05-مارس-2022

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

 

امتنعت الجزائر عن التصويت على قرار الجمعية للأمم المتحدة، الذي يطالب روسيا بالتوقف الفوري عن استخدام القوة ضد أوكرانيا، ويطالب القرار الأممي بالسحب الفوري والكامل وغير المشروط لجميع قواتها من أوكرانيا.

 تُعد الجزائر من مؤسسي مذهب حديث في السياسية الدولية المعاصرة هو "الحياد الإيجابي"، أو كما يُطلق عليه "سياسة عدم الانحياز"

 ويدين هذا القرار التصعيد العسكري الروسي عبر تأهب قواتها النووية، فهل يعكس القرار تموقع الجزائر لصالح روسيا في العدوان على أوكرانيا، وهل امتناع الجزائر عن التصويت يعني تأييد الخطوة الروسية؟

اقرأ/ي أيضًا: هنا في الجزائر.. وطن على قيد الأمل

 أولًا يجدر التذكير أن الجزائر كانت من بين الدول الأولى التي اعترفت بأوكرانيا سنة 1992، ورغم ضعف التبادل التجاري الذي يبلغ في حدود 620 مليون دولارًا سنة 2019، تَعد الجزائر ثاني أكبر شريك تجاري واقتصادي في القارة الإفريقية بعد مصر، تستورد الجزائر من أوكرانيا القمح والشعير وزيت عباد الشمس، وتستقبل أوكرانيا في حدود 1000 طلب تُمنح لهم تأشيرات دراسية، زيادة على التعاون في مجال الطاقة والتكوين العسكري.

 وعلى ضوء كل ذلك، فإن موقف امتناع الجزائر عن إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا لا يعني موافقة الجزائر على خطوة الكرملين المتمثلة في التعدي على الشرعية الدولية والمواثيق الأممية، بل دبلوماسيًا يُوصف الموقف الجزائر بـ "الحياد"؛ والحياد في النزاعات الدولية هي المقاربة الدبلوماسية التي تخطوها الجزائر تقليديًا في تعاملها مع الأطراف المتنازعة، فما هو الحياد في القانون الدولي والدبلوماسي؟

يُعرف القانون الدولي الحياد، هو عدم اشتراك الدولة في نزاع مسلح بين الدولتين، وتلتزم الدولة المحايدة بعدم مساعدة أيّ فريق من الفريقين المتنازعين ضد الآخر، وتلتزم الدولة المحاربة باحترام حياد الدولة المحايدة، وقد توضع الدولة في حياد دائم بمعاهدة تفرض عليها عدم الاشتراك في أي تحالف عسكري أو نزاع مسلح.

 في السياق، دبلوماسيًا تُعد الجزائر من مؤسسي مذهب حديث في السياسية الدولية المعاصرة هو "الحياد الإيجابي"، أو كما يُطلق عليه "سياسة عدم الانحياز"، وقد تبنت الجزائر مبادئ الحياد والدفاع عن الدول المستعمرة خلال الثورة التحريرية، حيث شارك وفد من جبهة التحرير الوطني بقيادة حسين آيت احمد ومحمد يزيد في رسم مبادئ عدم الانحياز خلال مؤتمر باندونغ 1955، ومؤتمر بلغراد 1964، ومؤتمر القاهرة 1964، ومؤتمر الجزائر.

في سياق متصل، حاولت حركة عدم الانحياز تكوين قطب عالمي ثالث عن طريق الحياد، وعدم التموقع مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفياتي سابقًا، وفي التسعينيات وبعد انتهاء الحرب الباردة قامت الحركة إلى إعادة النظر في هويتها ودورها.

 بالمقابل، وفي ظلّ عودة النزاع اليوم بين الاتحادية الروسية والغرب والولايات المتحدة الأميركية، بات أجواء الحرب الباردة قائمة بين روسيا وحلف الناتو يأخذ أبعادًا خطيرة على السلم العالمي، وأي شرارة قد تشعل العالم وتورده المهالك والحروب، لذا فإن موقف الجزائر هو الالتزام بمسافة بعيدة عن الصراعات الجيو السياسية والجيو استراتيجية.

 في المقابل، تشدد الجزائر على ضرورة حل النزاعات عبر الحوار، والجلوس على مائدة التفاوض، وتقديم تنازلات، باعتبار أن "الحوار هو السبيل الوحيد لإخماد النيران واسكات صوت القنابل والرصاص".

وفي هذا الإطار، حتى الدول الغربية تريد المحافظة على خط التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتسعى إلى عدم التصعيد العسكري واتساع رقعة المواجهة.

 هنا، تجدر الإشارة إلى أن الحلف الأطلسي رغم تصعيد اللهجة ضد روسيا، رفض اتخاذ قرار فرض حظر جوي في أوكرانيا في خضم الهجوم الروسي على كييف، وأعلن البنتاغون عن إطلاق خط ساخن مع وزارة الدفاع الروسية للجوء إليه في الحالات الطارئة وتفادي وقوع حوادث عرضية، فيما لا تزال جولة المفاوضات بين موسكو وكييف قائمة ومستمرة للوصول إلى قرار وقف إطلاق النار، زيادة على الاتصالات المتبادلة بين بوتين والرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتس.

العالم بحاجة إلى دول محايدة تَرسم معالم السلم العالمي ورفض الحرب دون تمييز أو استثناء

العالم بحاجة إلى دول محايدة تَرسم معالم السلم العالمي ورفض الحرب دون تمييز أو استثناء، وفي ظل تشكيك بالموقف الجزائري، يستحضر الضمير العالمي الغارات الأميركية على العراق، وبرنامج النفط مقابل الغداء الذي تسبب في وفاة مليون ونصف طفل عراقي جراء سوء التغذية، إضافة إلى الصمت الدولي على الاضطهاد والقتل العنصري على الشعب الفلسطيني، وتدمير ليبيا وتمزيق الجسد العربي والأفريقي.    

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسيرات شعبية في عدّة ولايات.. هل هي عودة الحراك الشعبي؟

مسيرة شعبيّة في خرّاطة.. عودة الحراك؟