07-ديسمبر-2020

الفنان شاكر بولمدايس (فيسبوك/الترا جزائر)

يُعَدُّ الفنان شاكر بولمدايس (1987) من بين الوجوه الشابة التي برزت في السنوات الأخيرة من خلال شخصيات مسرحية وتلفزيونية وإعلانية اشتهرت بين الأوساط الشعبية، وقد كانت بداياته من خلال المسرح الهاوي عام 2006، ولعل أدواره الفكاهية التي كانت تصنع سهراتنا الرمضانية، إضافة إلى كونه نجمًا لعدّة عروض مسرحية، هي ما جعلت ذلك الوجه البشوش مألوفًا لدى الصغار والكبار على حدّ سواء.

شاكر بولمدايس: الإفصاح عن مواقفنا السياسية المخالفة للسلطة نقمةً على فرص العمل الشحيحة أصلًا

في المقابل، ينتمي شاكر بولمدايس إلى تيار جديد برزت ملامحه مع بوادر التغيير الذي بدأ مع حراكٍ شعبي عصف بالكثير من القطاعات، ولم يسلم منه قطعًا قطاع الفن والثقافة، تيارٌ مستقل من الممثلين المناضلين الشباب الذين يحاولون تغيير المشهد، والخروج بالفنان المسرحي والتلفزيون من دهاليز السلطة، ابتغاءً لكرامة أفضل للمواطن بشكل عام، وللفنان بشكلٍ خاص. في هذا الحوار الذي خص به هذا الفنان "الترا جزائر"، نحاول إعادة اكتشاف هذه الشخصية لنتوغل في روح الفنان الكامنة داخله.

​اقرأ/ي أيضًا: حوار | خالد شنّة: دخلت عالم السينما صدفة وتكوّنت فيه عصاميًا

  • يعدّ الممثل ركيزة العمل الفنيّ أيًا كان موضوعه، إذ يكفيه مكان عرض فقط مهما كانت ظروفه لصنع عرض متكامل، فأين يجد شاكر بولمدايس نفسه أكثر، على خشبة المسرح أو خلف الشاشة (تلفزيونيًا أو ركحيًا)؟

إنّ الفنان هو الحلقة الرئيسية في أي عمل فنّي،  سواءً كان ذلك في المسرح أو التلفزيون أو السينما. شخصيًا، أعمل بشكل أفضل على خشبة المسرح، وأجد نفسي فيها بشكلٍ كبير. يجب أن تكون هنالك بين الفنية والأخرى، تجليات علاقة مباشرة بين الممثل وجمهوره من خلال العروض، لأن التواصل بين هذين الطرفين يكون أصدق وأقوى مقارنة مع تلقي العمل من خلال الشاشة،  كما أن هناك متعة أكبر يصنعها تركيب العرض على المباشر، مع ذلك، يبقى لكل ميدان أدواته ومتعته، وجمهوره الخاص الذي وجب أن يُحترم.

  • صنعتَ جدلًا واسعًا بدورك المثير في عرض الوان مان شو  "الديكتاتور" للمخرج أحمد رزاق، بعد تجربة مسرحية "طرشاقة" التي نالت شهرة واسعة. هلّا حدّثتنا عن التجربة والصعوبات والظروف التي رافقت العرض؟

أعتبر تجربة "الديكتاتور" للمخرج أحمد رزاق مغامرة جميلة رغم أنها كانت مؤلمة في الوقت ذاته، فقد تم للأسف عرض هذا العمل لمرّة واحدة لا غير، ثم جرى توقيفه بطريقة غريبة، لتبقى أسباب هذا المنع من العرض مجهولة حتى هذه اللحظة.

 عرض "الديكتاتور" هو تجربتي الأولى في هذا النوع من الأعمال الفردية، وأظنّ شخصيًا أنها كانت تجربة ناجحة، حيث كانت القصّة متمحورة حول شاب يدعى "صالح بن صياد"، يعيش داخل مجتمع يعاني من الانحطاط الأخلاقي، وحلمه الوحيد هو أن يصبح شخصية مشهورة وأن يغدو زعيمًا يحظى بالمنزلة الرفيعة والإعجاب من طرف النساء، لهذا، وجد أن الحلّ الوحيد من أجل اكتساب الشهرة المنشودة في أن يغدو ديكتاتورًا.

  تجري أحداث هذه القصّة في قالب كوميدي ويتطرق العرض إلى العديد من الأمور الواقعية، مثل الحرب التي تنشأ بين الأجيال أو ما يسمى "حرب الأفكار". كما يتطرّق هذا العرض إلى معظلة الأنا المطلقة التي تسيطر على الكثير من الناس في مجتمعنا اليوم.

أظن أنّ صالح بن صياد يجسد الشخصية النرجسية المضطربة التي تعشق ذاتها، وهذا ما أرهقني في أدائها حقيقة، لأنها شخصية مركبة، فقد تقمّصت خلال العرض أكثر من عشرة أدوار، وأذكر جيدًا ردة فعل الجمهور القوية آنذاك، ما أبان عن بوادر لنجاح العرض.

كان من المنتظر أن تكون هناك جولة فنية في بعض الولايات بعد ذلك، لكن للأسف تم توقيف المونولوغ بعد عرضه الأوّل في مسرح الكازينو في الجزائر العاصمة.

  • هل تسبّب هذا المنع في إحباط محاولاتك لخوض عروض مسرحية جديدة، خاصة في فن "الوان مان شو"؟

  لا أبدًا، لقد كانت الخيبة كبيرة في الحقيقة، لكنها لم تحبط عزيمتي، فبعد غياب طويل عن الخشبة (لمدّة سنتين تقريبًا)، أحاول الاشتغال حاليًا على عرض جديد، حيث اعتمدنا نصًا للصديق الفنان عدلان بخوش الذي سيكون مخرجه أيضًا، ونحن نحضر لبداية التدريبات بعد انقضاء هذه الجائحة التي تسبّبت في توقف كل النشاطات الفنية والمسرحية.

أظن أنني متحمس جدًا لهذا التجربة الجديدة، رغم كل الظروف المحيطة، ورغم السبات الذي بعث فيه المسرح منذ عامٍ تقريبًا.

  •  قد يصنع المسرح والسياسة مشهدًا مجتمعيًا واقعيًا وصريحًا موجهًا نحو المتلقي.هل تظنّ أنّ الفنان الموغل في قلب السياسة قد يكون أكثر إفادة للمواطن عامة، أكثر من الفنان المنزوي بعيدًا عنها؟ وهل تؤثّر خياراته السياسية على غزارة نشاطه؟

بصراحة، أعتبر الإفصاح عن مواقفنا السياسية المخالفة للسلطة نقمةً بحقّ على فرص العمل الشحيحة بالأصل، لأنّ الفنان الذي يحمل فكرة أو رسالة اجتماعية كانت أو سياسية، يصطدم دائمًا بشحّ فرص العمل لديه في مثل مجتمعاتنا الخاضعة كما يعلم الجميع، فلم يعد خفيًا على أحد كيف تسير الأمور في الكواليس، حيث يقبع الكثير من المبدعين حاليًا في دهاليز التهميش، كل ذلك سعيًا من المسؤولين عن هذا القطاع وعن البلد عمومًا لتكميم الأفواه في بلد يقال عنه بأنه "ديمقراطي".

للأسف، نحن نعايش واقعًا مريرًا يُجبر  الفنان على العيش أخرسًا وأبكمًا عما يجري من حوله، رغم أن رسالة الفنان الأولى هي ترجمة مآسي الشعب والمواطن والحديث على لسانه لتصل همومه للمسؤول، لكن ما يحدث في اعتقادي، إرادة سياسية محضة هدفها تحطيم الثقافة الحقيقية في الجزائر، وأكبر مثال على ذلك، خضوع قطاع كامل لوزارة فاشلة مُفرغة من جوهرها، ووزيرة لا تفقه شيئًا في الممارسة الثقافية.

  • بما أن المسرح يعد فنا للصراع والجدل، ما الذي وجدته خارج تلك الدائرة في تجاربك الأخرى خلف الشاشة، وهل ترى بأن الحاجة المادية قد تملي على الفنان خياراته في الجزائر ؟

غالبًا ما يتّجه  الممثل من المسرح إلى التلفزيون أو السينما من أجل توسيع رقعة الشهرة لديه، وإيصال رسالته إلى عدد أكبر من الجمهور، فالممثل المسرحي يقدّم عروضًا طيلة سنوات ويصنع لنفسه مكانًا في المسرح، مع هذا، يبقى مجهولًا لدى فئة كبيرة من المواطنين عدا الجمهور المسرحي، في المقابل يمنحه الظهور التلفزيوني جمهورًا كبيرًا وعريضًا من كلّ الفئات، إضافة إلى العروض  المالية  تكون أكبر مقارنة مقارنة بالمسرح،  لكن يبقى المشكل الأكبر برأيي، أننا لا نملك صناعة سينيمائية حقيقية وصلبة، ولا حتى صناعة درامية قويّة مقارنة بدول أخرى، لهذا يتّجه الممثل إلى العمل في بعض الإعلانات التي تغطي نسبيًا حاجته المادية.

  •  يقول المسرحي بريت بيلي: "حيثما كان هناك مُجتمعٌ إنساني تتجلّى روح المسرح التي لا يمكن كبتها". ما مدى توغل المجتمع والإنسان في أدوارك الفنية والمسرحية؟

يلعب الفنان دائمًا دورًا مهما في المجتمع الإنساني، ومن واجبه أن يتوغّل في إنسانيته قبل أن يغرق في ميولاته الفنيّة، فمن المهمّ جدًا ألا نتنكر لذواتنا وجوهرنا عندما نلج الفن. شخصيًا، أحب الأعمال أو الأدوار التي أقوم باختيارها وتجسيدها، والتي غالبًا ما أركز فيها على إيصال رسالة إنسانية، أو قضية سياسية، حتى من خلال قالب فكاهي محض في الأغلب، أعتبر أن الفنان ينأى بنفسه عن بقية فئات المجتمع كونه صاحب رسالة عليها أن تكون قوية ومؤثّرة، مثله، مثل السياسي، أو رجل الدين مثلًا، إلا أن الفنّ مجال سامٍ وقوي ومؤثّر، وقد يكون دوره كبيرًا في صناعة مجتمع أفضل مع مرور الزمن، وهذا ما أثبته التاريخ الإنساني.

  • أطلق العديد من الفنانين نداءات عاجلة، مطالبين بإجراءات لتسوية وضعيتهم المزرية جراء توقف نشاطاتهم بسبب جائحة كورونا. ما الذي يمكن أن تقوله عن هذه الوضعية؟ وما الحلّ في رأيك مع استمرار الوباء لأشهر أخرى؟

إن الوضع كارثي فعلًا، الحقيقة والواقع أفظع مما تداولته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أنّ الفنان في الجزائر لا يملك قانونًا يحميه ولا نقابة تدافع عن حقوقه وتكافح من أجل استعادة كرامته، نحن نشاهد اليوم في حسرة وألم، كيف تستمر الحياة المزرية التي يعيشها الفنان بسبب جائحة كورونا، مقابل عجز تام وصمت مخيّب لوزارة الثقافة التي لا تحرك ساكنا، شخصيًا، لن أطالب بشيء من قطاع يستمر في إهانة الفنان منذ عقود، لا أنتظر شيئا من الجهات الرسمية، لأن وزيرة الثقافة منشغلة في عمليات التشجير والاحتفالات والتعيينات والتكريمات، مغفلة حال الفنان الحقيقي، لا أظن أن أي مسؤول حالي قد يهمّه حالنا.

شاكر بو لمدايس: الفنان في الجزائر لا يملك قانونًا يحميه ولا نقابة تدافع عن حقوقه

في المقابل، أطلب من كل زملائي الفنانين التحرك والوقوف يدًا بيدٍ من أجل إنقاذ ما تبقى من فن وثقافة في الجزائر، يجب علينا العمل على تحقيق كرامتنا من خلال تجسيد قانون يحمي حقوق وكرامة الفنان في هذا الوطن الذي تعب أبناؤه من غياب العدالة والحق في كل المجالات، وما المجتمع السوي إذا ما كان فنانوه ومثقفوه قابعون في قعر الحاجة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | رباح بدعوش: الشعر هو الشاهد على الإنسانية

حوار | محمد بن جبّار: الحراك الجزائري تجاوز المثقف والنخبة