13-يونيو-2020

 

الجزائر/فتيحة زماموش

 

بقدر ما أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تمسكا باللجنة الدستورية والمكلفة بصياغة مسودة التعديلات الدستورية ، وتجديده الثقة في أعضائها ورئيسها أحمد لعرابة، بقدر ما أظهر حسما في توجيه تحذيرات غير مباشرة للحراك الشعبي الذي يستعدّ للعودة للتظاهر، ووصفها بأنها موجة لاحقة يتم التحضير لها.

تناول الرئيس الجزائري في لقاءه الدوري مع مختلف وسائل الإعلام الجزائري، مختلف القضايا التي تهم الرأي العام، إذ  فصل في أعضاء لجنة صياغة مقترحات الدستور، عقب الانتقادات التي وجهت لها، ورد على الدعوات التي طالبت بتغيير أعضاءها عقب تصريحات أثارت الرأي العام في الجزائر، معتبرا أن الشك في خلفية ممثليها، يعدّ " غير معقولا"، قائلا أنه لديه ثقة تامة في أعضاءها، الذين يتعرضون برأيه لـ" التشويه"، لافتا إلى أن رئيس لجنة صياغة الدستور، خبير أممي وهو ابن شهيد من شهداء الثورة التحريرية، ولا يمكنني الشك فيه مطلقا، علاوة عن عضو اللجنة وليد العقون، ابن شهيد ووالده من أعضاء جمعية العلماء المسلمين، وبالتالي لا يمكن المزايدة عليهم"، على حد قوله.

 

القضايا الخلافية في الدستور سيتم الفصل فيها

 

تفسّر هذه التصريحات، تجاوز الرئيس لكل الانتقادات والمطالبات السياسية والمدنية بتعديل مسار صياغة الدستور وغض الطرف عن دعوات سحب الثقة من اللجنة الحالية وتغييرها بلجنة أخري، إذ تعرّضت اللجنة إلى انتقادات شديدة مؤخرا، عقب تصريحات لعرابة الذي توقّع إبعاد مبادئ الهوية الوطنية ( الإسلام والعربية والأمازيغية ) من الدستور، تصريحات دفعت بعدد من الأحزاب السياسية من جانب المعارضة إلى المطالبة بتغييرها، بيد أنّ رئيس الجمهورية، أبدى اقتناعه باللجنة معلنا في نفس اللقاء عن فتح النقاش حول مسودة الدستور والتفصيل في عدد من مكوناته المقترحة.

وبخصوص هذه المسائل الحساسة، قال الرئيس تبون " المواد المتعلقة بالهوية والإسلام ليست مطروحة للنقاش"، مشيرا الى أنه اختار ان "يسلم الدستور للنقاش المجتمعي ليشارك كل في التعبير عن رأيه، برغم أنني كنت أتوقع أن يكون هناك بعض الانحراف في النقاش" كما قال.

وحول ذلك، ألمح إلى إمكانية طرح أسس نظام شبه رئاسي، تتوزع فيه الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، قائلا:"يجب أن نخرج من النظام الرئاسي الصلب، الذي يتحكم فيه شخص واحد وينفرد فيه بالسلطة،هناك توجه أغلبية تتوجه إلى نظام شبه رئاسي، وقد يكون الأنسب مع مراعاة خصوصيتنا، يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس حكومة ، لكن يجب توضيح بشكل دقيق البنود المتعلقة بالصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ".

وتحفّظ   الرئيس تبون على مقترحات سابقة حول التأسيس للنظام البرلماني مشيرا إلى  "بعض التجارب هذا النظام قدمت فكرة أن النظام هذا يجب أن يتم بنائه على أسس صحيحة، ويحتاج إلى ثقافة سياسية تكون وليدة المجتمع "، مشيرا في هذا السياق إلى أنه منذ توليه رئاسة الجمهورية اتجه نحو منح العديد من الصلاحيات للوزير الأول، حتى قبل طرح مسودة الدستور.

كما كشف الرئيس تبون أن اللجنة تلقت 1500 تقرير ومقترح من قبل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، تتضمن مقترحاته لتعديل الدستور ، مشير إلى أن الرئاسة تسعى إلى تحقيق " أفضل صياغة لدستور توافقي"، على أن يتم الفصل في المواد الخلافية فيها في المسودة النهائية.

واعترف بأن الأزمة الوبائية تسببت في تأخير الأجندة السياسية لمؤسسة الرئاسة، معلنا أنه من المنتظر أن يتم جمع المقترحات من مختلف الفاعلين السياسيين في الساحة نهاية شهر حزيران/ جوان الحالي.

الجيش للدفاع عن أمن الجزائر خارج الحدود

 

وبخصوص مقترح مشاركة الجيش الجزائري خارج الحدود، أكد الرئيس تبون أن "الجيش سيخرج خارج الحدود في مهام للدفاع عن الجزائر وأمنها ومصالحها، وأنه في حال التدخل في دول الجوار ، فسيكون بالاتفاق مع حكومات هذه الدول، ولن يكون صانعا للحروب والعدوان في دول الجوار".

وقال "جيشنا لم يشارك ولن يشارك في أي عدوان، لأن شعبنا مسالم وجيشنا مسالم يدافع عن السلم، والجزائر يجب أن التخرج من القوقعة، تساند الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في المجهود السلمي"."، مضيفا أن "الجيش سيخرج في مهام للدفاع عن الجزائر، وعندما ندخل الى دول الجوار فيكون بالاتفاق مع دول الجوار وبرلماناتها". وأوضح الرئيس تبون أن الجيش الجزائري" خرج وراء الحدود نحو ست أو سبع مرات تحت راية الأمم المتحدة وبإجماع قومية عربية مرات في الخارج، وهذه المرة أردنا أن يخرج جيشنا المسالم في ظروف شفافة، وبصفة ديمقراطية".

وفي هذا المنحى، تفيد تصريحات تبون، محاولة على قطع الطريق أمام " من يشككون في نزاهة لجنة صياغة الدستور، وإعطاء فرصة لتجاوز بعض الخلافات في المسائل الجوهرية في مضمون الوثيقة، يقول المتابعون للشأن السياسي في الجزائر، إذ يبدو أن صياغة مسودة أخيرة تطرح للاستفتاء في قادم الأشهر، تحاج إلى وقت أطول، في التفكير في معظم القضايا التي باتت تعيدنا إلى نقطة الصفر مع كل موعد سياسي، يقول الباحث في القانون عبد الباقي بوذن في تصريح لـ"الترا جزائر" لافتا إلى أن الفترة الزمنية والظروف الحالية غير كافية لإحداث تعديلات عميقة تحقق، توافقات في الساحة، وتعمل على القطع بين ماضي منظومة سياسية قديمة ومنظومة جديدة" على حد قوله.

 

حذاري.. .. موجة ثانية من الحراك

 

ومن زاوية أخرى، حذّر الرئيس تبون أطرافا تحول " إطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات، وعودة الحراك الشعبي للشارع، وقال "كل التقارير التي تأتي من جهات متعددة ان هناك موجة كبيرة من الاحتجاجات تيتم تحضيرها، هناك منهم مجندون ضد البلاد ولديهم مخطط (أ) وفشل والمخطط (ب) هم يسيرون فيه وسيفشل وحتى "المخطط (ج) سيفشل أيضا ونحن لهم بالمرصاد، لذلك بجب الحذر وأتمنى أن لا يدخل المواطنون في هذا اللعبة".

واعترف الرئيس تبون أن بعض المطالب الاجتماعية للشباب العاطل عن العمل مشروعة، لكنها تصبح غير عقلانية عندما يطلب أصحابها استجابة فورية تعجيزية من قبل الحكومة.

وبناء على تلك المعطيات، قال رئيس الجمهورية، أن هناك من هو منسجم تماما مع الفوضى الخلاقة، فحذاري من الانسياق، وعندما أقول حذاري من الانسياق، فهذا لا يعني القمع بل القضية قضية حماية وطن.

وأردف بأن المواطن أصبح واعيا رغم التحريض المتواصل منذ مدة"، موجها أصابع الاتهام إلى منصات التواصل الاجتماعي  التي تدير صفحات فيسبوكية، إضافة إلى وسائل الإعلام التي انخرطت في هذا المسار بالتهويل، لافتا إلى أنه شاهد تقريرا لمراسل قناة تلفزيونية أجنبية يقوم بتصوير تقرير في محطة بنزين حول زيادات في الوقود، وبطريقة توحي بكثير من التهويل، هذا أمر غير مسموح به ويجب أن يعرف أنه يعمل لقناة أجنبية".

 وفي مقابل ذلك، تأسّف الرئيس أن وسائل الإعلام تتغافل عن " الايجابيات في الواقع الجزائري، نحو الإنتاج الفلاحي لما قيمته 25 مليار دولار هذه السنة"، موضحا أن الأزمة الصحية في الجزائر بدأت تخفت، لكن قرارات التعامل مع الأزمة يكون " قرارا علميا" تتصرف فيه اللجنة العلمية.

وشدّد في هذا المجال  أن الأهم هي صحة المواطن وحمايته، متعهدا بأن لا يضيع حق المواطن، كما لفت إلى أن الحكومة الحالية تشتغل منذ خمسة أشهر فقط في ظرف صحي صعب بسبب جائحة كورونا، داعيا إلى منحها الوقت لإنجاز برنامجها.  

تخوفات السلطة السياسية في الجزائر من عودة الحراك الشعبي، والمظاهرات في الشارع، لها ما يبررها أمام الاحتقان الشعبي بسبب " العزلة النفسية والاجتماعية" التي تزامنت مع أزمة كورونا، فضلا عن احتقان شعبي في أوساط الطبقة الشغيلة خصوصا في أوساط العمال غير الأجراء، ومن تضررت وضعيتهم الاقتصادية، إذ تفيد بعض المؤشرات الاجتماعية إلى أنّه من السهل دفعهم إلى الخروج إلى الشارع والعودة إلى الحركة المطلبية، بتعدد خلفياتها، واختلاف أهدافها.

دلالات: