19-أغسطس-2021

محمد شريف مقران (فيسبوك/الترا جزائر)

تصاعدت الأخبار المزيفة وتدفقات المعلومات بشكلٍ هائلٍ عبر وسائل السوشيل ميديا، وتحولت منصّات التواصل الاجتماعي إلى مكاتب تحقيق وباتت "صحافة المواطنة" لا تعرف حدودًا، وغير معنية بأخلاقيات المهنية، في حوار لـ "التر جزائر" يكشف محمد شريف أمقران، خبير استراتيجيات الاتصال، عن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على البيئة الاجتماعية، ويتحدّث عن الأخبار الكاذبة وبيئة انتشارها وماهي آليات الحماية من الاخبار المزيفة وكيفية التعامل معها.

محمد شريف أمقران: الأخبار الكاذبة يمكنها أن تؤدّي عدة أدوار كنشر الذعر والقلق وتعويم فضاءات الحوار لجعل الناس ينصرفون عن المواضيع المهمة والرهانات المفصلية

  • ما هي أهداف الأخبار الكاذبة والمزيفة؟

سؤالك يفتح الباب على عدة احتمالات؛ من منطلق أن الأخبار الكاذبة يمكنها أن تؤدّي عدة أدوار كنشر الذعر والقلق، إضعاف المعنويات، تعويم فضاءات الحوار لجعل الناس ينصرفون عن المواضيع المهمة والرهانات المفصلية، إضعاف الخصم أو العدو، تشويه سمعة المنظمات والأشخاص، الحصول على أكبر قدر من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي...إلى غير ذلك من المآرب، فالأهداف تتغير تبعا للظروف والأطراف المعنية.

اقرأ/ي أيضًا: كأنها جهنّم.. قصص يوم أسود في قرى منطقة القبائل    

  • ماهي البيئة التي تساعد على انتشار الإشاعة؟

قبل الإجابة على سؤالك هذا، على أن أشير باختصار إلى الفرق بين الإشاعة والأخبار الكاذبة. تعتبر الإشاعة ظاهرة اجتماعية تنتشر أفقيًا في الغالب؛ أي بين الأفراد الذين يؤثرون عليها، كل بحسب مستواه وأهدافه. أما الأخبار الكاذبة بالمفهوم الحديث (Fake news)؛ فهي أخبار لا يطالها التحريف في عملية الانتقال لأن قوتها تكمن في الشبه مع الأخبار الحقيقية شكلًا ومضمونًا. لذا أفضل تسميتها بالأخبار المُغالِطة.  على سبيل المثال، عندما يتم تقليد طريقة كتابة وتقديم الأخبار التي نراها على شكل صور مصحوبة بنص قصير، من حيث المفردات والألوان وشعار المؤسّسة؛ فالناس سينشرونها على أساس أنها صدرت عن موقع رسمي أو مؤسسة إعلامية. فهذه الأخبار لا تعتبر كإشاعات ينبغي التحقق منها، بل يُنظرُ إليها على أنها أخبار مؤكّدة، بحسب سمعة المؤسسة المعنية طبعًا. 

فيما يخص البيئة المساعدة على انتشار الإشاعات، هي بيئة يكون فيها الاتصال ضعيفًا أو قليل الفعالية لأنه لا يلبي حاجات المواطنين إلى المعلومات، أو لا يفعل ذلك بالسرعة الكافية. كما أن الإشاعات تزيد كلما ضعفت الثقة بالمنظمات المعنية بتوفير المعلومة.

وتؤدّي الإشاعة عدة وظائف، من بينها الوظيفة العاطفية التي تسمح مثلا بالتعبير عن الأماني. كحال بعض الأشخاص الذين لا يسددون ديونهم للدولة، مرددين دوما أن عفوًا شاملًا سيصدر قريبًا. ومن الناحية الاجتماعية يمكن للإشاعة أن تساعد الفرد على لفت الانتباه ولو لوقت قصير. أما من الناحية الفكرية فهي قد تستعمل لتفسير الأحداث الغامضة أو لإعطاء تنبؤات حول ما سيحدث في المستقبل.       

  • كيف تُساهم مواقع التواصل الاجتماعي في تنشيط المنشورات الكاذبة؟

مواقع التواصل الاجتماعي تعطي بيئة خصبة لانتشار الأخبار الكاذبة. أولًا من ناحية سهولة النشر وسهولة الاطلاع على المعلومات، وثانيًا بسبب غياب الحواجز النفسية كالخوف والحياء. ثالثا، إمكانية إخفاء الهوية إلى حد ما. وأخيرًا التشجيع الذي يلقاه بعض الأفراد. زد على ذلك أن المنشورات السلبية تحظى برواج أكبر، حيث أنه منذ عشرات السنوات أشارت الدراسات في ميدان التسويق إلى أن الزبون الساخط يتحدّث عن تجربته مع علامة تجارية أو منتوج ما، خمس مرات أكثر من الزبون الراضي، وفي السنوات الأخيرة، أجريت تجربة مشابهة حول المنشورات السلبية على وسائط التواصل الاجتماعي فخلصت إلى النتيجة نفسها، إذ أن المضامين السلبية تحظى بالنشر خمس مرات أكثر من المضامين الإيجابية.     

  • يلعب بعض رواد التواصل الاجتماعي دور الصحفي الرقمي دون امتلاك أي شروط معرفية أو مهنية، في رأيك لماذا؟

كل التخصّصات وكل المهن تعاني من هذا التطفل. هذا يدل على نقص المعرفة (كي لا أستعمل كلمة أخرى). نحن نرى الفتاوى في الطب والرياضة والسياسة والعلوم والشريعة (...) والقائمة تطول. وكثيرًا ما يصدر هذا من نفس الأشخاص، والأدهى أنهم في الغالب فاشلون في ميدان تخصّصهم. يجب احترام العلم واحترام التخصّصات لأن وهم العلم أخطر من الجهل.

لكن هناك ما يسمى بصحافة المواطنة، الموجودة في كل المجتمعات الغربية والتي تؤدي دورًا إيجابيًا خاصة في الجانب الاجتماعي والبيئي. هي ليست صحافة بأتم معنى الكلمة إنما تدلي بشهادات موثقة حول مواضيع تهم المجتمع. ويكون هذا باستعمال الوسائط التكنولوجية. في الجزائر سمح هذا النوع من الصحافة، بالتعرف على شباب قاموا بافتعال حادث خطير في الطريق السريع كاد يتسبب في عواقب وخيمة. إلا أن وجهًا سلبياً يظهر لهذه الصحافة، عندما لا نحترم الحياة الخاصة للغير أو ننصب أنفسنا محققين وقضاة، أو نقحم أنفسنا في ميادين نتوهم فهمها.     

  • بعد مقتل جمال بن سماعين رحمه الله، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى غرف تحقيق، هل الظاهرة صحيّة أم ممكن أن تحمل مغالطات؟

لا أظن الظاهرة صحية. رغم وجود نية حسنة في بعض الأحيان، ورغم أن هذا الاستنفار العام يدل على رفض الجزائريين في 58 ولاية للظلم والإجرام وتمسكهم بالوحدة الوطنية، إلا أن التدخل في التحقيق ورمي التهم والتشهير بالناس من دون تثبت ولا كفاءة، يعد عملًا لا مسؤولًا سببه المبالغة في الاعتداد بالنفس ونقص الوعي.

إن هذه التدخلات قد تشكل ضغطًا على المحققين وتغلط الرأي العام فيما يخص الأدوار التي لعبها المتهمون. والتمادي في هذه السلوكيات سيؤدّي إلى التشكيك في نتائج التحقيق مهما كانت. أرى أنه من الواجب إعادة وضع الأمور في إطارها، من دون أن ننسى أن عائلة جمال رحمه الله هي التي من حقها أن تطلع على الحيثيات وهي التي يمكنها إبداء الرأي حول سير القضية.        

  • كيف يمكن محاربة الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي؟

لا يمكن القضاء كلية على الأخبار الكاذبة. ما يجب فعله هو العمل على كل الأصعدة، بدءً بالجانب التوعوي خاصة لدى الصحفيين والمؤثرين. أن ينشر مواطن غير متخصص خبرا كاذبا، أمر يمكن تقبله جزئيا. لكن أن يفعل ذلك صحفي أو أستاذ جامعي أو أحد قادة الرأي، فهذا ليس مقبولا إطلاقا. ثم يجب محاربة الأخبار الكاذبة، بالإعلام الفعال. للأسف، معظم وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والإلكترونية لا ترقى إلى المستوى المطلوب. من جهة أخرى يمكن للجانب القانوني أن يلعب دورًا مهما بشرط الاعتماد على الوسائل التكنولوجية والتحكم الجيد فيها، لكن من دون تضييق فضاءات التعبير.

يجب أيضا رفع الآداء فيما يخص اتصال المنظمات. مستوى الاتصال ضعيف جدًا والأخطاء لا تعد ولا تحصى. مهنة الاتصال تعاني في بلدنا، ويتجرأ عليها ويستسهلها كل من هب ودب، والنتيجة منظمات بعيدة عن أهدافها كثيرًا ما تنال السخرية والاستياء إذا تكلمت أو كتبت.  

أما على المدى البعيد، فيجب تحضير جيل مثقف واع لا ينساق بسهولة خلف الأكاذيب والألاعيب وهذا هو دور المدرسة. وكما أقول دومًا، الأميُّ في عصرنا ليس من لا يكتب ولا يقرأ، ولا من لا يحسن استعمال الحاسوب، بل هو من لا يحسن التعامل مع الأخبار الكاذبة.  

أمقران: الواجب توفير فضاءات أخرى للتعلم بالنسبة للشباب. كالرحلات والمحاضرات واللقاءات العلمية والنشاطات الترفيهية وبرامج التبادل البناءة

من جهة أخرى، وبما أن القضاء على الأخبار الكاذبة كليًا يعد أمرًا مستحيلًا، فالواجب توفير فضاءات أخرى للتعلم بالنسبة للشباب. كالرحلات والمحاضرات واللقاءات العلمية والنشاطات الترفيهية وبرامج التبادل البناءة...لا يعقل أن تكون وسائط التواصل الاجتماعي النافذة الوحيدة التي يتنفس منها الشباب.     

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية جمال.. القبض على 36 مشتبهًا فيه واعترافات بارتكاب الجريمة

مثقفون يرفضون استعمال جريمة قتل جمال لنشر الكراهية