يُغادرنا اليوم المحامي خالد بورايو، تاركًا وراءه إرثًا قانونيًا وأخلاقيًا سيظل محفورًا في ذاكرة الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. فقد كان، بجدارة أحد أبرز المدافعين عن حرية التعبير والصحافة المستقلة في الجزائر، وسندًا قويًا للصحفيين في مواجهة التضييق والتحرّش.
بورايو من بين المدافعين عن النشطاء والصحفيين الذين اعتقلوا بسبب آرائهم
على مدار مسيرته المهنية، وقف خالد بورايو في مئات القضايا أمام المحاكم، دفاعًا عن الصحفيين الذين تعرضوا للملاحقات بسبب مقالاتهم الجريئة أو مواقفهم النقدية.كان الراحل نصيراً للصحافة المكتوبة في أوج ازدهارها، حيث مثّل مؤسستي "الخبر" و"الوطن" في العشريتين الماضيتين، ووقف إلى جانبهما في كل المحن التي اعترضتهما.
لم يكن الرّاحل مجرد محامٍ يدافع عن عملائه، بل شريكًا في معركتهم من أجل إعلاء قيمة حرية التعبير وترسيخ دور الصحافة الحرة في بناء دولة القانون، كما يشهد بذلك كل من عرفه في هذه الساحات.
اشتهر خالد بورايو بحضوره اللافت في أبرز المحاكمات الكبرى المتعلقة بالفساد، مثل قضيتي سوناطراك 1 و2 ومحاكمة المتورطين في ملف الطريق السيار. كما كان من الأصوات القانونية البارزة خلال محاكمات مسؤولي فترة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، حيث طالب بتطبيق القانون بحزم وعدالة، رافضًا أي تجاوز أو استغلال للسلطة. واشتهر أيضًا بدفاعه عن العسكري والمرشح الرئاسي السابق، علي غديري، الذي نظم عدة ندوات صحفية لإبراز قضيته.
في فترة الحراك الشعبي، كان بورايو من بين المدافعين عن النشطاء والصحفيين الذين اعتقلوا بسبب آرائهم. ورغم وضعه الصحي الذي لم يعد يسمح في السنوات الأخيرة، لم يتخلَ عن دوره النضالي، وظل حاضراً في الدفاع عن حقوقهم، إيماناً منه بعدالة قضاياهم وضرورة حماية الحريات الأساسية. والمشهود له، أنه كان بارعاً في القضايا الجنائية وقضايا الرأي، جامعا بين المهارة القانونية والالتزام الأخلاقي، ليصبح حضوره في أي قضية ضمانة لتحقيق العدالة.
لم يقتصر حضور خالد بورايو على قاعات المحاكم؛ فقد كانت له إسهامات كبيرة من خلال كتاباته وحواراته الصحفية. تناول في مقالاته ومحاوراته قوانين الإعلام وحقوق الصحفيين، ونادى بإصلاحات جذرية لتحقيق عدالة قانونية تواكب تطلعات المجتمع. كانت آراؤه حول رفض التوسع في الحبس الاحتياطي مرجعاً للنقاش القانوني في البلاد، وهي لا تزال محفوظة في أرشيف الصحافة كشاهد على المعارك التي خيضت في هذه البلاد من أجل غايات "المحاكمة العادلة".
ولعل ما أكسب الراحل هذا الود الكبير الذي ظهر في تعليقات زملاء المهنة والصحفيين، هو طباع الرجل الإنسانية وحبه للتواصل وتجنبه للخلاف وعدم بخله بالنصيحة أو المعلومة أبدا. لذلك، كانت مسيرته الحافلة وخبرته الواسعة، مرجعا لأجيال من المحامين تتلمذوا على يديه، فقد عرف بورايو بأسلوبه الفريد في المرافعة، حيث كان صوته القوي وحججه القانونية الدقيقة تهز قاعات المحاكم.
برحيله اليوم، تفقد الجزائر دون شك، أحد أعمدة الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، ورمزاً من رموز النضال القانوني الذي ترك بصمة لا تُمحى في مسار العدالة والصحافة، على حد سواء.