مثل كل اقتصاديات العالم بما فيها القوية، فما بالك باقتصادنا الهشّ والذي يعتمد أساسًا على ريع المحروقات. وهو ما أدى بالحكومة إلى اتخاذ تدابير عاجلة منها: تخفيض ميزانية التسيير إلى 30 في المائة كمرحلة أولى، ثم إلى 50 في المائة كمرحلة ثانية، وتخفيض ميزانية التجهيز بتجميد كل المشاريع التي لم تُسجل أو تلك التي سُجلت ولم تنطلق بعد، وتخفيض أعباء سوناطراك إلى 50 في المائة، والاستغناء عن خدمات مكاتب الخبرة الأجنبية مما يمكن أن يوفّر للبلاد ما لا يقل عن 10 مليار دولار سنويًا ... إلخ.

اقرأ/ي أيضًا: الاقتصاد الجزائري.. نسبة التضخّم بلغت 2.1 % نهاية جوان

كما أن أزمة هذا الوباء، جعلت الاقتصاد الوطني يحقّق انكماشًا أو معدل نموّ سلبي بـ 3.9 في المائة، خلال الثلاثي الأول من سنة 2020، وهذا كله في ظل التآكل السريع لاحتياطي الصرف الذي يقدر حاليًا بأقلّ من 55 مليار دولار.  

  • عبر تقليص فاتورة الواردات، تعتزم السلطات ادّخار حوالي 20 مليار دولار نهاية السنة، هل هذا ممكن في رأيك؟

هذا ليس ادخار، بل هي العائدات المتوقّعة من صادرات المحروقات والتي يمكن أن تتراوح هذا العام بين 23 و 25 مليار دولار بعد أن تجاوزت العام الماضي 33 مليار دولار، وهذا بسبب انهيار أسعار النفط مع بداية هذا العام بسبب جائحة كورونا، وتوقّف النشاط الاقتصادي في معظم دول العالم المستوردة للنفط، أما الرقم الذي أعلنه رئيس الجمهورية من أن عائدات الفلاحة ستبلغ 25 مليار دولار فهو لا يقصد إيراداتها من العملة الصعبة، لأننا لا نصدر منتوجات فلاحية بشكلٍ معتبر، بل يقصد قيمة الإنتاج الوطني من الفلاحة أو مقدار مساهمته في الناتج الوطني.

  • شكلت أزمة السيولة مخاوف الكثير من المواطنين، في رأيك أين مكمن الخلل؟

مشكلة نقص السيولة في البريد وفي البنوك تعود إلى عدة أسباب أهمّها: الركود الاقتصادي الذي يعرفه الوطن، كان العام الماضي بسبب الحراك ثم ازداد هذا العام بسبب كورونا والحجر المنزلي، وتوقف العديد من الأشخاص عن العمل، مما سبب تدهورًا في القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي جعل ادخار الأفراد يقلّ، وهو ما نتج عنه أن حركة السحب أصبحت أكثر من حركة الإيداع في البنوك.

كذلك الأمر بالنسبة لمدخّرات الشركات وعلى رأسها سوناطراك والتي كانت مبيعاتها تشكّل أهم مصدر للودائع العمومية، وهذه أيضًا انخفضت كثيرًا بسبب تدهور أسعار النفط وانخفاض مبيعات سوناطراك وإيراداتها بالنتيجة.

هذا كله بالإضافة إلى قرار بنك الجزائر، بتأجيل سداد أقساط القروض للبنوك من طرف الأفراد والشركات. إذن كل هذا سبب نقصًا حادًا في السيولة لدى البنوك وبالنتيجة لدى البريد، وهو ما جعل بنك الجزائر يعلن عن انخفاض مستوى هذه السيولة لدى مجموع البنوك إلى مستويات حمراء، بحيث أصبحت تساوي في مجموعها 916.7 مليار دينار جزائري فقط، أي أقل من 1000 مليار دينار جزائري، بينما إجمالي الكتلة النقدية يساوي 17000 مليار دينار.  

  • كيف يمكن القضاء على أزمة السيولة المتكررة سنويًا؟

أزمة السيولة كانت هذه السنة أكثر حدّة بسبب ماذكرناه سابقًا نتيجة هذا الوباء، وطبعًا لا حلّ لهذه الأزمة سوى بالإسراع في تطبيق وسائل الدفع الإلكتروني، وجعله إجباريًا خاصّة في المحلات الكبرى، بالإضافة إلى سداد فواتير الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت وشراء تذاكر الطيران والدفع لدى الفنادق ... إلخ، وهذا بالموازاة مع توزيع أجهزة القارئ الآلي أو ما يُعرف بـ TPE على أكبر عدد من التجار، لأنه وعندما يكون استعمال البطاقة البريدية أو البنكية إجباريًا في كثير من الأماكن، يكون أصحاب هذه البطاقات مجبرين على تغذية رصيدهم بالأموال، وبالتالي ستعود السيولة تلقائيًا إلى البريد وإلى البنوك من جديد.

  • في ظل تراجع الموارد المالية والعجر في الموازنة، في رأيك ما هي الحلول المتاحة؟

في الحقيقة الحكومة الحالية لا تملك خيارات كثيرة لتغطية العجز في الموازنة، والذي أصبح يقدر في قانون المالية التكميلي لسنة 2020 بحوالي 2000 مليار دينار (أي حوالي 16 مليار دولار)، لذلك عليها أن تسعى إلى تحصيل أكبر قدر من الضرائب غير المحصّلة والمتراكمة منذ أكثر من عقدين من الزمن، والتي تقدر بحوالي 6000 مليار دينار، وطبعًا ليست كلها قابلة للتحصيل لإفلاس العديد من الشركات المدينة واختفائها من الوجود، ولكن يُمكن تحصيل على الأقل جزءٍ من هذا المبلغ، وهو ما يمكن أن يحل جزءًا من المشكلة.

كما يمكن للحكومة أن تلجأ إلى المزيد من سياسات التقشّف كإنقاص الأجور مثلًا، وهذا الحل أستبعده تمامًا لأنه سيلقى رفضًا شديدًا من المواطن بسبب معاناته من هذه الظروف، أو تلجأ الحكومة إلى الاستدانة الخارجية ليس من صندوق النقد الدولي بسبب حساسية بلادنا مع هذه المؤسسة وأيضًا لمفاوضاته الشاقة والعسيرة، وإنما من جهات أخرى كبنك التنمية الأفريقي والبنك الإسلامي للتنمية، ولكن ذلك لن تكون نتيجته سوى مبالغ صغيرة لن تغطي العجز المشار إليه. ويبقى الخيار الأخير أمام الحكومة هو العودة إلى التمويل غير التقليدي مادامت رخصته سارية المفعول إلى غاية سنة 2022، مع الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية أشار إلى عدم اللجوء تمامًا إلى الخيارين الأخيرين.  

  • كيف ترى مستقبل التمويل الاسلامي أو الصيرفة الاسلامية؟

التمويل الإسلامي وخاصّة منه الصيرفة الإسلامية، يمكن أن يكون لها مستقبل واعدٌ في بلادنا إذا وجدت الرعاية الكاملة من طرف السلطات السياسية وهو ما أبدته بشكلٍ كبير في الأشهر الأخيرة، وأيضًا توفر الإطار القانوني الملائم لعملها، وحتى وإن صدر النظام 20-02 في شهر آذار/مارس الماضي، إلاّ أنه لا ينظم كل الجوانب المتعلقة بعمل هذه الصيرفة، لذلك يبقى الأمل قائمًا في تعديل قانون النقد والائتمان نفسه.

المفروض ألا يقول المسؤولون إن تطبيق الصيرفة الإسلامية هو بغرض استقطاب الأموال المتداولة

إذا وجدت الصيرفة الإسلامية التسويق الصحيح لها، فالمفروض ألا يقول المسؤولون إن تطبيق هذه الصيرفة هو بغرض استقطاب الأموال المتداولة خارج البنوك، وخاصّة في السوق الموازية لأن هذا غرض بسيط، بل المفروض أن يتم الإعلان بأن اللجوء إلى الصيرفة الإسلامية هو بغرض الاستجابة لمطلب شعبي كبير، وأيضًا لتلبية حاجات المواطنين من هذه الصيرفة كشراء سيارة بالتقسيط أو الحصول على سكن بدعم من البنك، أو استثمار المدخّرات الصغيرة والكبيرة من أجل الحصول على عائد وكل هذا بالطرق الموافقة للشريعة الإسلامية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تراجع نمو الاقتصاد الجزائري خلال الثلاثي الأوّل لسنة 2020

عجز في الميزان التجاري وإيطاليا تزيح فرنسا وتصبح الزبون الأوّل للجزائر