30-مايو-2019

أستاذ العلوم السياسية، محمد هناد (فيسبوك)

أجرى "الترا جزائر" حوارًا مع محمد هناد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، تطرق فيه للحديث عن الوضع السياسي الذي تعيشه الجزائر في ظل الحراك الشعبي، وعن رؤيته لمستقبل الحراك وتحدياته، ومسؤولية المؤسسة العسكرية في الانتقال الديمقراطي

محمد هناد: من المؤسف أن تُقحَم القيادة العسكرية في عملية إجراء انتخابات رئاسية لأن الأمر مدني صرف


  •   توقّع كثيرون تراجعًا في أعداد المشاركين خلال شهر رمضان، لكن بعد الجمعة الـ14 لا يزال الحراك يحافظ على مليونيته، ما هي قراءتك لهذا الإصرار؟

التطوّرات التي شهدتها الجزائر منذ 22 شباط/فبراير الماضي، تدفع إلى التفاؤل بشأن مصير المسيرات. فما هو مهم الآن، ليس فقط حجم هذه المسيرات في كل مرّة، بل أيضًا قوّة التعبئة الجماهيرية، بحيث لو قامت السلطة بأيّة خطوة يرى فيها الحراك التفافًا على مطالبه، ستشهد شوارع المدن الجزائرية كلّها الملايين من الرافضين.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| سمير قسيمي: زاد الحراك أسئلتي وأوقفني على عبثية الوجود

من منا كان ينتظر خروج الجماهير بصورة دائمة، سلمية وحاشدة في شهر رمضان؟. هذا دليل على أن المسيرات ليست مظاهرات عادية بل هي زخم متواصل لابدّ أن يؤتي أكله يومًا ما.

  • الحراك الشعبي يتدعّم بالحراك الطلابي والجامعي خلال أيّام الأسبوع. هناك استفاقة طلابية قويّة بعدما اعتقد كثيرون أن الجامعة مستقلة عن الشأن السياسي. كيف نقرأ هذه العودة؟

شخصيًا، منذ أوّل مظاهرة طلابية استبشرت خيرًا إلى درجة أنني رأيت نصرًا قريبًا. تاريخيًا، الطلبة عنصر أساسي في كل حركة اجتماعية سياسية بحكم مستواهم المعرفي وطموحاتهم بوصفهم نخبة المستقبل. لقد نال الطلبة الجزائريون، بإصرارهم وحسن تصرفهم في المسيرات، إعجابًا كبيرًا على المستوى الوطني والدولي. لم يعد الطالب ذلك الذي يقضي وقته في اللهث وراء العلامات بل صار فاعلًا سياسيًا يُحسب له حسابه.  

  • هل الجيش لا يمتلك تصورًا سياسيًا يتجاوز الدستور؟

من المؤسف حقًا أن تُقحَم القيادة العسكرية في عملية إجراء انتخابات رئاسية، لأن الأمر مدني صرف. ومع ذلك، هذه القيادة من المفروض ألا تقرّر موعد الانتخابات ولو بحجّة ضرورة احترام الدستور.

أولًا، الدستور الحالي لم يكن دائمًا محل احترام من طرف من فرضوه أنفسهم. ثانيًا، تمرّ البلاد بأزمة سياسية حادّة لا ينفع فيها الاكتفاء بتفعيل المادة 102 وكأننا في انتقال عادٍ لسلطة رئيس الجمهورية.

الجزائريون عندما ينادون بتغيير النظام جذريًا فإنهم يرفضون التعامل مع شخصياته أصلًا في سياق التغيير المنشود. الآن وقد تبيّنت استحالة إجراء الانتخابات في الموعد المقرّر بسبب ضيق الوقت والرفض الجماهيري التام لها، إضافة إلى غياب مترشّحين جادين، فقد ينتظر رئيس الأركان الوقت المناسب لاقتراح موعد آخر يقدّمه هديّة للمعارضين.     

  • لم يتمكّن الحراك الشعبي من إيجاد هياكل تمثيلية له، يرى البعض أنه الجانب السلبي والحلقة الأضعف  في الحراك. كيف السبيل إلى تأطير الحراك؟

بالعكس، يمكن اعتبار ذلك عامل قوة الحراك، ولنتذكر أن أوّل مخاوف للحراك هي إمكانية ركوب الموجة من طرف انتهازيين سياسيين.

هذا الحذر هو الذي حمى الحراك، ولا يزال، من ثوار الربع الساعة الأخيرة. أما عن تأخّر بروز قيادة للحراك، فهذا أمر عادي جدًا، بل ومحمود، لأن الوقت وحده هو الكفيل بإفراز نخبة ترقى إلى مستوى تطلعات الحراك. لذلك، يجب أن لا نستعجل الأمور قبل نضجها.

  • شهدنا في الفترة الأخيرة حملة اعتقالات ومحاكمات لبعض رموز النظام القديمة بحجّة محاربة الفساد. الكثير يرى في الخطوة محاولة الالتفاف حول الحراك وامتصاص غضب الشارع، ما هي قراءتك؟

فعلًا، من الطبيعي أن يتساءل الناس عن حيثيات هذه الاعتقالات، مادامت تتمّ في ظل النظام القديم. لذلك يرى البعض فيها مجرد تصفية حسابات، خصوصًا بالنسبة إلى الثلاثي المسجون بالبليدة. بينما يرى البعض الآخر في هذه الاعتقالات إلهاء للجماهير ريثما يستطيع النظام القديم استعادة زمام الأمور.

لعله كان من المفروض أن يتم الاكتفاء بتدابير تحفظية ريثما تقوم سلطة مشروعة تهيئ الظروف الضرورية لضمان محاكمات جادة بعد إجراء إصلاحات في قطاع القضاء من حيث التدابير القانونية والسلك القضائي. علينا أن لا ننسى أن للقضاة مسؤولية كبيرة في انتشار الفساد عندنا والكثير منهم كان ضالعا فيه.

  • هل محاربة الفساد من أولويات المرحلة الحالية أم بناء مؤسّسات سياسية؟

في الواقع، الإجابة ليست سهلة أبدًا، بسبب ما وصلت إليه الدولة الجزائرية من تفسّخ. منطقيًا يبدو أن بناء المؤسّسات أسبق من أي شيء، لكن هذه المهمّة تبقى مستحيلة قبل أن يتمّ وضع حد لتصرّفات رموز الفساد، على الأقل قبل أن يتمكّنوا من استعادة زمام الأمور بأيدهم.

محمد هناد: الجزائريون عندما ينادون بتغيير النظام جذريًا فإنهم يرفضون التعامل مع شخصياته أصلًا في سياق التغيير المنشود

ومع ذلك يبقى السؤال مطروحًا حول من يقوم بهذه المهمة؟ حاليًا، تبدو القيادة العسكرية هي المشرفة على العملية وإن من باب الدعم والمرافقة. لكن قطاع القضاء لم يرَ أي تغيير، كما أن الكثير من القادة العسكريين أنفسهم ضالعون في الفساد، إلى درجة أن أغلبية الجزائريين يظنون أن الفساد ما كان لينتشر إلى هذا الحدّ لولا ضلوع قادة عسكريين فيه.      

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار | نصيرة محمدي: ولّد الحراك الشعبي سلوكًا تحرريًا

عقول الجزائر والحراك.. عالِم ينقل الثورة السلمية إلى كوكب المريخ