04-يونيو-2020

سعيد شنقريحة, عبد المجيد تبون (الصورة: السلام اليوم)

للمرة الثانية، وفي ظرف أربعة أشهر يجتمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بكبار قادة الجيش، والضباط على هامش مراسم إطلاق اسم الراحل قايد صالح على مقر ّقيادة أركان الجيش. تسميةٌ تحمل رمزية سياسية بالوفاء للنهج والمحدّدات التي وضعها رئيس أركان الجيش الراحل، ردًّا على تحاليل تحدّثت عن رغبة تبون في تصفية تركة قايد صالح واستبعاد رجاله من المراكز الحيوية، لكن الإشارة السياسية الأكثر دلالة في لقاء تبون بقيادات الجيش، تتعلق بإعطاء رسالة سياسية للداخل والخارج، بحيازته على دعم الجيش وانسجام كامل في الخيارات السياسية التي سيقدّم عليها، نظير استمرار الرئيس في خطط تسليح الجيش وضمان الموازنة الكافية له.

نور الدين أوجانة: رئيس الجمهورية يبحث عن تأييدٍ له داخل المؤسّسة العسكرية

صمام الأمان

بعث الرئيس تبون في خرجته الأخيرة، عبر كلمة ألقاها بمقر وزارة الدفاع أمام كبار قيادات الجيش وقادة المناطق العسكرية الست ّعبر تقنية التحاضر عن بعد، برسالة السلطة السياسية في البلاد، مفادها حماية الجيش ممن وصفهم بـ "اللوبيات والحملات التي تستهدف المساس بالمؤسّسة العسكرية"، مدّعيًا "تمكّن الجيش من المساهمة الكبرى في إنقاذ البلاد من مصير مجهول".

اقرأ/ي أيضًا: الرئيس تبّون يترأّس جلسة عملٍ بمقرّ وزارة الدفاع الوطني

في هذا السياق، وصف تبون محاولات تستهدف الجيش بـ "اليائسة"، موضحًا أن "الموقف الوطني الثابت للجيش أزعج أعداء الجزائر من الحاقدين والحاسدين والمتسترين بلوبيات ما زالت أسيرة ماض تولى إلى غير رجعة، وهذه اللوبيات معروفة في مهدها ومعروفة بامتداداتها ومعروفة بأدواتها ونحن لها بالمرصاد".

في قراءة أولية لرسالة الرئيس تبون، يعتقد البعض أن الرسالة كانت موجهة إلى جهتين، أولاها المعارضة السياسية بمختلف أطيافها وخلفياتها، وثانيها الموجة السياسية والإعلامية الفرنسية، التي قالت إن الجيش يهيمن على السلطة، ووجّهت خطابها إلى تناول الوضع في الجزائر من خلفية أنّ الجيش هو السلطة.

يضاف إلى هذه القراءة، طرح آخر يفسّر الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية، الذي يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، يوتضح أن الرسالة لها وجهان، بحسب أستاذ العلوم السياسية نور الدين أوجانة، وجهٌ يحتمل تفسيرًا ضمنيًا، يُظهِر توافقًا واضحًا بين الرئاسة والجيش، إذ قال تبون، "لا عجب أن يسترسلوا في حملاتهم الهستيرية للنيل من معنوياتكم لأنهم لم يتعلموا من تجارب التاريخ، وإلا لأدركوا أن هذه الحملات اليائسة ومهما تنوعت فنون وشرور أصحابها في التضليل، لن تزيد شعبنا إلا التفافًا حول جيشه ولن تزيد جيشنا الا انصهارًا في الشعب".

كما يحمل الخطاب بين طياته، "طمأنة للجيش"، يضيف الأستاذ أوجانة، لافتًا إلى أن اللقاء كان الثاني من نوعه بين الرئيس الجزائري وكبار قادة الجيش في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وفي قراءة سياسية أعمق، لفحوى رسالة تبون، يعتقد أوجانة أن رئيس الجمهورية يبحث عن تأييدٍ له داخل المؤسّسة العسكرية، يأتي عقب التغييرات التي أقدم عليها بما يسمح له الدستور الحالي، مبديًا أنه سيُبقي على الميزانية المخصصة للدفاع نفسها، إضافة إلى تعهده باستمرار مساعي عصرنة القوّات المسلحة وترقية الصناعات الحربية كخيار استراتيجي".

وأشاد الرئيس تبون بـ "نتائج المناورات العسكرية في مختلف الوحدات، لمست عن قرب من خلال المؤشّرات العملياتية الرئيسية، نتائج الخطة المرسومة لتحديث وعصرنة قدرات قواتنا المسلحة، ورفع درجة احترافيتها في العالم وفي المنطقة وتمسكها بتعزيز السلام والأمن في العالم".

في سياق أمني بحت، شدّد تبون على أهميّة مواصلة مكافحة الإرهاب، حاثًا "جنود وضباط الجيش العاملين في الوحدات الميدانية التي تقوم بملاحقة ومحاربة المجموعات الإرهابية على الحدود، وكذا في الهضاب والجبال للتصدّي لكل من تسوّل له نفسه العبث باستقرار الوطن".

مطالب الحراك 

على الأرض، وبعد 54 أسبوعًا من الحراك الشعبي، يبقى الشارع في الجزائر في حالة  سكون، وذلك منذ تفشي فيروس كورونا، والدخول في صراع مواجهة الأزمة الصحيّة حكومة وشعبًا، غير أنه في الجهة المقابلة، ينتظر كثير من النشطاء تحقيق مطالب الحراك الشعبي طيلة أزيد من سنة كاملة، وأهمّها إطلاق سراح المعتقلين، من السياسيين من المعارضة مثل الناشط السياسي كريم طابو و فضيل بومالة وعدد من المدونين و نشطاء الرأي، وهو المطلب الذي سيبقي على باب الحراك مواربًا، ويفتح احتمالات العودة للمسيرات، يقول الناشط الحقوقي فاروق برجم، من ولاية باتنة شرق الجزائر، لافتًا في تصريح لـ "الترا جزائر"، أن العقل الحِراكي اليوم يتطلع إلى "تحقيق مطالب الحرّيات، ومنها وجب على السلطة الحالية أن توقف المتابعات ضدّ النشطاء و تكميم الأفواه وتقويض حرّية التعبير".

يعتقد عدد من النشطاء، أن السلطة في الجزائر لن تفتح الباب أمام "غليان جديد" يقول الناشط الحقوقي، معتبرًا أن الأزمة الصحية الحالية، تعتبر حملًا ثقيًلا على الحكومة الحالية في مواجهة عدة اضطرابات يتوقّع لها البعض أن تكون مشهدًا جديدًا في الدخول الاجتماعي القادم، بسبب "البطالة الطارئة" التي أوجدتها كورونا، ومواجهة عدة احتجاجات لا يخدم السلطة في خطوتها نحو الذهاب إلى إصلاحات سياسية كبرى.

مضمون رسالة تبون الأخيرة، هو وجود انسجام واضح بين الرئاسة والجيش في الجزائر

رسالة تبون الأخيرة، كانت موجهة  للداخل كما للخارج، مضمونها وجود انسجام واضح بين الرئاسة والجيش في الجزائر، حول خارطة طريقة للأشهر القادمة، إذ يأتي خطاب الرئيس تبون هذه المرّة، لكسب المزيد من النقاط في هذه الفترة، بافتعال الخصومة مع الماضي الاستعماري، خصوصًا بعد أن بدأت معالم القضايا السياسية القادمة تتضح، منذ الإفراج عن مسودة تعديلات الدستور، في انتظار ترتيب وضعية الشأن العام في الجزائر منذ الرئاسيات الأخيرة، وتلافي تداعيات أزمة جائحة  كورونا، والتي زحزحت أهدافًا كثيرة في أجندة مخطط الرئيس وأخّرتها إلى حين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إرسال قوّات عسكرية إلى الخارج.. بين المخاوف الأمنية وحتمية الاستعداد للأسوأ

شنقريحة يتوعد باستئصال الإرهاب من الجزائر