21-يوليو-2019

استقبال جماهيري للاعبي المنتخب الجزائري بعد فوزهم بكأس إفريقيا (بلال بن سالم/Getty)

حراك ناقص

انتبهنا، قبل الحراك وخلاله، إلى الخرابات الماليّة والاقتصاديّة والتّنمويّة، التّي أحدثها نظام عبد العزيز بوتفليقة. لذلك مسّ السّجنُ بعضَ وجوه المرحلة المتسبِّبة في تلك الخرابات، مراعاةً لذلك الانتباه الشّعبيِّ العامِّ، في مسعى السّلطة القائمة إلى إعطاء انطباعٍ بأنّ ثمّة تغييرًا.

هيمنت الرّوح الفردية في الملاعب، حتّى أنّ معظم خساراتنا كانت ثمرةً لاحتكار الكرة من طرف اللّاعب الجزائري

لكنّ الانتباه إلى الخرابات المعنويّة والنّفسيّة والفكريّة والأخلاقيّة، التّي طالت جيلًا بأكمله ظلّ محدودًا على مستوى بعض النّخب فقط، فلم نسمع ولن نسمع على الأرجح أنّ السّجن مسّ وجهًا واحدًا من الوجوه المتسبِّبة في هذا النّوع من الخرابات. علمًا أنّه الأخطر والأبقى.

اقرأ/ي أيضًا: المعركة هي أيضًا معركة أفكار

تأتي زراعة الرّوح الفردانيّة أفقيًّا وعموديًّا في النّسيج العامِّ للدّولة والمجتمع معًا، في صدارة الخرابات المعنويّة والأخلاقيّة، التّي أحدثها بوتفليقة، على مدار عقدين من الزّمن، انسجامًا مع نزعته إلى أن يكون محور الأحاديث والأحداث.

ففي مجال الإنتاج التلفزيونيِّ استفحلت البطولة الفرديّة في المسلسلات، حتّى جاء مسلسل "أولاد الحلال". وسينمائيًّا اختفت الأفلام الثوريّة ذات البطولة الجماعيّة، في مقابل انتعاش الأفلام المحتفية بالفرد الواحد. وكرويًّا هيمنت الرّوح الفردية في الملاعب، حتّى أنّ معظم خساراتنا كانت ثمرةً لاحتكار الكرة من طرف اللّاعب الجزائريِّ، إلى أن جاء جمال بلماضي. وصحفيًّا استفحلت البرامج الحواريّة، التّي يتدخّل فيها الصّحفيّ أكثر من الضّيوف.

أمّا اجتماعيًّا، فقد تجلّت الرّوح الفردانيّة في كثير من السّلوكات، منها الرّوح التّي يسوق بها شاحنة "الهربين" في الشّوارع والطّرقات.

وإذا أردنا أن نختصر ثمار الحراك الشّعبيِّ والسّلميّ في ثمرةٍ واحدةٍ، فسوف لن نجد أفضل من ثمرة انتعاش الرّوح الجماعيّة. أمّا إذا أردنا أن نختصر أخطاء السّلطة، التّي خلفت بوتفليقة، في خطأ واحد، فسوف لن نجد أخطرَ من خطأ محاولتها تكسيرَ هذه الرّوح الجماعيّة، وتكريس هيمنة الفرد الواحد من جديد.

فوز ناقص

كان كلّ مشهد من مشاهد الحضور الجزائريّ في الكان رائعًا، لافتًا، مفرحًا، مشرّفًا، باعثًا على الأمل والتحدّي والإصرار على بلوغ الهدف، نابضًا بالوطنيّة والانسانيّة والحياة، مشرقًا بعلامات التحوّل في الفضاء الجزائريّ الجديد، واعدًا بغدٍ مختلفٍ، مثيرًا للإعجاب والتّثمين، صارخًا بالتميّز.

غير أنّ في الوُقَيِّت، الذّي تقدّم فيه السّيّد عبد القادر بن صالح ليشرف على تتويج المشهد، اختفى الانسجام بين اللّحظة الشّعبيّة، التّي يمثّلها الفريق الوطنيّ، في تميّزها بما ذكرتُ، واللّحظة النّظاميّة الحاكمة، في تميّزها بالبعد الحقيقيّ عن طبيعة التحوّل الحاصل في أوساط الشّعب، خاصّة الشّباب، بما يضعنا أمام ثنائيّة لا يمكن أن تكون على وفاق: ماضٍ بائس ومريض/ مستقبل باسم ومنطلق.

إنّ الذين لم يستحوا من الفشل في استغلال الأوضاع والإمكانيات والظّروف المناسبة، على مدار عقدين من الزّمن، لبناء قوّة حقيقيّة في كلّ المجالات، بل إنّهم بقوا يصوّرون الضّعفَ قوّةً والخرابَ تشييدًا والإجهاضَ ولادةً إلى آخر لحظة، فرشّحوا لنا جثّة تتنفس ولا تتحرّك، لن يستحوا من الاستمرار، رغم أنّ الشّعب والواقع معًا أثبتا لهم أنّهم ليسوا جديرين بذلك.

دعونا نذهب إلى المستقبل بمن هم قادرون على صناعته وحمايته، لا بمن هم سليلو الماضي الفاشل

من هنا يأتي عتابنا لمؤسّستنا العسكريّة العظيمة والعتيدة والماجدة: دعونا نذهب إلى المستقبل بمن هم قادرون على صناعته وحمايته، لا بمن هم سليلو الماضي الفاشل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يخاف النظام الجزائري فيسبوك؟

الخطاب الإعلامي بعد الحراك الشعبي في الجزائر