02-يونيو-2019

كمال الرياحي، فيسبوك ( الترا صوت)

تعرّفتُ على كمال الرياحي من خلال روايته "عشيقات النذل"، وكنت كتبتُ عنها مقالًا نُشر في مجلة "ذوات" المغربية؛ لم تكن الرواية عادية، بأسلوبها الفني، وبعنفها الذكيّ، وببذاءتها الجميلة، وبنقدها اللاذع لأشكال التخلّف الثقافي، رواية تُذكّرك بروايات عالمية من حيث أسلوبها وتقنياتها.

كانت الرواية بمثابة اللقاء الحقيقي بكمال، قبل أن أكتشفه كاتبًاً مُلهما للمقال النقدي

كان آخر إصداراته في النقد هو كتاب "فن الرواية " الذي صدر في طبعتين: طبعة تونسية وطبعة جزائرية، ومازال كتابه "الكتابة الروائية عند واسيني الأعرج"(2009)، يمثّل مرجعًا لطلبة الجامعات والمشتغلين في أدب واسيني الأعرج. 

اقرأ/ي أيضًا: حوار| سمير قسيمي: زاد الحراك أسئلتي وأوقفني على عبثية الوجود

في هذا الحوار ، الذي خصّ به "الترا جزائر"، يتحدّث كمال عن موقفه من واقع الثقافة العربية اليوم في ظل الانتهاكات المستمرّة لحقوق الكتّاب، إذ يقول إنّ الكاتب العربي يمثّل الحلقة الأضعف في المشهد الثقافي، خاصّة بعد انتشار عصابات امتهنت سرقة الأعمال الإبداعية، وانتهاك الحقوق المادية والمعنوية للمبدعين. كما يتحدّث عن حادثة سرقة روايته "عشيقات النذل" التي تحوّلت إلى مسلسل رمضاني بعنوان "الكاتب"، فكان هذا الحوار فرصة ليوضّح أكثر للقارئ العربي ملابسات الواقعة.

  •  في تصوّرك، لماذا يكون الكاتب العربي هو الحلقة الأضعف في السوق الثقافية؟

في ظلّ مجتمعات تعادي الكتاب وتعتبر القراءة عورة في وسائل النقل وفي الشارع ويسخر الأميون في المقاهي من الكائنات النادرة التي تتوجّه نحو المكتبات العمومية سرًّا، وفي ظل مجتمعات يكذب الزوج على زوجه إذا ما اشترى كتابًا ويقول إنه تحصل عليه هدية ولم يمسس ميزانية العائلة، في ظل غياب المكتبات المنزلية والعائلية وفي ظلّ مجتمعات تردد أمثلة من نحو "إلي قرؤوا ماتوا"، في ظل فوبيا المؤسّسات الإعلامية من الكتاب وإعدامهم لكل البرامج والصفحات التي تعنى به لتعويضه ببرامج الشو، في ظل دراما تلفزيونية وسينما لا يظهر فيها كتاب واحد على عكس ما يحدث في العالم. في ظل كل هذا لا يمكن للكاتب إلا أن يكون الحلقة الأكثر هشاشة في هذا العالم العربي، فأمة إقرأ التي تصرّ على أن تبقى ماهية بقارئة أمة أشد الأمم غواية للأمية باعتبارها فتنة

يبدو أن قصّة كمال الرياحي مع سرقة أعماله لا تنتهي، فبعد سرقة مقال له من قبل باحث يمني، اليوم تتعرّض روايته "عشيقات النذل" لسرقة موصوفة. حدثنا عن الواقعتين؟

 حكايتي مع السرقة طويلة فقد سبق ووقع السطو على روايتي المشرط للسينما، ولا أريد أن أشير إلى عنوان الفيلم لأني قلت في ردي على ما حدث لصناعه، أني سأحرمهم من شهرة وراء معركتي التي أرادوها أن تكون ترويجًا للفيلم، وأن الفيلم سينسى وستبقى الرواية، وهي فعلًا إلى الآن في واجهات المكتبات العربية منذ 2006 ، أما الثانية فهي قريبة وقد تابعها الإعلام العربي عندما سطا جامعي يمني يدعى عمشوش على دراسة لي عن فن اليوميات، منشورة على قسمين في موقع" ضفة ثالثة" وقد نسخها حرفيًا ونشره، وقد كشف الموقع السرقة وكتب عن تلك الواقعة الشاعر ومدير الموقع أمجد ناصر ردًا على اتحاد كتاب اليمن الذي أراد حماية اللص وكذلك فعل الروائي أمير تاج السر.

وكشفت السرقة بالأدلة المضحكة، وكشفت أيضًا أن هذا الجامعي الذي من المفروض أنه حاصل على دكتوراه من السربون لا يتقن أبجديات الفرنسية وكان يجب أن تحاكمه الجامعة اليمنية والمشهد الثقافي اليمني وتسائله من أين جاء بتلك الشهادة العلمية وبكم اشتراها؟، لكننا أمام مشهد ثقافي سخيف يحمي اللصوص بمؤسّسات الدول.  أما هذه الحكاية الجديدة فقصتها قصة. بدأت الحكاية عندما ظهرت روايتي “عشيقات النذل” سنة 2015 ، ورشّحتها دار الساقي لجائزة البوكر وحققت الرواية نجاحًا كبيرًا. في الاثناء كنت أتلقى الكثير من العروض لتحويلها إلى عمل سينمائي أو درامي من تونس ومن بيروت ومن سورية.

 اتصلت بي كاتبة وصحفية لبنانية تلحّ على تحويلها إلى سيناريو فيلم وحتى أنها كان لها تصوّر كامل عمن سينتج العمل ومن سيمثله، واقترحت الممثلان رودريغ سليمان وماغي بوغصن لأداء دور الكاتب وزوجته ناديا وهما الشخصيتان الرئيسيتان في العمل، وأخبرتني أنها وصلت سنة 2016 إلى كتابة نصف السيناريو وعرضته على رودريغ سليمان وأنه معجب بالسيناريو والرواية والدور.

كما أخبرتني أن لها موعدًا مع زوجة المنتج جمال سنان وطلبت أن تتّصل بدار الساقي لشراء الحقوق وأخبرت رانيا المعلم مديرة الدار بذلك. وأجرت السيّدة التي تكتب السيناريو مقابلة معي لصالح جريدة السفير عن الكتابة والرواية وهي ناقدة وصحافية أرادت خوض تجربة السيناريو.

 في المقابل، كانت الكاتبة السورية تلحّ عليّ، ولما سألتها عن حقوق التأليف قالت إن الجهات السورية لا تدفع كثيرًا ولما ذكرت لي المبلغ ضحكت وقلت لها هذا مستحيل، لن تقبل الدار به لكنها أصرّت وقالت أن الدار نفسها تنازلت عن أعمال روائية بمبلغ مشابه وانقطع الحوار من وقتها من الجهتين، بعدها راسلي بعض القرّاء يُنبّهونني عن شبهة سرقة العمل، عدت إلى اليوتيوب لمشاهدة ما فاتني من المسلسل، فتفاجأت أن روايتي تجسدت تقريبًا بجميع شخصياتها وحبكتها.

فتاة مراهقة إسمها سارة تتحوّل في في المسلسل إلى تمارا تقتل في ظروف غامضة ويتّهم الكاتب بقتلها، تم توقيفه والتحقيق مع كل من حوله، حيث نكتشف علاقاته المشبوهة بهند المونديال التي تعرف حقيقته وأن له بيتًا سريًّا، يكتب له فيه بعض الطلبة روايات وسيناريوهات جعلت منه نجمًا معروفًا.

ويتخلّل الرواية مشاهد فوق واقعية، انطلاقًا من صورة لغابريل غارسيا ماركيز يحدثها الكاتب تحولت في المسلسل إلى مشاهد بالأبيض والأسود في القطار وهو المكان الذي تفتح عليه الشقة السريّة للبطل في الرواية، كل ذلك موجود في المسلسل بحذافره حتى التحقيقات مع عشيقة الكاتب وطريقة التحقيق والتحقيق مع زوجته أو طليقته.. الحبكة هي نفسها في المسلسل والشخصيات كلهم موجودين ووقع تغيير شخصية المحامي اليهودي صديق الكاتب في الرواية بالمحامية التي سقطت في غرامه لاستحالة عرض شخصية يهودي معاصر في مسلسل سوري لبناني. المسلسل حاول التعمية بإدراج بعض المشاهد الأخرى الملتقطة من أفلام وأعمال أخرى في النصف الثاني فجاءت مسقطة وهو سبب تراجع مستوى المسلسل في النصف الثاني لأنّ الكتابة أو التلفيق ضعيف جدًا.

 

مسألة السطو على أعمال الكاتب للدراما مشكلة كبيرة في الوطن العربي، في غياب محاسبة والكاتبة التي لم تجرأ أن تضع في الجينيريك كلمة قصّة، اكتفت بكلة رؤية وهي بذلك تعترف أنها قد قامت بالسطو على أعمال غيرها.

هناك مشاهد مضحكة، مثلا قصّة الفراشة والتي كانت مركزية في الرواية من خلال الكرافات عند الكاتب والتاتو عند الفتاة الضحية سارة ظهر في المسلسل دون أي تبرير طفل ينظر في فراشة حقيقي. أشعر كما قرّائي بالكثير من الحزن على هذا السلوك المشين الذي ترتكبه شركات انتاج ومخرجين وكتبة في سرقة مجهود غيرهم دون أن يطالهم أي قانون ولا نجد صحافة استقصائية تكشف هذا.

 هل يجب أن تكون السرقة حرفية حتى تكون سرقة ؟ لا بد أن نوضّح أن كشف بعض السرقات يتطلب معرفة بالدراما والسينما؛ فالاقتباس عن أعمال روائية لا يعني أن يتطابق العملان تطابقًا كاملًا، بل هناك ما يُسمّى بالاقتباس الحرّ وهو لا يسقط حق المؤلّف الحقيقي، وأعطي مثالا رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان، عندما حولها داوود عبد السيد للسينما في "الكيتكات" قام بتغيير حبكة الرواية وأخذ شخصية الأعمى فقط ليبني حولها العمل وغير من طبيعة العلاقات بين الشخصيات في الرواية عندما نقلها إلى السينما وكتبت عن هذا مقالة طويلة، وكذلك حدث مع ستينفن كينغ عندما اقتبست روايته شاينينغ، فعندما شاهد الفيلم قال هذه ليست روايتي، لكن المخرج الكبير ستانلي كوبريك رد : "هذه روايتك كما رأيتها وسيبقى اسمك في الجينيريك"، وبعدها اقتنع ستينفن كينغ بأن هذا هو المخرج العبقري الذي يقرأ العمل وفق رؤية جديدة ولكنه لا يدّعي أنه صاحب العمل بل ينسبه إلى صاحبه ودفعت الشركة المنتجة حقوق التأليف لستينفن كينغ.

هنا نحن أمام استنساخ للعمل وادعاء الرؤية ولا شيء من حقوق التأليف، مع يقيني أن العمل أو ملخّصه وصل الجهة المنتجة عبر ما تقدم من حديث عن كاتبات السيناريو ومن شهرة الرواية التي كتبت عنها كل الصحف اللبنانية مقالات تشيد بقيمتها. والرواية لا تحتاج إشهارًا ولولا قرائي الذين انتبهوا الى الأمر وأشاعوه لما انتبهت له.  إذن نحن أمام مراسلات حقيقية حدثت مع الكاتب ودار النشر من جهات لبنانية وسورية، وكاتب السيناريو ذكر في هذه المراسلات، اسم المنتج وزوجته وممثلين بالأسماء، وذكر أن ملخصات وسيناريهات سلمت لهم وليس مجرد تخمين.

  • هل يمكن أن توضح للقارئ ما هي المواطن التي وقعت فيها سرقة رواية عشيقات النذل من طرف كاتبة سيناريو مسلسل الكاتب؟

السطو تم على حبكة الرواية، ذات النفس البوليسي وشخصيات الرواية ومناخاتها وعالمها الفنية وأسلوب شخصياتها وخطابها وحتى قضاياها، حيث عالجت الفساد الثقافي في عالم الإعلام والأدب والنشر والمسرح والسينما، ولكن أطرف سرقة في السرقة هي قضية الملكية الفكرية نفسها، حيث تعمّد صنّاع المسلسل السطو على رواية تعالج موضوع السرقة الأدبية واستغلال كتّاب مغمورين من طلبة وغيرهم ليصنعوا نجومية كاتب ما يعرف بـ"اللاناغر"، الفئران التي تكتب بمقابل للنجوم، وهو موضوع غير مطروح لا في الرواية ولا في الدراما قبل رواية "عشيقات النذل".

كل شيء متطابق حتى في تفاصيل صغيرة ككاستنيغ الشخصيات وأشكالهم وملامحهم وطريقة لباسهم ونبرتهم.

ولكن لطبيعة الرواية التي كانت معقدة، رغم أنها أغرتهم بعالم الجريمة والشخصيات غير النمطية سقطوا في الفخ أثناء انجاز المسلسل أن أشياء لا يمكن تجسيدها في الدراما بسهولة لكن يتحملها الأدب فأخذوا يحشون المسلسل بمشاهد أخرى التقطوها من أفلام أجنبية أخرى وأعمال بوليسية. وهكذا تفرّق دم روايتي بين سرقات أخرى، ومن غرائب الأمور أن صنّاع المسلسل يعترفون أنهم اقتبسوا لكن من أعمال أجنبية هروبًا من التهمة.

  • في رأيك، ما هو أفضل سبيل لحماية الحقوق المادية للمبدع العربي؟

 أولًا نحتاج إلى صحافة استقصائية حرّة في المجال الثقافي؛ حرّة لأن الكثير من البرامج المحسوبة على الثقافة هي في الحقيقة ملك لشركات الإنتاج أو هي رهينة لهم، فإحدى مقدّمات برنامج سخيف وقفت مدافعة فقط لأن صناع العمل من أصدقائها، وطبعًا هي تنوي استضافة نجوم المسلسل في برنامجها، وهنا نعود إلى الكاتب باعتباره الحلقة الأضعف أمام سطوة المال. بل حتى دور النشر التي تنشر للكاتب يُمكن أن يُشترى صمتها بالمقايضة، حيث تشتري شركةات إنتاج أعمال من دور النشر ويتم إخفاء ذلك عن الكاتب. لقد سقط المشهد في الحضيض. 

كمال الرياحي: لابد من ظهور محامين وقضاة مختصّين قادرين على فكّ شيفرة السرقات التي تظهر أحيانا معقدة، و لابد أن يتوفّر في المتتبع معرفة بأنواع الاقتباس أصلًا

  • هل ننتظر من الرياحي رواية جديدة قريبًا؟

 أنا بصدد الانتهاء من روايتي الجديدة التي تسير في خطي الإبداعي نفسه؛ وهو الكتابة المشهدية، وتدور حول أشكال جديدة من الفساد والجريمة والحب والعنف، في أجواء من التشويق الذي تعوده منّي القارئ. إلى جانب مشاريع لترجمة أعمالي السابقة إلى لغات أخرى، آخرها ترجمة روايتي "المشرط" للإيطالية، قام بترجمتها المترجم الإيطالي فرانشيسكو ليجو، والذي سبق وترجم موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح وغيرها من الروايات الكبيرة، وقد صدرت عن دار جوفنسي بميلانو مؤخّرًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا

حوار | رباح بدعوش: الشعر هو الشاهد على الإنسانية